حثنا الله تعالى على الاقتداء بالأنبياء، وأخذ العبر من حياتهم، والابتلاءات التي تعرضوا لها، وترتبط قصص الأنبياء ارتباطًا وثيقًا بتفسير القرآن الكريم، وتم تأليف الكثير من الكتب التي تحكي قصص الأنبياء، وتشمل الـ25 نبيًا المذكورين في القرآن الكريم، بدايًة من آدم عليه السلام، وحتى محمد عليه السلام، وتروي تلك القصص حياتهم قبل النبوة، ودعوتهم لقومهم، والابتلاءات والمحن التي تعرضوا لها.
وتعرض بوابة "دار الهلال" للقارئ خلال شهر رمضان، قصص الأنبياء ليتخذوهم قدوة، ويسيروا على نهجهم، ونقدم اليوم قصة سيدنا صالح عليه السلام، وهو أحد أنبياء الله الذي أرسل للدعوة إلى توحيد الله وعبادته، وقد ذكرت قصة صالح مع قومه ثمود في سورة الشعراء في القرآن الكريم، والتي تعتبر إحدى القبائل العربية التي تنحدر من أصل أولاد سام بن نوح، حيث قال الله تعالى في سورة هود: "وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إله غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)"
رفض ثمود الدعوة والتمسك بالأصنام
أرسل الله تعالى صالحا عليه السلام إلى قبيلة ثمود، وهي قبيلة عربية كانت تسكن الحجب بين الحجاز وتبوت، وكانوا تعبد الأصنام، ولا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وكانوا في ضلال كبير، واجتمع بهم سيدنا صالح يدعوهم لعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فرفضوا دعوته؛ لأنهم لا يريدون ترك ما عبده آباؤهم وأجدادهم، حيث قال تعالى في سورة الشعراء: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا على رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)"
إلا أن صالح عليه السلام أصر على دعوتهم إلى عبادة رب الناس الذي ينفعهم ويرزقهم، والذي جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد، وذكرهم بنعم الله عليهم، عندها كذبوه واتهموه بالجنون والسحر، فقال لهم إنه لا يريد منهم سوى الإيمان، وإنه رسول من الله.
معجزة صالح عليه السلام
طلب قوم ثمود من سيدنا صالح معجزةً تصدق رسالته وتظهر صدقه، وعندها سألهم صالح عن المعجزة التي يريدونها، فأشاروا إلى صخرة كبيرة قريبة من المكان، وطلبوا منه أن يخرج من هذه الصخرة ناقة، وأخذوا يضعون شروطاً تعجيزية في مواصفات الناقة، حيث قال الله تعالى في سورة الشعراء: "قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)"
ذهب صالح بعد ذلك إلى المصلى ودعا الله أن يخرج من الصخرة ناقة؛ فخرجت من الصخرة ناقة وفق شروطهم وأمام أعينهم، فتعجب القوم وآمن بعضهم بصالح وهم قلة، إلا أن أكثرهم استمروا في كفرهم، حيث قال الله تعالى: في سورة الشعراء: "قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155)"، وطلب صالح عليه السلام من قومه أن يتركوا الناقة تشرب من البئر يوما، ثم يشربون منها في اليوم التالي وهكذا، وطلب منهم أن تبقى الناقة بينهم، وأصبحت الناقة تشرب يوما من البئر، وفي اليوم التالي يأخذ القوم حاجتهم من ماء البئر، واستمروا على هذا الحال وهم يشربون من لبن الناقة.
نهاية قوم ثمود
كانت نهاية قوم ثمود كما جاء في سورة هود: "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ (68)"، وهكذا في الموعد الذي حدده صالح أي بعد ثلاثة أيام، في أول يوم كانت وجوههم مصفرة، وفي اليوم الثاني كانت وجوههم محمرة، وفي يوم السبت الثالث أصبحت وجوههم مسودة، فلما جاءت صبيحة يوم الأحد جلسوا ينتظرون العذاب المقرر لهم، فعندما خرجت الشمس جاءت صيحة من السماء ورجفة في الأرض من تحتهم، فهلكوا وكان ذلك عقاب عنادهم على الكفر، ورفضهم الإيمان بالله وحده لا شريك له.