حثنا الله تعالى على الاقتداء بسيرة الأنبياء، والسير على نهجهم، واستخلاص العبر عن حياتهم، وترتبط قصص الأنبياء ارتباطًا وثيقًا بتفسير القرآن الكريم، وتم تأليف عدد من الكتب التي تسرد قصص الأنبياء، وتشمل قصص الـ25 نبيًا المذكورين في القرآن الكريم، بدايًة من آدم عليه السلام، وحتى محمد عليه السلام، وتحكي تلك القصص حياتهم قبل النبوة، ودعوتهم لقومهم، والابتلاءات والمحن التي تعرضوا لها.
تقدم بوابة "دار الهلال" للقارئ طوال شهر رمضان، قصص الأنبياء ليتخذوه قدوة له، ويسير على نهجها، مستندة إلى مصادر موثقة في التاريخ الإسلامي، ونعرض لكم اليوم قصة سيدنا شعيب عليه السلام، الذي أرسله الله تعالى إلى أهل مدين، وجاء ذلك في قوله تعالى: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" (هود:84)، حيث أنه كان يدعوهم إلى توحيد الله وحده لا شريك له، وترك ما يعبدونه من جماد، وأشجار، وحثهم على الأمانة والعدالة في معاملاتهم اليومية.
قصة شعيب عليه السلام
كان قوم شعيب يسعون لبخس الناس أشياءهم، أي النقص في السلع، ويعتبرونه نوعا من المهارة في البيع والشراء، ودهاء في الأخذ والعطاء، ثم جاء سيدنا شعيب عليه السلام، وأوضح لهم أن ذلك يعد سرقة، وأنه يخاف عليهم من العذاب، حيث قال الله تعالى: "وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (هود: 85)، ليكمل تحذيره لهم من الإفساد في الأرض في قوله: "وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ"، والعثو المقصود به تعمد الإفساد والقصد إليه، إلا أن قومه لم يستجيبوا له وقالوا: "قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ" (هود87).
دعوة عباد الشجر
كانوا يعبدون شجرة (أيكة)، ويبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما أي يسرقونا ويسخرون من دعوة شعيب لهم، بأن يتركوا عبادة الأشجار والنباتات، وأن يعبدوا الله وحده، كما أنهم رأوا فيه الضعف نظرًا لأن الفقراء والمساكين فقط هم من اتبعوه، أما عليه القوم فاستكبروا، وأبوا أن يستجيبوا له.
تجاوز شعيب عن إساءتهم إليه، وسألهم: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ"، فاجتمع رؤساء قومه، ودخلوا مرحلة جديدة من التهديد، هددوه أولا بالقتل، وخيروه بين التشريد، والعودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار والجمادات، وأفهمهم شعيب أن مسألة عودته في ملتهم مسألة لا يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها، لقد نجاه الله من ملتهم، فكيف يعود إليها؟ وهو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد، فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر، واستمر الصراع بينهما، واتهموه بأنه مسحور وكاذب.
هلاك أهل مدين
طالب قوم شعيب نبي الله بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين، ويسألونه في سخرية أين عذاب الله، فأوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية، وخرج شعيب، وجاء أمره تعالى: { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (94- هود).
فرح أهل مدين بما تصوروا أنها تحمله من المطر، ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب عظيم، حيث أدركتهم صيحة جبارة جعلت كل منهم فيهم يجثم على وجهه في مكانه الذي كان فيه في داره، وصعقت الصيحة كل مخلوق حي، ولم يستطع أن يتحرك أو يجري أو يختبئ أو ينقذ نفسه.