يعد مشروب القهوة من بذور البن المحمصة، وينمو في أكثر من 70 دولة خاصة في المناطق الاستوائيةأمريكا الشمالية والجنوبية وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية وأفريقيا، ويقال أن البن الأخضر هو ثاني أكثر السلع تداولاً في العالم بعد النفط الخام، ونظراً لاحتوائها على الكافيين، يمكن أن يكون للقهوة تأثير منبه للبشر.
وتعتبر القهوة اليوم واحدة من المشروبات الأكثر شعبية في جميع أنحاء العالم من بينها مصر، ومن هنا ترصد لكم " دار الهلال " قصة القهوة في مصر وكيف كانت محرمة شرعا، وما السر وراء تقديمها في صوان العزاء، ومن هم شهداء القهوة.
ميلاد دخول القهوة
ظهر مشروب القهوة في مصر في رواق الطلبة المغتربين من أهل اليمن بالأزهر، فكان يرتشف بعض صوفيي اليمن رشفات من القهوة، لتساعدهم على الدراسة والاستيقاظ والذكر، وشيئًا فشيئًا انتشر أمر القهوة بين دارسي الأزهر الشريف، ومن هنا كان ميلاد دخول مشروب القهوة إلى مصر في العقد الأول من القرن السادس عشر.
رأي علماء الدين في القهوة
قابل رجال الدين القهوة بمعارضة شديدة ، وكذلك كان الحال في مكة أيضًا، وفي عام 1572م قام أحد فقهاء المذهب الشافعي وهو الفقيه "أحمد بن عبد الحق السنباطي" بحملة عنيفة ضد المشروب الجديد، عندما طرح عليه أحد السائلين سؤالاً حول شرب القهوة: "ما رأيك في المشروب الذي يدعى قهوة والذي يزعم بعضهم أنه مباح رغم ما ينجم عنه من نتائج وعواقب فاسدة؟، فأفتى بتحريمها، وبالتالي قامت ردود فعل سلبية عليها وعارضها المجتمع بشدة.
تحريم شرب القهوة
واستمرت معاداة القهوة ومحاولات تحريمها بضراوة، وفي منتصف عام 1572م أدت خطبة أحد الأئمة الموالين للفقيه أحمد السنباطي عن القهوة إلى هياج شعبي ضدها، وأصابت عدوى التحريم عموم القاهرة، حين هاجم فقيه متشدد آخر القهوة ومن يشربونها على المنابر، وهو ما دفع المستمعين له لتحطيم المقاهي لتعيش القاهرة حالات شغب من أجل القهوة.
فتوى منع استعمال القهوة
وفي نهاية عام 1572م صدرت فتوى بالقاهرة تقضي بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والمجاهرة بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها، ولتنفيذ هذا الحكم كما يصف الجزيري: "كان العسس على الفحص وبيوتها وباعتها شديدًا جدًّا، وضربوا وأشهروا وهدموا البيوت وكسروا أوانيها المحترمة الطاهرة التي هي مال لرجل مسلم ".
وفد تجار ومنتجين البن للسنباطي
وأرسل تجار البذور والبن ومنتجي القهوة والبائعين وفدا إلى الشيخ أحمد السنباطي، يطلبوا منه بالرجوع عن الفتوة، فكان رده:" ما دام القهوة تؤثر في العقل إيجابا أو سلبا فهي حرام".
شهداء القهوة
ومن هنا قامت معركة حامية الوطيس بين مؤيدي الشيخ وفتواه وبين التجار ومؤيديهم من البائعين، ويموت أحد مؤيدي التجار، فيهرب الشيخ ومؤيدوه إلى مسجد، وحاصر التجار المسجد من كل جانب، وجائهم خبر وفاة شاب آخر منهم، وخبر ثالث يؤكد أن هناك شاب في حالة خطرة، إلى أن علموا بموته، فكانت صدمة كبيرة عليهم، ومن ثم قرر التجار الاستمرار في محاصرة الشيخ ومؤيدي فتوي القهوة حرام شرعا في مسجدهم، واشتركت أهالي القتلى في الحصار وبقدوم الليل أرسلوا أحدهم لإحضار بطاطين، وعمل صوان بأعمدة لتقيهم البرد، ونكاية في مؤيدي الفتوى قام التجار ووزعوا مشروب ساخن، وكان قهوة سادة بدون سكر.
مفتي جديد يلغي الفتوى
يذكر أن الحصار استمر ثلاثة أيام مع استمرار حالة الفوضى والشغب، حتى وصل أمر الاضطرابات إلى السلطان العثماني "مراد"، والذي قام بتعيين مفتي جديد، ليصدر فتوى جديدة بعدم حرمة شرب القهوة، واعتبر التجار ومؤيدي شرعية شرب القهوة أن هذا التغيير انتصار لهم ولأرواح شهداء القهوة، وسمي مشروب البن بـ"القهوة التركي"، ربما لأن من أفتى بجوازها مفتي السلطان العثماني، وهكذا أصبحت القهوة من حادث جلل إلى عادة عند أهالي تجار البن في القاهرة، ثم إلى كبار الأعيان، ثم إلى أقاليم مصر، فكان ولا يزال أي ميت يقام له صوان، يقدم للمعزيين القهوة السادة.