الجمعة 17 مايو 2024

مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية: تناول البيض في شم النسيم يشير إلى إعادة خلق العالم

شم النسيم

ثقافة2-5-2021 | 18:28

ياسر علي

يحتفل الشعب المصرى بعيد الربيع "شم النسيم" ويخرجون إلى المتنزهات والحدائق للاستمتاع بالطبيعة في جو يسوده السعادة والمرح والترابط الأسرى ويأكلون بعض الأكلات المفضلة والمميزة لهذا اليوم، كطبيعة كل احتفالات وأعياد المصريين القدماء، يرجع الاحتفال بشم النسيم للاهتمام بالطبيعة والاحتفاء بها بشكل كبير.

وقال حسين عبد البصير مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية: "كان هذا الاحتفال من بين الأعياد المهمة لدى الفراعنة، وكانت مظاهر الاحتفال تُقام على ضفاف النيل ووسط الحدائق والساحات المفتوحة وبين الزهور، التي كانت لها مكانة كبيرة في نفوسهم، والتي كانت تحاكى أعمدة المعابد الفرعونية المزخرفة بطراز الزهور باقات براعم الزهور، وصور المصريون أنفسهم على جدران مقابرهم ومعابدهم وهم يستنشقون الأزهار حبًا لسحر الزهور؛ إذ كان المصريون القدماء يقضون أكثر الأوقات بهجة وإشراقًا وإقبالاً على الحياة في فصل الربيع، ذلك الفصل الذي كانت تتغير فيه كل الأشياء لتنبض بالحيوية والأمل والجمال. وكانت تحرص فيه النساء على ارتداء الملابس الشفافة.

 وتابع: "كانت تهتم بتصفيف الشعر وتسرف في استخدام العطور لإظهار مفاتنهن، وهكذا كانت عودة الربيع التي كانت تتميز بتفتح الزهور. وكانت تُقابل دائمًا بفرح وترحاب من كل المصريين على مر العصور. وكانوا يحملون معهم أنواعًا معينة من الأطعمة التي كانوا يتناولونها في ذلك اليوم مثل البيض الملون، والفسيخ (السمك المملح)، والخس والبصل والملانة (الحمص الأخضر). وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص، وارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم -عند الفراعنة- بما يمثله عندهم من الخلق والخصوبة والتكاثر ومن ثم الحياة. وكان البيض عند الفراعنة يرمز إلى خلق الحياة من الجماد".

واستطرد: "صورت بعض نظريات خلق الكون عند الفراعنة عن طريق بيضة؛ ولذلك فإن تناول البيض في تلك المناسبة كان يرمز إلى إعادة خلق العالم، وقد كانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، وكانوا يضعون البيض في سلال من سعف النخيل، وكانوا يعلقونها في شرفات المنازل أو على أفرع الأشجار؛ لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه، فيحقق أمنياتهم".

وأضاف "عبد البصير": "في اليوم التالى ليوم العيد، (أي في يوم الاثنين)، يحتفل المصريون (مسلمون ومسيحيون) بشم النسيم الذي يحل هذا العام يوم الاثنين. وانتقلت مراسم احتفال مصر بشم النسيم عبر العصور منذ أيام الفراعنة وإلى يومنا هذا، حين كان المصريون القدماء يبدأون احتفالهم اعتبارًا من ليل هذا اليوم ليكونوا في استقبال نسيم الربيع الذي تحمله نسائم الشمال، وذلك قبل الغروب؛ ليشهدوا غروب الشمس، فكان يظهر قرص الشمس، وهو يميل نحو الغروب، أما الفتيات، فكن يتزينّ بعقود الزهور، فيما كان يحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور، وكانوا يظلون يحتفلون طيلة اليوم من شروق الشمس إلى غروبها، وكانوا يقيمون حفلات الترفيه مثل حفلات الرقص على أنغام موسيقى الناي والمزمار والقيثارة. وكانت تصاحبها دقات الطبول والدفوف مصحوبة بالأغانى والأناشيد الخاصة بعيد الربيع".

