يزخر تاريخنا الثقافي والفني بشخصيات كثيرة يمثلون علامات مضيئة، ونجومًا تتلألأ في حياتنا، أضافت الكثير بالتزامها وإخلاصها وموهبتها وإبداعها في مسيرة المسرح المصري والعربي أيضًا، وأسعدت الجمهور بكل ما قدمت، وتواصل بوابة "دار الهلال" في شهررمضان المبارك تسليط الضوء على نجم من هؤلاء النجوم وخطوات من رحلته وحياته بالمسرح .

ومن بين هؤلاء الذين تركوا إرثًا فنيًا في الحركة المسرحية المصرية وحفروا أسمائهم في عالم الإبداع بما قدموا بالكثير من الأدوار والشخصيات الدرامية بمسرحنا أيقونة الكوميديا وصانع البهجة الفنانة "سهير الباروني"

ولدت الفنانة القديرة "سهير الباروني" في 5 ديسمبر عام 1937 بشارع الجيش في حي «باب الشعرية» بمحافظة «القاهرةوكانت بدايتها الفنية من خلال المسرح المدرسي بمدرسة «غمرة الإبتدائية»، وكانت تلميذة نجيبة محبوبة من جميع مدرسيها، وخاصة مدرسة الألعاب لعشقها الرياضة منذ طفولتها، ومدرسة الموسيقى لاشتراكها في الفرقة الموسيقية كعازفة «كمان»، ومن مدرس اللغة العربية الذي كان يمنحها الدرجات النهائية ، واستمرت"سهيرالباروني"في تفوقها الدراسي بعد ذلك فى المدرسة الثانوية بالعباسية. وبدأت علاقتها بالتمثيل بالمصادفة وذلك عندما كان أحد أقاربها وهو الفنان"عثمان محمد علي"يتقدم لامتحانات القبول بمعهد التمثيل واصطحبها معه بالصدفة، وأثناء الإمتحان طلب عميد المعهد من أحدى المتقدمات للإختبار أن تقوم بأحد الأدوار فلم تستطع تأديته بالشكل المناسب فطلب من"سهير" أن تلعب هي الدور برغم أنها أخبرته بأنها من غير المتقدمات للإمتحان،وحينما أعجب بأدائها قال لها«مبروك أنت الأولى»!!.
والتحقت"سهير الباروني"بالمعهد العالي للتمثيل، ولكنها لم تسطع الإستمرار حيث تم فصلها لعدم انتظامها في الدراسة.وكان السبب الرئيسي في عدم انتظامها بالدراسة هو إنتمائها لعائلة ترفض دراستها للتمثيل، فهي حفيدة «سليمان باشا الباروني» أحد كبار البارونية في دولة «ليبيا» الشقيقة، ورفيق الزعيم عمر المختار في جهاده ضد الإحتلال الإيطالي، فكانت صلة القرابة تلك عائقا يقف أمام دخولها مجال التمثيل، حيث رفضت عائلتها دخولها المجال الفني أكثر من مرة، وفي محاولة للتحايل على رفض العائلة اتفق معها قريبهاالفنان عثمان محمد علي أن تخبرهم باستلامها العمل كموجهة مسرحية، ومنذ تلك اللحظة عرفت طريقها إلى الإذاعة فشاركت في تمثيل سباعية «بنت بحري» للشاعر بيرم التونسي.

وبدأت"سهير الباروني"حياتها الفنية كممثلة محترفة بالعمل بفرقة «الريحاني» وذلك عندما التقاها مدير مسرح «الريحاني» وأخبرها برغبته فى ضمها لفرقة ولكن والدتها رفضت بشدة في البداية، ولاقتناعه بموهبتها اضطر إلى إقناع والدتها بكل الأساليب الممكنة ومن ثم وافقت الأسرة بالنهاية  .
تميزت الفنانة"سهير الباروني"بأنها إحدى الممثلات النادرات اللاتي يستطعن تحمل البطولات الكوميدية، وكانت تشتهر بخفة الظل وبقدرتها على تفجير الضحكات من خلال كوميديا الموقف بمهارتها الشخصية،فإن ورفضت الفنانة" سهير الباروني " أن تحبس داخل نمط إو إطار معين بالشخصيات الدرامية واستطاعت تقديم أنماط وأدوار مختلفة كالمرأة الشعبية، والمرأة الأرستقراطية، والمطربة أو العالمة، وبعض أدوار المرأة المدللة أوالمغلوبة على أمرها، وأدوار المرأة العجوز المسنة .

امتكلت الفنانة  القديرة " سهير الباروني "رصيد فني متميز  بشخصيات متنوعة مختلفة كثيرة للجمهور،وشاركت خلال الربع الأخير من القرن العشرين بعدد كبير من المسلسلات الدرامية المتميزة تمتعت"سهير الباروني"بخفة ظل لا مثيل لها، ونجحت دوما في نشر البهجة بمختلف أعمالها، وشاركت وتعاملت مع ثلاثة أجيال من نجوم الكوميديا، حيث بدأت مع جيل الستينيات وجيل السبعينيات ثم جيل الثمانينات والتسعينيات ،وساهمت "سهير الباروني" بأداء بعض الأدوار الثانوية المؤثرة في عدد خمسة وخمسين فيلمًا خلال أكثر من خمسين عاما وبدأت"سهير الباروني" إسهاماتها التليفزيونية من خلال مشاركتها بأداء بعض الأدوار الرئيسة بفوازير رمضان مع «ثلاثي أضواء المسرح»خلال الفترة من 1967 إلى 1970، ثم بعد ذلك من خلال تجسيد بعض الأدوار المحورية ببعض المسلسلات المهمة.

