السبت 23 نوفمبر 2024

ثقافة

كليلة ودمنة.. حكاية «المحتال والمغفل»

  • 8-5-2021 | 13:01

كليلة ودمنة

طباعة
  • ياسمين عزت

تقدم بوابة "دار الهلال" لقرائها حكايات خلال شهر رمضان الكريم، من أجل إثراء الخيال وتزويد المعرفة لديهم، وكانت بعض حكايات كليلة ودمنة أحد اختياراتنا لمتابعينا الكرام، وهي من كتاب كليلة ودمنة، ذلك المؤلف الذي أجمع الباحثين على أنه من التراث الهندي، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية في العصر العباسي، في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، على يد عبد الله بن المقفع، وأمر بترجمته كسرى الأول، للاستعانة به في أمور رعيته.

ويحتوي كليلة ودمنة كتاب الفصول الخمسة على خمسة عشر باباً رئيسياً يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات، مثل قصة المحتال والمغفل نقدمها خلال شهر رمضان المبارك.

قصة المحتال والمغفل

 يحكى أن أحد المحتالين اتفق على أن يعمل في التجارة مع أحد المغفلين، وبعد أن قرّر المغفلُ والمحتال أن يُسافرا ببضاعتهم لسوق المدينة من أجل بيعها، صار كلٌ منها في طريقه الى السوق وهو يحلمُ بالذهب والمال الذي سيكسبه جرّاء تجارته، وما أن وصل الإثنين إلى واحةٍ خضراء بها أشجارُ النخيل وبركة ماء، فنظر المحتالُ للمُغفّل قائلاً : “دعنا نرتاحُ قليلاً ما تبقّى لنا من ساعاتٍ حتّى الصباح في هذه الواحة، فوافق المُغفّل على ذلك.

فنظر إليه المُخادع مرةً أُخرى وهو يقول : "إذا فلتُساعدني، في إنزال البضاعة عن ظهر الحمير حتى ترتاح هى الأُخرى” فقال المُغفّل : "سأذهبُ أنا إلى إحضار بعض الأخشاب من الواحة هناك، حتّى نتمكن من التدفئةِ ليلاً"، وقال المحتال المخادع: "وأنا سأقومُ بإشعال النيران من لنتمكّن من تحضير الطعام".

وأثناء قيام المُغفّل بجمع بعض الأخشاب وتقطيعها إذ به يجدُ كيساً ثقيلاً وما أن قام بفتحه حتى أصابتهُ صدمة ممّا رآه، إذ عثر المُغفّلُ على كيسٍ به 1000 دينار بعد أن قام بعدّه، فأصابهُ الفرح وقام على الفور بتخبئة الكيس بين طيّات ملابسه، وعاد سريعاً إلى صديقهِ المُحتال وهو يحملُ الخشب على ظهره.

وما أن شاهدهُ المحتال حتى شكّ في أمره، وقرّر أن يعرف ما يُخبّئهُ المغفّل وراء ارتباكه الشديد فقال له : "لقد تأخرت يا صديقي في إحضار الأخشاب، فهيّا بنا سويّاً نُشعل النيران من أجل تحضير الطعام"، وأشعل الاثنين النار وتناولا معاً ألذّ طعامٍ قد صنعتهُ أيديهم، وقرّر المُحتالُ أن يخدع صديقه المغفل ببعض الكلام المعسول عن مدى ما سيكسبانه من وراء التجارة، وعن كمية الذهب والدنانير التي سيحصلان عليها جرّاء تجارتهما وذلك ليطمئن له المغفل، فردّ المُغفّل قائلاً : “إذاً ياصديقي فلننم باكراً، وذلك لنستيقظ في الصباح ونذهب سريعاً إلى سوق البلدة”.

ونام الرجلان في ليلتهما حتى بزوغ الفجر، وفي صباح اليوم التالي قاما لاستكمال رحلتهما الى سوق البلدة، وحينما وصلا السوق وحان وقت العمل، أظهر المحتالُ براعةً في التجارة وباع أغلب البضاعة بسعرٍ رائع، وهو ما زاد إعجابُ المغفل به، وأثناء عودتهما بعد يومٍ طويل، أراد المُغفّلُ أن يقتسم ربح ذلك اليوم مع المحتال الذي باع كثيراً، فنظر المحتالُ المخادعُ إليه وهو يقول : “ألسنا شريكين في رحلتنا الطويلة هذه ياصديقي؟ وكلُّ ما يحدثُ لنا نتقاسمهُ سويّاً في السراء والضراء".

