مرت مصر بسنوات عجاف بعد أحداث 2011 عانت خلالها من اهتزاز وعدم استقرار وصلت للفوضى، فلم تكن الدولة المصرية مستعدة أو على مقدرة لمجابهة مؤامرة حيكت ضدها من قبل ذلك التاريخ فى سنوات رخوية الدولة وعدم تماسكها، مما أدى لظهور نتوءات مثل حركات يتم تدريبها خارجياً على إسقاط الدولة مثل «6 أبريل» وغيرها من دعاة الفوضى والتخريب، بالإضافة إلى استقواء جماعة الإخوان الإرهابية التى كانت تمثل دولة داخل الدولة يتم إدارتها من مكتب مرشدها العام سواء من المنيل أو المقطم، ونخرت هذه النتوءات فى عصب الدولة المصرية كالسوس .
أحداث يناير جمعت الخونة ومقاولى الهدم بهدف دعم المؤامرة، ونجحوا فى الخطة المعدة لهم سلفاً من أجهزة ودول كان هدفها تفتيت الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات لتتناحر هذه الدويلات وتعمل كـ «إسفنجة» لامتصاص كل المتطرفين من العالم ليكوّنوا لهم إمارات وميليشيات داخل هذه الدويلات الوليدة من رحم الفوضى التى كانوا يروجون لها بأنها «خلاقة».
نجحت المؤامرة فى مراحلها الأولى وتم إسقاط دول سقوطاً كاملاً وبعضها سقط جزئيا تمثل فى إسقاط الأنظمة الحاكمة .
وعانت الدول العربية من هذه الموجات الفوضوية وكادت تتجه لدول الخليج العربى لتكتمل المؤامرة على العالم العربى بالكامل .
كانت الجائزة الكبرى ودرة تاج ومركز المؤامرة تتمثل فى إسقاط مصر واقتتال أهلها وتقسيمها لدويلات، فضلاً عن اقتطاع جزء من سيناء لغزة وحل القضية الفلسطينية على حساب أراضى الدولة المصرية، وتم إعداد المخطط وكان المنفذ جاهزاً، والصفقة كانت وصول الجماعة الإرهابية للحكم مقابل أراضى سيناء لقطاع غزة، وللتذكير قامت القوات المسلحة المصرية وقتها بإصدار قرارات لإفشال هذا المخطط الذى بدأ باستخراج بطاقات مصرية للفلسطينيين ومحاولات امتلاكهم أراضى سيناء.
ووصول الإخوان للحكم لم يكن مصادفة أو من خلال المنافسة الشريفة فى الانتخابات التى مارسوا فيها كل أنواع التضليل والخداع التى تمت هندستها خارج مصر لاستكمال المخطط، ونجح الجزء الثانى من الخطة، لكن عناية الله التى حفظت مصر هى التى جعلت غباءهم يتحكم فيهم وفى قيادتهم لمصر لمدة عام كامل أذاقوا فيها الشعب المصرى كل أنواع المرار ورجوع مصر لظلام الجاهلية، وإطفاء أى بارقة أمل نحو التقدم والحداثة، فصاروا أعداء كل الشعب المصرى الذى رأى وعاش حقيقة خيانتهم لوطنه .
ثارت حفيظة الشعب المصرى وغيرته على أرضه وشبابه الذى كان ضحية غبائهم وإرهابهم، فلم يتحملهم الشعب المصرى الذى وجدهم انحرفوا بمصر لطريق اللاعودة والسقوط فى بحر الظلمات .
كانت الحضارة والهوية المصرية شاهدة على انحراف الجماعة الإرهابية بالبلد إلى طريق يختلف عن طبيعة الشعب المصرى الذى كان تواقاً لتحديث مصر وتقدمها عكس الطريق الذى صارت عليه الجماعة بمصر، فخرج الشعب المصرى ثائراً على تهميشه ولم يكن هناك مخرج من هذه الأزمة التى احتكرت فيها الجماعة مصر باعتبارها «عزبة» تدار من مكتب الإرشاد وليس من قصر رئاسة الجمهورية بالاتحادية، وعزل كل فئات الشعب عن مجرد المشاركة فى حكم بلده وتقرير مصيره .
هنا استدعى الشعب المصرى حضارته وثقافته وهويته التى لم تكن قد نجحت الجماعة فى تلويثها بأفكارهم الهدامة وكرههم للانتماء للدولة الوطنية التى لا يؤمنون بها وبحدودها وأرضها.
