الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

سيدتي

المرأة السيناوية ومعركة استرداد الأرض

  • 3-5-2021 | 22:38

سطور من نور في تاريخ عطاء المرأة السيناوية

طباعة
  • أحمد سليم

لم تهاجر كل الأسر السيناوية بعد نكسة 67، بل ظلت في سيناء أسر "صامدة" تمسكت بالأرض وأبدت استعدادها للموت دونها، حتى أن الأسر البدوية التي هاجرت أطلقوا على من ظلوا هناك " الصامدين".

 

 

أن تمنحك البيئة التي تعيش فيها جزءًا من طبيعتها، فهو أمر يبدو عاديًا، فنحن أبناء مجتمعاتنا، ننهل من سماتها ما يجعلنا نتأقلم ونتعايش معها، كغريزة بشرية قائمة في الأساس على التكيف مع البيئات المختلفة بتضاريسها وجغرافيتها كي تواصل الحياة دورتها.

 

لكن قليلين هم الذين يدركون ويستوعبون هذه السمات والهبات التي منحتنا إياها تلك الطبيعة ويطوعونها لأغراض وأهداف عظيمة يسطّرها التاريخ ويسجلها الأبناء والأحفاد في سجلات الشرف والفخر.

 

"سيناء".. هذه البقعة الطاهرة من تراب الوطن كانت ولا تزال مسرحا كبيرا لأحداث جِسام، فهي بوابة مصر الشرقية ومطمع لكل أعداء الوطن منذ فجر التاريخ، وزادت أهميتها الاستراتيجية بعد إنشاء الممر المائي - قناة السويس- في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث يربط البحرين الأحمر بالمتوسط ليتحول إلى أهم ممر مائي تجاري في العالم.

 

هذا الكنز الكبير – كما أشرنا - أصبح مطمعًا لكل المتربصين، حيث تعرضت تلك البقعة من تراب مصر لهجمات شنها أعداء الوطن منذ النصف الثاني للقرن العشرين بدأت بالعدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، ثم تلاها الاحتلال الإسرائيلي لسيناء في العام 1967 قبل أن يسترد الجيش المصري الأرض ويستعيد الكرامة في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.

 

بعد الخامس من يونيو عام 1967، واجهت الدولة المصرية تحديًا كبيرًا، بعد أن تشردت آلاف الأسر السيناوية تحت لهيب نيران العدو، فما كان منهم إلا أن وفروا لهم بيوتا ملائمة في أرض جديدة أطلقت عليها الدولة مشروع التحرير، وهو مشروع الاستصلاح الزراعي الذي كان من ضمن أهداف ثورة 1952، ويقع في الظهير الصحراوي لمحافظة البحيرة.

 

المشروع ضم – وقتها -  قرى كثيرة وواسعة، لم يتسلمها شباب الخريجين حينها، فكانت المكان المناسب لاستضافة تلك الأسر البدوية، وربما جاءت تسميتها بمديرية التحرير كدلالة على استرداد الأرض، وأعطت أيضا للأسر السيناوية الأمل في عودتهم إلى بلادهم بعد أن تنزاح غمة الاحتلال، فغالبية القرى كانت أسماؤها تحمل دلالات واضحة مثل قرى الكفاح والعزيمة والنجاح. 

 

لم تهاجر كل الأسر السيناوية بعد نكسة 67، ولكن ظلت في سيناء أسر "صامدة" تمسكت بالأرض وأبدت استعدادها للموت دونها، حتى أن الأسر البدوية التي هاجرت أطلقوا على من ظلوا هناك " الصامدين".

 

وليس خافيًا على أحد أن هذه الخطوب التي تعرضت لها سيناء، أظهرت المعدن الحقيقي لأبناء هذه الأرض، فبمجرد أن احتل " الصهاينة" هذه البقعة الغالية حتى تحول "الصامدون" إلى جنود في صفوف الجيش المصري يحاربون بكل ما أعطتهم الصحراء من خبرة وبقدر ما نهلوا من طبيعتها من فراسة وذكاء وصبر وخبرة بدروبها الوعرة، يدا بيد مع أبناء القوات المسلحة حتى استعادوا أرضهم.