وزاد هذا الكلام من إعجاب المغفل بالمحتال مرةً أُخرى وهو يقولُ له : “أنا أتفقُ معك تماماً ياصديقي، ولكن ما سببُ كلامك هذا؟" فقال المحتال : “أليس هنالك ما تُخبرني به؟" فأحس المُغفّلُ بالإحراج وهو يقولُ للمحتال : "إليك ياصديقي ما حدث.." وشرع المُغفل بإخبار المحتال بشأن الكيس المليء بالدنانير وأنّه عثر على 1000 دينار، وأخبر المغفل صديقه المحتال بأنّه سيتقاسمها معهُ كما اتّفقا.

ولكن بالطبع لا يُريدُ المحتال أن يحصل على نصف المبلغ، بل يُريدُ الألف دينارٍ كاملةً غير ناقصة، ففكّر قليلاً ثم قال للمحتال : “لا ياصديقي، لن نتقاسم المبلغ، فنحنُ لا زلنا في البداية، وكلُّ ما سنفعلهُ هو أن نضع الكيس تحت تلك الشجرة هناك، ونتركه لوقت الشدّة، فإذا ما احتاج أحدنا المال ذهب إلى الآخر وأخبره، ثُمّ نقومُ بإخراجه سويّاً..ولكن سيكونُ هذا سرّنا يا صديقي فلا تُخبر به أحد".

وبعد أن اتّفق الاثنين، عاد كلٌّ منهما للقرية وقد فاضت جيوبَهما من كثيرة المال والربح من التجارة، ولم يمضِ سوى يومٌ حتى ذهب المحتالُ إلى الشجرةِ وأخذَ الكيسَ الذي يحتوي على الدنانير، ومرّت الأيامُ والشهور حتى احتاج المُغفّل إلى المال، فأتى صديقه المحتال وأخبرهُ بحاجته للمال وأنّهُ بحاجةٍ لإستخراج المالِ من تحتِ الشجرة.

وما أن وصلا الشجرة، حتّى بدآ بالحفر سويّاً وعندها لم يجد المُغفّل أيّ مال، فصاح بالمحتال وهو يقول : “هل يُعقلُ بأنّك قد خُنتني وأخذت المال من دون علمي” فأخذ المحتالُ هو الآخر يصرخُ بوجه المغفل وهو يقول : “ماذا تقول أيُّها الرجل؟” فقال المُغفّلُ : “إذاً أخبرني أين المال؟ لقد أعطيتُك الأمان ووثقتُ بك، ولا أحد سوانا يعلمُ بهذا المكان” فردّ المغفّلُ وهو يُدافع عن نفسه : “لستُ الفاعل” وأخذا يتشاجران حتى قرّرا أن يذهبا للقاضي.

وما أن وصلا القاضي، حتّى بدآ بالشّجار وظلّا يشرحان للقاضي قصتهما مع الكيس ويُلقي كلٌّ منهما اللوم على الآخر ويتّهم كلٌّ منهما الآخر بسرقته، وهنا قال المُخادعُ المحتالُ للقاضي : “هذا الرجلُ قد أخذ مالي ياسيدي” فقال المُغفّل : “وكيف ذلك والمالُ لي أيُّها الرجل، ولو كنتُ أريدهُ كاملاً ما أُكنت أخبرتك بقصّتهِ منذ البداية” وهنا نطق القاضي قائلاً للمخادع : “هل لك من شاهدٍ على كلامك؟” فردّ المحتالُ قائلاً : “نعم ياسيدي، إنّ الشجرة التي وضعنا تحتها المال هي الشاهد على ما أقول”.

فاستعجب القاضي من كلام المحتال وهو يقول : “وكيف تشهدُ الشجرةُ على كلامك” فقال المحتالُ: “دعنا نأتي الشجرةَ ياسيدي لترى بنفسك” وكان المحتالُ قد أخبر والده بأن يدخل الشجرة حتى إذا ما حضر القاضي وسألها من السارق يتكلّم وكأنّه الشجرة.

وأراد القاضي أن يُسايرهُما ليرى كيف ستكون النهاية وذهبوا جميعاً إلى الشجرة، وهناك قال القاضي مُوجّهاً كلامهُ للشجرة : “إذا إنّه المغفل ياسيادة القاضي” وفي تلك اللحظة فطِنَ القاضي إلى ما يحدث وأمر على الفور بإحراق تلك الشجرة.

وما أن سمع والد المحتال بكملة “حرق الشجرة” حتى خرجَ منها وهو يصرخ ويقول : “لا أُريد أن أُحرق، ساعدوني” فأمر القاضي على الفور باقتياد الجميع إلى المحكمة وهناك أمر المخادع بأن يردّ المال للمُغفّل مع الغرامة والحبس له ولوالده ليصير عبرةً لكُلّ محتال.

الاكثر قراءة