“إن الأمة العظيمة هى التى تصنع البطل وهى القادرة على استيعاب فكره وعمله وطاقته فى إطار حيويتها المتدفقة وفى مجرى حياتها المتصلة وفى تيار تاريخها المستمر، البطل لا يصنع ولكنه يولد من ضمير أمته».. تلك كانت كلمات الرئيس محمد أنور السادات فى الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة فى 19 نوفمبر 1971 والتى كانت فى عمق وداخل ضمير العقل الجمعى للشعب المصرى، الذى بحث فى تاريخه ووجد أن الحل يكمن فى “البطل “لينقذ مصر من هذا المستقبل المظلم، ويصحح مسار الدولة وينقذها من مصيرها المحتوم، وهنا استشهد بكلام السادات الذى قاله قبل نحو خمسة عقود بأن الشعب المصرى قد سطر وسط آلامه وجراحه شرفاً حقيقياً لتاريخه الطويل الحافل والمجيد.. لم يترك العلم يسقط بعد القائد، وإنما رفع العلم وسار.
حرر السادات فى ١٩٧٣ جزءاً من مصر كان قد احتل فى نكسة ١٩٦٧ من عدو كنا نعرفه وكان بيننا وبينه خط واضح ويرتدى زياً معلوماً ولغة معروفة.
أما ما حدث فى ثورة ٣٠ يونيو فكان خروجاً لتحرير كامل الأرض المصرية من تنظيم كان ينخر فى جسد هذه الأمة أكثر من ثمانية عقود وكان فى أقوى حالاته بل وبدأ مرحلة تمكين عناصره فى مفاصل الدولة وبسرعة كبيرة.
استدعى مرة أخرى مقولة السادات فى نوفمبر ١٩٧٨ بأن شعوب العالم المتحضر تركز بصرها نحو شعب مصر إعلانا عن تقديرها لأصالته الحضارية ونضاله الشجاع وتحركه المذهل الجسور من أجل أن ينتصر الإنسان ومن أجل أن يحمى دم الإنسان من ضعف الإنسان، من أجل أن يتحرر الإنسان من الشرور والآلام، من أجل أن يحل على الأرض السلام، وكما حدث فى ٧٣ من انتصار أذهل العالم كان انتصار ثورة يونيو أكثر إذهالاً بل لم تصدق ولم تستوعبه بعض الدول الكبرى فى حينه وكانوا متشككين فى نجاح الشعب المصرى فى إزاحة التنظيم القوى المدعوم من الحكم بصدور عارية وقلب دق باب الأمل فى عودة وطنه المسلوب .
كانت ثقة الشعب فى الجيش الذى لم يخذله من قبل فى حمايته من إرهاب موجود تتسارع وتيرته وستكبر رقعته الجغرافية وعدم تمييزه بين طفل وامرأة وشيخ، وبين مدنى وعسكرى، بل سيكون كل الشعب وأبنائه هدفًا لإرهاب التنظيم .
لم يبال الشعب بما سيحدث له من إرهاب، فالهدف كان تحرير الأرض والعرض وخرج أكثر من ٣٠ مليون مصرى لا يبتغون سوى تحرير وطنهم السليب وليس لهم من داعم وحامٍ سوى جيشهم الذى لم يخذلهم أبداً.
ناشد الشعب «البطل» الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع فى الوقوف ضد هذا التنظيم الفاشى الظلامى لـ”إنقاذ” الوطن من دنس تجار الدين بائعى الأوطان وعدم تكرار ما حدث فى بلدان شقيقة .
الفريق أول عبدالفتاح السيسى كان اختياره من اللحظة الأولى هو الوطن وتخليص الشعب من الجماعة التى احتكرت كل شىء فى مصر حتى شعبها أصبح عبيداً لهذا التنظيم ولا يحق لهم حتى التعبير عن رفضهم لما يحدث، ووضعت الجماعة ومن خلفها واضع الخطة والممول من خارج مصر أملاً فى القضاء على مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى وانتظار لحظة انهيار الدولة.
« البطل» لبى نداء الشعب ومن اللحظة الأولى فكر فى انتشال البلاد من براثن الاحتراب الأهلى بين الجماعة والشعب المصرى، لكنهم دائماً ما كانوا يستقوون بالخارج على الشعب وهو ما استفز «البطل» الذى لم يحتمل جلب مرتزقة وميليشيات لقتل المصريين وضياع الدولة وضياع الوطن إلى غير رجعة .
