الثلاثاء 21 مايو 2024

المرأة العاملة فى عيد العمال

6-5-2017 | 10:39

بقلم: د.عبدالله النجار

يحتفل العالم كله والمصريون على وجه الخصوص بعيد العمال فى مستهل شهر مايو كل عام، وكلما حل موعد هذا الاحتفال يتذكر الجميع قيمة العمل، وكيف أنه كان - ولا يزال - هو الأمر الذى خلق من أجله الإنسان، فإن الله ما خلقه وأوجده إلا ليعمل، ثم ليجزى فى النهاية عن عمله فى الدنيا والآخرة وصدق الله العظيم فى قوله الكريم “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره »، وفى قوله الكريم » من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون »، وفى قوله تعالى “استجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض »، وفى كل الآيات والأحاديث النبوية التى .تتحدث عن العمل وجزائه وقيمته فى حياة الأفراد والمجتمعات وقد ورد لفظ العمل ومشتقاته فى القرآن الكريم أكثر من ثلثمائة وخمسين مرة، وكلها تتكلم عن العمل الصالح المطلوب، كما نتكلم - كذلك - عن العمل الطالح المحظور، لكن القرآن الكريم حين يتكلم عن العمل الصالح يمجده، ويجعله من أفضل الكسب وطريق العزة والكرامة، وأداة تحصيل السعادة فى الدنيا والآخرة، وفى ذلك يقول النبى - صلى الله عليه وسلم «إن أفضل الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور »، فجعل عمل الرجل بيده من أفضل أنواع الكسب، كما جعل ما يترتب على العمل وهو بيع الإنتاج وتصديره من أفضل أنواع الكسب للأفراد والمجتمعات، لأنه ينمى الصادرات، ويرفع دخل الدول، ومن ثم يزيد دخل الأفراد فيقدرون على تحقيق العيش الكريم، والحياة الطيبة التى يستطيعون فيها أن يؤدوا ما عليهم من واجبات الدين والدنيا، .وأن يحققوا لأنفسهم عزة الإنسان وكرامة الأوطان وإذا تكلم القرآن الكريم عن العمل الطالح المحظور، فإنه يحذر من نتائجه وينهى عنه، ويتوعد من يفعله بالعذاب الأليم فى الآخرة، والعقاب العاجل فى الدنيا، كما لو كان جريمة من الجرائم أو مخالفة من المخالفات.

وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يحب العمل اليدوى ويرفع من قدر صاحبه، لأنه هو الذى يبنى ويعمر، وهو الذى يعلى ويبدع ويضفى على الحياة أماناً وجمالاً، كما يحقق لصاحبه كرامة وإجلالاً، لأنه يجعل يد العامل هى اليد العليا التى تبنى وتعطى ولا تأخذ وتهدم، وهى التى جاء فيها حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - «اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول »، وقد رأى يد أحد العاملين وقد ظهر عليها أثر العمل تشققاً وجفافاً، فقال له: «هذه يد يحبها الله ورسوله »، وكان - صلى الله عليه وسلم - يمارس العمل اليدوى ويمتهنه، فقد رعى الأغنام وجمع الحطب مشاركة مع أصحابه لإنضاج الطعام، وشارك معهم فى حفر الخندق وكان يحمل معهم التراب على ظهره وفى هذا دليل على أهمية هذا العمل وأنه يمثل قيمة إنسانية تعلى من شأن الإنسان وترفع مكانته بين أهله وفى بلده وقيمة العمل لم تعد قاصرة على جنس الرجال كما كان هو العهد في ما مضى، بل أصبحت شركة بين الرجال والنساء، وأصبح للنساء مساهمات مقدرة فى مجال العمل لا يقل قدراً ولا ينقص قيمة عما يقدمه الرجال، لقد دخلت المرأة مجال العمل فحفرت لها مكانة متميزة بين الرجال، وأصبح عطاؤها فيه واضحاً وضوح الشمس فى وضح النهار

لقد عملت المرأة فى مختلف مجالات العمل الشريف، فحققت إنجازات ملموسة، ونجاحات واضحة ليس فقط فى مجال التدريس أو التمريض أو المحاسبة أو الطب أو الصيدلة، أو غيرها، بل دخلت مجالات المهن الشريفة، فمارست العمل المهنى، واليدوى، بل عملت سائق تاكسى وعاملة نظافة، كما مارست العمل التجارى، والعمل السياسى والبرلمانى، والقضائى، والصحفى، وفى الشرطة والجيش، وأصبح عملها يمثل ركيزة أساسية من ركائز بناء الاقتصاد الوطنى والاستقرار الأسرى والرخاء الدولى وإذا كان العمل واجباً على كل إنسان قادر عليه ومؤهل له، فإنه يعتبر حقاً له، لأن العمل يمثل قيمة فى ذاته، ولهذا كان من الواجب العام أن يتوافر العمل الشريف لكل قادر عليه، والقضاء على البطالة، وهذا يحتاج إلى سياسة عمالية تستشرق المستقبل وتحفظ الحق الخاص لكل إنسان فى أن يكون له عمل شريف يعيش على دخله، وينفق على أسرته ويحيا به حياة كريمة، كما أنه من الواجب على المجتمع وهو يوفر فرص العمل الشريف لكل من يحتاج إليه من العاملين أن يأخذ فى اعتباره توافر الفرص فيه للنساء وللرجال على حد سواء، وإذا كانت المرأة فى الديانات السابقة على الإسلام قد مارست العمل اليدوى مثل رعى الأغنام كابنتى شعيب اللتين كانتا تسقيان المواشى نيابة عن والدهما شعيب حيث كان شيخاً كبيراً، وسقى لهما نبى الله موسى عندما رأى عجزهما عن مزاحمة الرجال على عين الماء، فلا أقل من أن يكون للمرأة وفى عصرنا الحاضر من حق العمل مثل ما كان لابنتى نبى الله شعيب فى عهد سيدنا موسى عليه وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم .