الأحد 19 مايو 2024

نساء في الإسلام.. (18) السيدة «صفية بنت عبد المطلب» المجاهدة الشاعرة

السيدة صفية بنت عبد المطلب

ثقافة30-4-2021 | 21:02

همت مصطفى

يشهد تاريخ الإسلام شخصيات عاشت وخلدها إيمانها ومواقفها القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركت هذه الشخصيات أثرًا كبيرًا محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق ، ومع بوابة "دار الهلال" في أيام شهر رمضان الكريم، ننتقل من عالمنا إلى صفحات من التاريخ لنرصد بعض الخطوات والمحطات والمواقف في رحلة العديد من هذه الشخصيات ،واخترنا بهذا العام أن تتمثل في رحلة مع النساء الذي أسهموا في دعم الإسلام وانتشاره بعنوان " نساء في الإسلام "

واللقاء اليوم مع السيدة المجاهدة المقاتلة  " صفية بنت عبد المطلب "رضي الله عنها"

يذكر أن السيدة "صفية بنت عبد المطلب بن هاشم" هي  - عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهي الأخت الشقيقة لحمزة أسد الله وأخي الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، وأمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف وبحكم نسبها وتربيتها كانت كريمة النفس شديدة البأس، وكانت شاعرة مطبوعة.


ولدت السيدة " صفية بنت عبد المطلب" سنة 570 م، قبل الهجرة بثلاثة وخمسين عامًا ،وتزوجت "صفية بنت عبد المطلب "في الجاهلية من الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس فولدت له ابنا يدعى صفيًا، ومات عنها الحارث فتزوجت العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أخا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد أولى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له ثلاثة من الأولاد هم: الأمير والسائب وعبد الكعبة .


أسلمت السيدة " صفية"  مع ولدها الزبير وأخيها حمزة قبل الهجرة، وذكر ابن إسحاق ومن تابعه إنه لم يسلم من عمات النبي محمد غير صفية،و لم بدأ المسلمون في الهجرة إلى المدينة.

الشجاعة في ميادين القتال 


كانت السيدة" صفية "من أوائل المهاجرات ، وكانت صفية تخرج إلى ساحات القتال تسقي المجاهدين وتداويهم وتحمل معهم السيف عندما يحتم عليها المشهد ذلك، وموقفها في غزوة أحد لا ينسى ويتناقله المؤرخون للغزوات والفتوحات الإسلامية، فعندما لاحت مقدمات النصر في أحد ترك الرماة من المسلمين مواقعهم، وشغلوا أنفسهم بجمع الغنائم وهنا انقضت عليهم قوات المشركين، فتحول النصر إلى هزيمة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم واصل الجهاد مع فريق من المجاهدين حتى أصيب  ،وفي هذا الوقت  ظهرت شجاعة صفية بنت عبد المطلب، حيث ألقت وعاء الماء الذي تسقي به المجاهدين وانطلقت تجاهد برمحها في سبيل الله، وتصرخ في الفارين المتخاذلين: "ويحكم . . انهزمتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!" .،وهنا تقدمت الصفوف تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لأنه ابن شقيقها عبدالله، ولكن لأنه رسول الله، وصاحب دعوة الحق إلى الناس في كل مكان ،وفجأة وهي تقاتل بالسيف في مقدمة الصفوف إلى جوار رسول الله، رأت عن بعد جسد أخيها (حمزة بن عبد المطلب) وسط أجساد المجاهدين الطاهرة ولما همت بالإسراع إليه لفحصه وإلقاء نظرة الوداع عليه رآها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لابنها الزبير: "ردها عن رؤيته" .
قال الزبير لأمه: يا أماه، إن رسول الله يأمرك أن ترجعي، فدفعته في صدره وقالت: ولم؟ وغضبت للتمثيل بجثة شقيقها في أول الأمر غضباً شديداً، ثم عادت وصبرت واحتسبته عند الله الذي لا تضيع ودائعه وقالت: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ودعت دعاء الصابرين: "إنا لله وإنا إليه راجعون" ، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفنه مع عبد الله بن جحش ابن أخته وأخيه في الرضاعة. 
ولم تقتصر رسالة السيدة "صفية " على ما كانت تقدمه في ساحات القتال إلى جوار المجاهدين بالسيف والرمح، والقيام على خدمتهم وشحنهم معنويًا ونفسيًا لبذل كل ما في وسعهم في ميادين الشرف والعطاء ، . فقد ربت صفية فارسًا مغوارًا هو الزبير بن العوام أول فارس في الإسلام، أعدته - بعد وفاة أبيه - ليكون جنديًا من جنود الله  ،وكما تربى على الأخلاق الكريمة تدرب على خوض المعارك وفنون القتال، وأخذ عنه أبناؤه هذه الخصال وساروا على المنهج نفسه ونسجوا على نفس المنوال.

وكان للسيدة" صفية بنت عبد المطلب "صولات وجولات مشهودة في علاج المجاهدين وتضميد جراحهم، والتخفيف عنهم نفسيًا ودفعهم إلى المزيد من التضحيات بعد الاستشفاء، وفي غزوة خيبر قامت صفية بتخصيص خيمة مع عدد من النساء المسلمات لتقديم الخدمة الطبية للمقاتلين في سبيل الله، وهي بذلك صاحبة أول مستشفى ميداني بمفهوم العصر الحديث، وقد حدد لهن الرسول صلى الله عليه وسلم نصيباً من الغنائم اعترافاً بهذا الدور الكبير، لكنها كانت عفيفة النفس زاهدة في متع الدنيا، فلم تكن تريد مالاً ولكنها تتطلع إلى الجزاء الأوفى من الله عز وجل .

وللسيدة " صفية بنت  عبد المطلب  " موقف جليل في غزوة الخندق كان دليلًا جديدًا على شجاعتها وشدة حرصها من الأعداء والتربص بهم، فقد تحالفت في يوم الخندق قريش وغطفان ويهود بني قريظة لحرب المسلمين وحاصروا المدينة، وقام رسول الله والمسلمون بحفر خندق حول المدينة، وكان الرسول حريصًا على حماية النساء والولدان وتوفير الأمن لهم حتى يصون أعراض المسلمين، وحتى لا ينشغل المقاتلون ببيوتهم، فأمر بنسائه ونساء المسلمين وأطفالهم فجعلوا في الحصون والقلاع ونزلت صفية وعدد من نساء المسلمين في حصن لحسان بن ثابت، وكان من أقوى الحصون في المدينة، وبينما صفية تراقب ما يجري خارج الحصن رأت يهوديًا من بني قريظة الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله وتحالفوا مع أعدائه وخشيت أن تتركه يذهب ويأتي بمن ينال من النساء، ولم ترد تشغل النبي وأصحابه بهذا الأمر في هذا الوقت العصيب، فطلبت من حسان بن ثابت أن ينزل إليه فيقتله حتى لا يذهب إلى اليهود ويفشي سرهم ويعرضهم للقتل أو السبي، ولأن حسان كان مسناً ومريضاً ولا قدرة له على القتال، قال لها: يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب، والله قد عرفت ما أنا بصاحب هذا، فتركته صفية وأخذت عمودًا من حديد من خيمتها ومضت إلى باب الحصن ففتحته ومضت إلى اليهودي فضربته بالعمود على رأسه فقتلته .
وتقول السيدة " صفية بنت عبد المطلب " عن هذا الحدث  "أنا أول امرأة تقتل رجلاً" (تعني من اليهود أو المشركين)، فلم تكن النساء مطالبات بالقتال ولكنها رأت في القتال ضرورة فقامت بواجبها .


وكانت  السيدة "صفية بنت عبد المطلب "شاعرة مصقولة لها أشعار في رثاء أبيها وأخيها حمزة والنبي محمد.


عاشت السيدة " صفية بنت عبد المطلب " بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  في عهد  الخلفاء الراشدون  كريمة عزيزة  يجلون قدرها، ويعترف الصحابة الكرام رضي الله عنهم بفضلها، وانتقلت إلى جوار ربها في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين من الهجرة، بعد أن بلغت من العمر أكثر من سبعين عاماً: فصلى عليها عمر ودفنت بالبقيع .

الاكثر قراءة