الخميس 2 مايو 2024

هل ماتت الدراما؟

مقالات26-4-2021 | 21:14

شاءت الظروف - فى آخر عقدين - بشكل أو بآخر أن يكون شهر رمضان هو حلبة النزال الدرامى بين مختلف الأعمال التى يقدمها الفنانون. كلما مر عام تراكم عدد المعروض من المسلسلات، إلى أن تحورت مسيرة الدراما الرمضانية بشكل كبير، وصلت إلى حد التخمة فى أحد الأعوام بأن تم إنتاج 70 مسلسلا فى الموسم - شهر رمضان - وكل مسلسل يقوم ببطولته "نجم" يسانده نجوم آخرون ويؤازرهم أنصاف نجوم.

اتخذت الدراما من الواقع المجتمعى أغلب تشكيلاتها المحبوكة مثل: الصعيد، الرومانسية، الاجتماعية السياسية، التاريخ، وصولل إلى الإثارة "الأكشن" والغموض، الشعبية.. إلخ من الأنواع التى تم إدخالها إلى تيمات الدراما بسلاسة اجتذبت لها جمهورًا كبيرا. استمرت التيمات ذاتها ربما فى العشر سنوات الأخيرة تقدم من خلالها الدراما المعبرة عنها، ولكن ضل الجمهور طريقه بينها مبتعدا عنها وانتقدها بشكل واضح، وتتعدد الأسباب لذلك، منها ضعف المستوى الفنى للكتابة الدرامية، مجافاة الواقع الذى يعيشه الناس والمفترض نقله على الشاشة بمصداقية تامة، العامل الأهم هو الارتكان إلى الربح المادي، اعتبر الفن والإبداع عملا تجاريا فى الأساس قبل اى اعتبار، وظهر كعامل أساسى فى العمل الفنى ما كان يستتبعه دائمًا؛ افتعال درامى وحشو مشهدى يعتقد "جاذبيته"، فيظهر ساذج ومنفر وغير مبرر.
ثم البعد عن قضايا الواقع ؛ وكان آخر ما عهدناه فى نمط الدراما الهادفة الإبداعية مسلسل تحت السيطرة ليارا نعوم، وكذلك فى النموذج الاجتماعى السياسى حارة اليهود لمدحت العدل، أما موالاة الإغراق فى غموض يفترض سذاجة الجمهور عبر حلقات مطولة مملة و"مفقوسة" فكان ظاهرة، وآخر ما قدمته دراما التشويق المدروس القائم على دراسة نفسية معتبرة هو"فوق مستوى الشبهات" ليسرا. التطويل فى الحوار سمة غالبة بما لا يتوافق مع الضرورة الدرامية، فلم نرصد مسلسل هادف وممتع مثل "نصف ربيع الآخر" لم يتحرج الكاتب العملاق محمد جلال عبد القوى أن يكتبه فى 15 حلقة فقط، فضلا عنما هو مؤكد وملموس أن الكتابة عن الصعيد فقدت رونقها بشكل كبير بعد وفاة المستشار محمد صفاء عامر، وهجر عبد الرحيم كمال لها وكان آخر ما كتبه فى هذا المضمار رائعته " الخواجة عبد القادر" ثم اتجاهه لنموذج متفرد هو المسلسل الفلسفى مثل "ونوس" بيد أنه لم يصل لحد التيمة لقلة الأعمال المشابهة له فبدا وكأنه طفرة، أما عن مفهوم الثيمة الشعبية المحببة إلى الجمهور انتفى شكلها الأصيل، وتم مسخها إلى بلطجة وعنف "أكشن"، فلم نعُد نشاهد نموذج مثل " أرابيسك " أو "سوق العصر".

غير أنه من بين التيمات المعتادة آنفة البيان ظهرت لنا من العام الماضى واستمرت فى الحالي، ثيمة جديدة اجتذبت أكبر قدر من الجمهور بلا منازع، هى الثيمة الوطنية التى تجسدت فى ملحمة مسلسل الاختيار بجزئيه. لعل الجمهور العريض من المشاهدين - فى الموسم – هجر الثيمات التقليدية التى تهالكت بعدما فقدت محتواها الفنى الحقيقى، لصالح دراما الوطن، التى تم تقديمها تقدم فى قالب إنسانى، لم نتفاجأ به على الشاشة فى صورة يوميات مملة رغم أنها تحكى عن أشخاص أغلبهم لا زال يعيش بيننا، لا تتمتع بإنتاج مبهر أو "تحبيشات" بعينها ولكنها مست قلوب الجمهور، لا يرجع ذلك إلى إفلاس المحتوى المنافس لها، قدر ما أنها تعبر عن واقع عايشه الناس بكل تفاصيله، تم نقله على الشاشة بمصداقية أكثر منه باحترافية. فجاءت ملحمتا الاختيار متصدرة نسب المشاهدة لعامين متتالين. الجمهور العام هو "ترمومتر" العمل من حيث الذائقة وكذلك أيضًا يعبر بشكل كبير عن مستوى الجودة والاتقان ومدى تقبل المزاج العام له. وفى نطاق الثيمات التقليدية أيضًا عزف جمهور السينما عن متابعة الأفلام التى خرجت من عباءتها، والتى نضيف إليها فى - السينما - الثيمة الكوميدية المعتادة مثل شخصية اللمبى وأفلام محمد هنيدى وبالمناظرة كانت لها بعض المحاولات الدرامية المتواضعة، ليضع - الجمهور الترمومتر- فيلم "الممر" فى الصدارة أيضًا. الحالة المزاجية والحسية العامة للشعب بمختلف أطيافه وتوجهاته، تستدعى أن يرى ويسمع ويشاهد ما مر به فى سنواته العجاف، لا يحتاج أن يُخاطب بأعمال فنية تسحبه من واقعه الذى لا زال يعيشه ويتشبت بروئ بمبدعيه لعلها تهدأ روعه أو تمنحه تفسيرا مغايرا للسوداوية، لا يعنى بأى حال من الأحوال التقوقع داخل ذلك النمط الفنى، قدر ما يتطلب أن يتم توجيه القدر الأدنى من التفكير فى قضايا المجتمع والتفاعل معها بشكل أكبر فى دائرة - الدراما - هى الأكثر اتصالا بالشعب وتعبيرا عن مشاكله وطموحاته.

Dr.Randa
Dr.Radwa