 

ربما لا يعرف الكثيرون أن للمرأة السيناوية أيضا دورًا كبيرًا خلال الفترة من 1967 حتى السادس من أكتوبر عام 1973، حيث وقفت بجوار الرجال بكل شجاعة وفخر كي تستعيد حريتها، فلا حياة لحرة في وطن محتل.

 

نماذج وأسماء كثيرة سيخلدها التاريخ، كانت نجومًا مضيئة في سماء سيناء تهدي رجالات الجيش المصري إلى دروب العدو ومعسكراته للقيام بعمليات فدائية خلف خطوط العدو.

 

ما بين رعي الأغنام وتجارة الملابس، اتخذت المناضلات البدويات تلك المهن ستارًا كي يتحركن في أرض سيناء وينقلن المعلومات إلى السلطات المصرية عن أماكن تمركز العدو ومعسكراته، كما كن يسرن بالأغنام خلف باقي المجاهدين ليخفين أثر تحركاتهم عن أعين العدو.

 

ومن أبرز تلك الأسماء التي نالت وسام الشجاعة من الرئيس الراحل أنور السادات، هي الحاجة فرحانة سلامة الهشة، تلك السيدة التي لم تعبأ بتهديدات أو تتراجع خطوة أمام كل المخاطر التي كانت تحيط بها في الصحراء المترامية.

 

بملامحها البدوية الهادئة يزين جبهتها "دق" أخضر، كانت تستمد فرحانة من بيئتها التي نشأت فيها الشجاعة والفراسة التي تمكنها من التحرك ما بين سيناء والقاهرة لتنقل المعلومات عن تمركزات العدو.

 

اتخذت الحاجة فرحانة من تجارة الملابس غطاء للتحرك، ورُغم جهلها بالقراءة والكتابة، إلا أنها استلهمت من عاداتها وتقاليدها فكرة لم تخطر ببال العدو لتنقل خرائط الأماكن وأشكالها، حيث  اتخذت من حرفتها في تطريز الأثواب البدوية سبيلا لرسم خرائط لمعسكرات العدو وأماكن تمركزهم على تلك الأثواب لتعبر بها سيناء وتمد بها رجال الجيش المصري.

 

رحلة الحاجة فرحانة خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء شاقة، فكانت تسير بالساعات في الصحراء التي عرفت دروبها بكل شجاعة وتضحية وتترك أطفالها الصغار لفترات طويلة في سبيل توصيل معلومة قد تفيد الجيش المصري في رحلة تحرير الأرض.

 

من بطولات الحاجة فرحانة أيضا، أنها قامت بتفجير قطار العريش الذي كان ينقل وقتها العتاد لقوات الاحتلال في سيناء؛ واستمرت على هذا الوضع لسنوات ومعها الكثير من السيدات البدويات اللائي قررن أن يكون لهن دورٌ في معركة استرداد الكرامة، إلى أن وشي بها الواشون وانكشف أمرها وقررت الدولة المصرية أن تبقيها في القاهرة، إلى أن جاءت حرب أكتوبر واستردوا الأرض.

 

نماذج السيدات البدويات ونضالهن في فترة الاحتلال الإسرائيلي أكبر مثال على أن المرأة البدوية دورها جوهري ولديها من الشجاعة والإقدام ما كان يخشى منه الرجال.

 

وكما كانت المرأة السيناوية شريكا رئيسيا في معركة استرداد الأرض، فهي أيضا شريكٌ في معركة الحفاظ على الأرض ضد الإرهاب وفي معركة التنمية التي تقوم بها الدولة في الوقت الحالي، فالمرأة السيناوية خير دليل على أنها ليست نصف المجتمع، ولكنها كل المجتمع، فهي الأم والشريكة في الحياة والدفاع والبناء.

 

الاكثر قراءة