قال الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الله مَنّ على مصر والعالم الإسلامي بالأزهر الشريف، واليوم نلتقي في ذكرى مولد نور المعرفة، قلعة العلم، وحصن الأمة ، ومنبت حفظة الدين، وحارس العقيدة الإسلامية عبر القرون، ذكرى افتتاح الجامع الأزهر ، أقدم أثر فاطمي، كان ولا يزال منارة للتائهين وملاذًا للمحبين، تمر الأعوام تلو الأعوام ويظل الأزهر شامخًا بعلومه رائدًا بعلمائه، صادعًا بوسطيته، زاهرًا بطلاب علمه الذين يفدون إليه فيفتح لهم أبوابه ويحتضنهم بين أعمدته الشاهقة.
وأضاف عياد، أن تاريخ الأمم مقرون بالأحداث التي تعاصرها وتاريخ القاهرة مقرون بإنشاء الجامع الأزهر الشريف الذي يعتبر بحق جامع القاهرة، فطوال أكثر من ألف عام التي عاصرها، شهد الأزهر أحداث مصر والعالم الإسلامي ما لا يمكن لنا أن نتصوره أو نصوره؛ فالجامع الأزهر منذ نشأته وهو يعتبر جامعة بحق؛ بل كان ولا يزال هو صلة رحم العلم بين مدارس العلم في العالم فكان على صلة وثيقة بمدارس بغداد إبان الدولة العباسية، وكان على اتصال بالمعرفة والثقافة في مدارس قرطبة بالأندلس، فكان تبعا لهذا الاتصال الفكري والروحي حلقة وصل بين مصر والعالم الإسلامي كله.
وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الجامع الأزهر لم يكن مجرد مسجد للصلاة والعبادة فحسب، وإنما كان حافلًا طيلة تاريخه بتعلم العلوم وتعليمها فكانت فتاوى علمائه النبراس الذي يسير على هديه الشعب المصري في كفاحه الطويل، كما أن أروقته كانت ولا تزال ملتقى علميًا يقوم على نظام أكاديمي، يعتمد على الموضوعية والمنهجية في التدريس والتعليم، فكانت دراسته قديمًا دراسة موسوعية شاملة لمعظم ألوان المعرفة السائدة في حينها، حتى تطور الأزهر بمفهومه المعاصر وبقيادة حكيمة لشيوخه الأجلاء، فشهد الأزهر طفرة وتطورًا ملموسًا في كل قطاعاته بإدارة رشيدة من صاحب الفضيلة الإمام الأكبر أ.د/أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ليكمل مسيرة الأكثر من ألف عام وهو منارة العلم ومقصد طلابه.
وبين أمين مجمع البحوث الإسلامية أن الناظر في تاريخ الجامع الأزهر، لا يقف فقط أمام منارة علمية دينية، بل سيشخص بصره متأملًا إلى منبر الوحدة الوطنية، ففي عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر من الميلاد، خطب القمص (سرجيوس) من على منبر الأزهر لمدة تسعة وخمسين يوما متتاليا، داعيا لاستقلال مصر ومؤكدًا على الوحدة الوطنية، فلم يكن الجامع الأزهر منارة الدين الإسلامي وعلومه فقط، بل احتضن الاختلاف ودعا للائتلاف.
وأوضح عياد أن الأزهر وجامعه هو من زاحم الزمان في موكب الخلود وارتدت عن صرحه هجمات المعتدين، وتكسرت على أبوابه أقلام الجهل والجهال، تعرض قديمًا وحديثًا لمحاولات النيل من علومه وعلمائه فصمد بفضل الله –تعالى- ثم بفضل المخلصين من أبنائه، ليظل رغم كل هذه المحاولات هو الجامع لشعوب الدنيا حول مناراته الخمس، والجامع للعلم والعبادة والعقل والدين، فالعلماء وطلاب العلم ما زالوا يفدون إليه من كل حدب وصوب من ربوع الأرض ليشهدوا في الأزهر منافع لهم، فكانت المعرفة في رحابه الشريف تنطلق من أفواه العلماء خالصة لا يشوبها تشويه أو تحريف أو تضليل فلم تخالف صحيح الدين كما أنها لم تغرد بعيدا عن واقع الناس وأعرافهم.