تنقلت" سهير البابلي"بين عدد كبير من الفرق المسرحية، ومن أهم تلك الفرق التي صقلت موهبتها: «الريحاني»، «تحية كاريوكا»، «ثلاثي أضواء المسرح»و. بدأت التمثيل في السينما منذ حقبة الخمسينات من القرن العشرين، وشاركت في عدد من الأفلام الشهيرة .
شاركت"سهير الباروني"في بطولة ما يقرب من أربعين مسرحية (مابين فرق مسارح الدولة وبعض الفرق الخاصة)، واستطاعت أن تنافس كبار فنانات الكوميديا خلال النصف الثاني من القرن العشرين ،وخلال رحلتها المسرحية شاركت الفنانة سهير الباروني بعدة بطولات مطلقة ومن بينها مسرحيات( أهلا فأر السبتية، شباب على طول، حواديت (زفة العروسة)، أحدث زوجة في العالم، هاللو شلبي، الدنيا مزيكا، إعقل يا مجنون، إحنا إللي خرمنا التعريفة. 

وتتمثل المشاركات الفنية للفنانة سهير الباروني  في المسرح المصري كما يلي:
شاركت "سهير الباروني"بتقديم العديد من المسرحيات بفرق مسارح الدولة حيث قدمت مع فرقة«المسرح الكوميدي»(للحريم فقط (1963)، ملكة الإغراء (1964)، حالة حب (1965). ومع فرقة «الأسكندرية»شاركت في (الدنيا رواية هزلية (1971).ومع فرقة«المسرح الحديث»شاركت في مسرحيات (الكدب له ألف رجل (1972)، ومع فرقة «مسرح الطليعة» شاركت في(أهلا فأر السبتية (1974) ،ومع فرقة «مسرح الشباب» شاركت في مسرحيات (شباب على طول (1984).
ومع فرق القطاع الخاص شاركت " سهير الباروني" في مسرحيات عديدة بمختلف الفرق حيث شاركت مع فرقة «الريحاني» في مسرحية "الحكم بعد المداولة (1953)، على عينك يا تاجر (1956)، حماتي بوليس دولي (1957)، إللي يعيش ياما يشوف (1959)، كان غيرك أشطر (1961)، الحرامية (1977). ،ومع فرقة «ساعة لقلبك» شاركت في مسرحيات :(الستات ملايكة (1960).ومع فرقة«إسماعيل يس» شاركت في (ثلاث فرخات وديك، كناس في جاردن سيتي (1962)، الحب لما يفرقع (1963).
ومع فرقة «تحية كاريوكا»شاركت " سهير الباروني " في (قهوة التوتة، حضرة صاحب العمارة (1966)، ومع فرقة «ثلاثي أضواء المسرح»شاركت في مسرحيات (حواديت-زفة العروسة (1967)، براغيت (1967)، أحدث زوجة في العالم (1969)، ومع فرقة«الفنانين المتحدين» شاركت في مسرحيات ( هاللو شلبي (1970)، اللص الشريف (1971)، علشان خاطر عيونك (1987)، شارع محمد علي (1990).، ومع فرقة «المسرح الفكاهي» (أنور عبد الله) شاركت في مسرحية ( أنا ومراتي وجوزها (1972).
ومع فرقة «المسرح الباسم» (نبيل الهجرسي) شاركت في مسرحية " المحتاس والناس (1972) ، فرقة «نعيمة وصفي» شاركت في مسرحية "ولد وجنية (1973) ، ومع فرقة «نجوم المسرح» (كمال الشناوي) شاركت في مسرحية "اللعب ع المكشوف (1975).ومع فرقة«الكوميدي شو»قدمت"الدنيا مزيكا(1976) ،ومع فرقة«محمد نجم» شاركت في (إعقل يا مجنون (1984)، ومع فرقة«الكوميدي المصرية»شاركت في مسرحية"ليلة القبض على حمص (1985).ومع فرقة«حسام الهجرسي»شاركت في "إحنا إللي خرمنا التعريفة (1989).
و قدمت الفنانة القديرة"سهير الباروني" بعض المسرحيات المصورة التي أنتجت خصيصًا للعرض التليفزيوني ومن بينها(الوصية (1968)، الحقيقة فين؟ (1973)، اللعبة (1985)، ثلاثة عشر ليه؟ (1988)
 
نالت"سهير الباروني"العديد من الجوائز وشهادات التكريم بالمهرجانات السينمائية الدولية عن بعض أدوارها الثانوية بالسينما، و تم تكريمها عام 1994 في إطار فعاليات «المهرجان الأول للمسرح الضاحك» للجمعية المصرية لهواة المسرح»، و كرمت عام 2010 من قبل «المركز الكاثوليكي» عن مجمل أعمالها، ويبقى تكريمها الأكبر هو حب وتقدير جمهورها الكبير بمصر ومختلف الدول العربية .
ورحلت عن عالمنا  الفنانة القديرة " سهير الباروني " منذ تسع سنوات حيث توفيت بمنزلها بمنطقة المهندسين (محافظة الجيزة) في 31 يناير عام 2012 (شهر رمضان) عن عمر يناهز 74 عاما تركت بيننا مسيرة فنية عطرة وثرية بكل ماقدمت لتبقى " الفنانة ونجمة الكوميديا " سهير الباروني " في أذهاننا ووجداننا دائما .