وأشار إلى أن الأطعمة التي يتناولها المصريون في شم النسيم هي أطعمة مميزة في هذا العيد، والتي أصبحت من عاداتهم وتقاليدهم التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بشم النسيم منذ القدم وإلى الآن. ومن هذه العادات الراسخة أكلهم بعض الأطعمة في ذلك اليوم بما يمثله عندهم من تجديد عملية الخلق والحياة والخصوبة والتناسل والتكاثر والنماء والتي استمروا يفضلونها طيلة فترة تاريخهم والتي انتقلت من السلف إلى الخلف. ومن أهم هذه الأطعمة الفسيخ (السمك الملح) والبصل والخس والحمص الأخضر (الملانة). وهذه الأطعمة مصرية أصيلة مرتبطة بمعطيات البيئة المصرية نفسها.

وكشف أن تلك الأطعمة بمدلول ارتبطت الاحتفال بشم النسيم وظلت إلى الآن حاملة في مدلولها الاهتمام بتقديس نهر النيل، الذي يعتقدون أن الحياة وبداية الخلق كانت من الماء؛ ففي مذاهبهم لتفسير نشأة الوجود أن العالم كان قبل الخليقة عبارة عن محيط أزلي ليس له نهاية، وأن الإله الخالق برز من المياه، وخلق العالم بإرادته؛ فأصدر كلمة نطق بها لسانه؛ فكان من أمر الخلق ما كان. واعتبر المصريون القدماء أن المياه التي على الأرض سواء الأنهار أو البحار أو البحيرات ما هى إلا فيض من ذلك المحيط الأزلي الأولي الذي تم منه خلق العالم. وعلى ذلك، كان نهر النيل المقدس عندهم ما هو إلا فيض من تلك المياه الأزلية، وأن السمك يدل عليها.

وأكد مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، أن عيد القيامة يعتبر من أهم الاحتفالات الدينية عند الشرقيين والأرثوذكس الشرقيين، بالتزامن مع أعياد الربيع عند المصريين القدماء، ويكمن أن نرى ذلك في البلاد التي يشكل الأرثوذكس فيها النسبة الغالبة من سكانها، غير أن هذا لا يعني أن الأعياد والاحتفالات الأخرى هي غير مهمة. على العكس، بل إن بعض الأعياد يعتبر تمهيديًا كي نصل إلى عيد القيامة المجيد. إن عيد القيامة المجيد هو تحقيق رسالة السيد المسيح عليه السلام على الأرض. ويقوم الأرثوذكس إضافة إلى الصوم وإعطاء الصدقات والصلاة في زمن الصوم الكبير بالتقليل من الأشياء الترفيهية وغير المهمة. وتنتهى يوم جمعة الآلام، تقليديًا يتم الاحتفال حوالى الساعة 11 مساءً من ليلة سبت النور وحتى الساعات الأولى من صباح الأحد.

وأضاف أن الاحتفال بعيد القيامة يبدأ بصلاة تسبحة العيد عصر السبت، ثم باكر عيد القيامة مع حلول الظلام، وأخيرًا قداس عيد القيامة مع انتصاف الليل. ويُختتم مع الساعات الأولى من يوم أحد القيامة. وتُطبع الزينة بألوان زاهية أجواء المتاجر والبيوت بما تحمله من رمزية للفصح؛ فالبيض بألوانه المختلفة ومفارش طاولات السفرة والمحارم بألوان الربيع هي عادات موغلة في القدم، وتكثر العادات، وتتعدد الألعاب التي ينتظرها غالبًا الصغار صبيحة عيد الفصح. وما تزال عادة تلوين البيض مستمرة إلى يومنا الحالي؛ فتعجّ المتاجر الخاصة ببيض طبيعي وغيره من الصناعي واليدوي بأسعار باهظة. بينما يُقدم للأطفال بيض فصح مصنوع من الشوكولاتة. ويرتبط أرنب الفصح بقصص شعبية عن أنه يأتى بالبيض للأطفال. ومنذ عام 1600 ميلادية، ارتبط الأرنب بالفصح في لعبة انتقلت من ألمانيا تسمى لعبة "البحث عن الكنز"، هذه لعبة يمارسها شعب دول الشمال الإسكندنافى في عيد الفصح متنقلين في الغابات القريبة من سكنهم مع العائلة والجيران؛ لإمتاع الأطفال بالبحث عن الكنز الذي يحتوي عادة على بيض وشوكولاتة لهم مربوطة بما يضعه الأرنب هناك.