اختار «البطل» الفريق أول عبدالفتاح السيسى بلده وشعبه وحمل روحه وروح أسرته الصغيرة )عائلته) على كتفه رغم يقينه بأن التنظيم والجماعة لم يتركوه أو أسرته وسيلاحقونهم ويستهدفونهم سواء كان هذا الاستهداف لحياتهم أو إطلاق الشائعات عليه وعلى أسرته حتى يخرجونه عن التركيز على رعاية الشعب ومصالح الوطن ويشغلونه بقضايا فرعية وإغراقه فى التفاصيل وأبنائه من الجيش والشرطة لمجابهة المخطط ورفع راية حماية الشعب وعلم مصر لن يسقط فى وجود جيشه العظيم.
كانت الجماهير المحتشدة فى الميادين والشوارع تنتظر وكلها ثقة فى “بطلها” الذى لن يخذلها وإذا به يخرج عليهم بيان إمهال القوى المدنية ٤٨ ساعة كفرصة أخيرة لكن التنظيم والجماعة مازالت فى غيها غير عابئة بالشعب ومحاولة إصلاح حالة الانسداد السياسى الذى كان سببه ما قاموا به من إجراءات واستبعاد لكل القوى السياسية المصرية.
رفض الشعب ترك الميادين والشوارع وكان مطلبهم الوحيد إزاحة الجماعة الإرهابية من حكمهم والتحكم فى مستقبلهم وعيونهم معلقة على الشاشات التى سيطل منها بطلهم وأملهم معلق فى بيان يعلن «البطل» انحيازه لهم وبات الشعب يحلم بالحرية التى اقتربت ولا يفصلهم عنها سوى ساعات المهلة.
انتهت المهلة ولم تحدث انفراجة فى الأزمة المستحكمة وإذا بـ«البطل» يظهر ويلقى بيان الإنقاذ على الشعب المصرى وهنا تختلط دموع الفرح بعرق تزاحم المصريين الذين أتوا للميادين من كل حدب وصوب وألقى الفريق أول عبدالفتاح السيسى البيان وتحولت الميادين والساحات لأفراح وهنا لا تخطئ العين ابتسامة النصر على وجوه المصريين.
بعد النصر وتحرير الأرض كان لابد للفكر الجمعى للشعب المصرى أن يفكر فى” البطل” الذى يحافظ على انجاز التحرير ويتأكد من عدم حدوث نكسة وعودة الجماعة عبر الأبواب الخلفية التى يجيدون التسلل من خلالها فالمصري لا يلدغ من الجماعة مرتين .
العقل الجمعى للشعب المصرى الذى وجد ضالته فى «البطل المنقذ» عبدالفتاح السيسى مخّلصا لهم من الجماعة فنادى الشعب هذا البطل ليكلفه بحماية ثورته ويتولى شئون البلاد حتى يستكمل مهمته التى كان زاهدا فيها منذ البداية، وقبل السيسى التكليف بانتخابات ضخمة وفوز باكتساح وشعبية جارفة وما كاد ينتهى من مهمته الأولى إلا ويجد نفسه مكلفًا بمهمه أكبر وأعظم وهى إعادة بناء مصر فى أقل وقت وبأقل تكلفة فى ظل حرب يخوضها ضد منتخب الإرهاب وحرب شائعات وجهت لشخصه ومشروعاته لوجهت لدولة لهدمتها وظرف دولى أعقد ما يكون ببلد شبه منهار وبلا مقومات ومكبل بظروف اجتماعية واقتصادية صعبة.
هنا استدعى «البطل» موروث الثقافة والهوية والحضارة المصرية ليقوم بأكبر عملية تنمية وبناء وفى وقت قصير زرع الصحراء بالمدن وحدث المدن القديمة وزرع الوديان لتخضر الأرض الصفراء وأثبت «البطل» أنه الاختيار الصحيح وأنه البطل المنقذ الذى صدق به وفيه مشروع مصر وشعبها، وها نحن نجلس ونكتب تلك السطور على ضوء الكهرباء وأسير فى طرق جديدة وبجوارى أبنائى يتعلمون ويذهبون لمدارسهم مطمئناً على مستقبلهم وفى أمان دفع ثمنه شهداء من خيرة شباب وطنى، كل هذا ما كان يتحقق لولا ثورة ٣٠ يونيو العظيمة.