عن سهل (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُون لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ. [متفق عليه].
إن الذي يتأمل كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدرك أمرين : الأول منهما : أنه (صلى الله عليه وسلم) قال : (إن في الجنة بابًا) ولم يقل:(إن للجنة بابًا) مما يخبر بأن دخول الجنة أمرٌ متحقق، فقوله (للجنة) يفيد أن بابًا للجنة من خارجها، وأما قوله:(في الجنة بابًا) يفيد أنه بداخل الجنة، وأما الأمر الثاني: فهو قوله:( يقال له الريّان )، ومعلوم أن الريّان من الإرواء، فهل المقصود هنا إرواء من العطش وانتهى الأمر؟!
إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يلفتنا إلى أن الإرواء واقعٌ لكل جارحة صامت عن كل ما نهى الله عز وجل بنعيم من عند الله عز وجل في الجنة، إذن فليس الأمر متوقفًا عند حدِّ صيام البطن والفرج، وإنما لا بد من صيام الجوارح؛ ولذلك روى أبو هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ , وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ )[أخرجه ابن ماجة] .
فعلى كلِّ مسلم إذن أن يُصّوِّمَ الجوارح عن كل ما نهى الله عز وجل ، وهذا يحقق معنى رائعًا وهو (( وقف القلب لله عز وجل )) ، فمعلوم أن القلب هو الذي يُحرّك الجوارح ويوجّهها ، فإذا أوقفا الإنسان قلبَه لله عز وجل ، حكم القلبُ حركة الجوار ، فتنفعل الجوارح لإرادة القلب ، وإرادة القلب هو أن يوافق مراد الله عز وجل ، ومن ثم فلا تقع الجوارح في أي معصية في حق الله تعالى أبدًا .
ورحم الله الإمام أبا حامد الغزالي ؛ حيث أسس لدرجات الصوم ، فقال : (اعلم أن الصوم ثلاث درجات صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص.
وأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله.
بينما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون).