يظل العالم يبحث عن الأشياء المفقودة والغير مكتملة ليتمم لها الكمال بالوصول للأسباب والنتائج، حتي وقف الباحثون في عالم الحيوان أما تلك الدودة المبهرة، ومن المؤكد أنها ستبهرك أنت أيضا عزيزي القارئ.
عقلك لا يكاد يستوعب ما ستقراة في تلك السطور، ولكن الحقيقة الملزمة انك سوف تظل تقول ما أعظم الخالق في تكوينه وصنعه وحكمته، وذلك بعدما وجد الباحثون ( الديدان المسطحة – Planarian ) نوع من انواع الديدان يسمي
تعيش تلك الديدان في المستنقعات والبرك والأنهار ومن الممكن أن تعيش فوق الأشجار، يعني موجودة حوالينا في كل مكان.
تلك الديدان تكوينها مُسطح، يعني لو قسمتها بالطول لنصفين؛ هتلاقي النص الشمال واليمين متماثلين تماما وعندها جهازين تناسلين ( ذكر وانثى) في نفس الجسد
طيب ليه احنا بنتكلم عن الدودة دي بالذات؟
كلنا عارفين إن في انواع كتيرة من الحيوانات لو فقدت عضو من جسدها بتقوم ( التجدد - regeneration ) بإنتاجه مرة ثانية في عملية اسمها
زي نجمة البحر وهي نوع من أنواع الضفادع البحرية.
لكن هذا النوع من الديدان يمتلك خاصية فردية ليست موجودة في أي كائن حي على وجه الأرض (حتي الوقت الحالي) وهي إن خاصية التجدد مش مقتصرة فقط على الأعضاء المفقودة ولكن:
هذه الديدان لو قمت بقطع أي جزء منها سواء الرأس أو المنتصف أو الذيل سوف يعيد إنبات باقي الأجزاء وهذا ما جعلها واحدة من أكبر الألغاز العلمية:
وهذا يعني أنك لو حتى قطعتّ أي جزء ولو كان في حجم حبة الأرز من أي جزء في جسدها ( رأس، باطن، رأس) ستري بعد لحظات أن هذا الجزء أصبح دودة كاملة بعينين ورأس وجميع اجزائها العصبية والخلوية..
هذه العملية حيّرت العلماء في جميع أنحاء العالم، لإن ده الكائن الوحيد اللي عملية التجدد بتشمل كامل الجسد وتحديدًا الرأس!!
وسبب الحيرة هو أن أي كائن حي بيكون عبارة عن مجموعة من التجارب والخبرات اللي بتشكل سلوكه في تحصيل الطعام والدفاع عن نفسه.
والسؤال الذي يطرح نفسه، بالنسبة للدودة المُعاد إنتاجها، هل ستكون نسخة من الجديد للكائن الأصلي من حيث السلوك؟ ولا سيكون مولود جديد؟
وحتي يتم الإجابة علي هذا السؤال.. اثنين علماء امريكان" قاما بتجربة رائعة " The Journal of Experimental Biology ..ونشروا نتيجة البحث في مجلة علوم الأحياء وهي
في البداية أحضروا مجموعة من الديدان وعّرضوها للضوء(ومعروف أن الديدان تنفر فطريا من الضوء)
وبدأو في تطوير أسلوب يجعل الديدان تتصرف عكس طبيعتها؛ كي تتعود على الضوء وتألفه، وحتي يصلوا لتلك النتيجة وضعوا لهم الطعام بالقرب من مصدر للضوء، ولكي يصلوا للطعام لابد أن يعبروا من خلال المتاهة( وهو طريق غير واضح المعالم فيه منحنيات وحواجز وضعها المختبرون)، ومع مرور الوقت وزوال الرهبة، بالفعل الديدان بعد فترة استطاعت أن تمشي فالمتاهة بسرعة، ولم يقتصر الأمر فقط علي ذلك ولكن اعتادت الضوء فأصبحت لا تخاف منه!..
بعد ذلك أخذوا الديدان التي تعودت على الضوء وقطعوها لنصفين: نصف فيه الذيل ونصف فيه الرأس، وبعد 14 يوم كل جزء أصبح دودة كاملة، ثم أخذوا الديدان اللي نبتت من الذيل المقطوع ( يعني الديدان الجديدة ) وقاموا بتعريضها للضوء بإعتباره خوف فطري يعني من المفترض أن يولد معهم ذلك الخوف، ولكن الذي يُبهرك أن الديدان الجديدة لاحظوا أنها هي الأخرى لا تخاف من الضوء! واستطاعوا أن يعبروا المتاهة في زمن أقل ممن لم يتم تدريبهم..
وماذا يعني تلك التجربة؟ أو هذا الاختبار؟
الاختبار أو التجربة أثبتت أن مش بس الديدان بتعيد انتاج جسدها بالكامل من مجرد جزء صغير ( اي جزء مهما كان صغير) بل ينقلون الذاكرة ( عن طريق الحبال العصبية) يعني كل جزء في الدودة يمتلك نسخة من الحمض النووي ( Memorial RNA ) للدودة الأصل، واستنتج العلماء أيضا أنها ليست مجرد نسخة في الشكل والتكوين؛ ولكن ينقلوا نسخة من الذكريات السابقة..
ولماذا يحدث هذا؟
هذه الديدان بطبيعتها ( في معظم الأحيان) حجمها صغير، وتكوينها الفسيولوجي والجسماني ضعيف جدًا، ولا تملك اي وسائل دفاعية زي بعض الحيوانات الصغيرة حجمًا، بالإضافة الي إنها تتواجد في اماكن مُعرضة فيها للخطر، فتقوم ناقلة مع الديدان الجديدة الذاكرة كي تستطيع تجنب الأخطار المُحيطة بها، بدلًا من أن تتفاجئ بأشياء لم تتعلمها بالتجربة مثل صديقاتها.
ولكي تتيقن من تلك المعلومات والنتائج، فإن العلماء يحاولون الآن معرفة الجين المسؤول عن إعادة الإنبات، حتي يكون نواة يستطيعوا ان يستفيدوا منها على البشر الذين فقدوا أعضائهم في الحوادث والحروب!
علي رأسهم وكالة "ناسا" الفضائية والتي تعمل علي هذا النوع من الديدان وتم اخذ عينات منهم بالفعل إلي الفضاء لدراسة إمكانية الاستعانة بقدرتها في علاج الإصابات والجروح لرواد الفضاء.
وفي النهاية إذا تم التوصل لنتيجة سليمة وتم تطبيق ما يحدث في تلك الدودة علي البشر سوف يشهد العالم طفرة طبية وعلمية لم تحدث من قبل.