تقف مصدوماً أمام كل ملامح الحياة الرغداء المبهرة للبعض، في إعلانات الكومباوندات الفخيمة، التى لا تفصلها سوى لحظات عن إعلانات الدعوة للتبرعات في مستشفيات لكل أنواع الأمراض، والجمعيات الخيرية التى تحجز ساعات في أفضل أوقات المشاهدة خلال شهر رمضان بعشرات الملايين، لطلب تبرعات لكم أن تتخيلوا كم ستصل ببعض المقارنات البسيطة!
مشاهد في غاية الفشخرة المستفزة، تليها مشاهد في شدة الدنك والألم.. مشاعر مختلطة ومختبطة، وعقد مقارنات لا تتوقف، ولا يهم شركات الإعلانات هذا كله، الأهم رسالتهم تصل في الحالتين، وهذا الزخم بسلبياته وإيجابياته في صالحهم، خاصة لو كنا نتحدث عن احتكار غريب في سوق الإعلانات لصالح شركة واحدة تقريبا، هى من تقدم كل الإعلانات تقريبا، ما بين جهات حكومية وخاصة، وكأنه لم يعد هناك سوى شركة إعلانات وحيدة في مصر، بعدما كنا متصدرى سوق الإعلانات بالمنطقة.
فتجد شركة الإعلانات هذه، تحزنك مع أطفال مرضي من خلال حملة إعلانية تحدث يوميا، وكأنها على الهواء مباشرة، ولك أن تتخيل تكلفتها..وبعدها بلحظات ترقصك على صوت شيرين أو تشكيلة نجوم أو راغب علامة أو حسين الجسمى، في أجواء منتجعات وكومباندات على أحدث الصيحات، أغلبها لايزال في مرحلة الجرافيك، فلا يحرك رجال الأعمال مليما من ملياراتهم، بل المصريين في كل طبقاتهم من سيحركوا أموالهم من التبرعات للكومباوندات.
ويبدو كل هذا عاديا، تجاه حملة إعلانية في غاية الغرابة تقنع أصحاب العوز بتقديم أخر قرش في جيوبهم للزكاة، ويتركها لتدابير الله!!!.. أى إنهم يدعون الفقراء للزكاة بدلا من التركيز على الأغنياء وميسورى الحال إعتمادا على غيبيات، رغم أن تعاليم الإسلام، التى تحولت لدينا لتراث شعبي، ترفض هذا التوجه تماما، وتدعو للتدبر وإعلاء قيمة النفس حتى تجاه احتياجات الجامع، فكثيرا ما سمعتم العبارة الشهيرة "اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع"..وغريبا أن هذه الحملة وهذا الفكر يأتى من مؤسسات دينية مهمة!!!
لكن في طريق الرأسمالية، هذه أمور تقليدية لا يقف العالم الناهش لكل الأعراف، كثيرا أمامها، لكن أين القيم المصرية وأين القوانين وأين الجهات الرقابية من هذه المليارات التى تتحرك في هذا الشهر الكريم تحت أسماء عدة منها الزكاة، دون رقيب يظهر لنا أحصاءاته وأرقامه وتحليلاته، فنرى مستشفي تقول إنها تجرى ٣٠٠ عملية جراحية للأطفال، من خلال حملة إعلانية تتكلف عشرات الملايين، ويظل السؤال المحير، هل هذه الحملة الضخمة أقل في تكلفتها من تكلفة العمليات الجراحية المستهدفة، أم أن لهذه الحملات أغراض أخرى، بعيدة عن تصور البعض؟!!
الأمر أصبح منفلتا ومستفزا بشكل كبير، إن كنا نتحدث عن إعلانات الكومباوندات، التى تروج أن السعادة ستكون بين يديك فيها، وإعلانات التبرعات التى تؤكد لك أن بركة حياتك ونعيم جنتك معها!!!
ارحمونا، الاعتدال أمر جيد واحترافي في هذا السياق، ولن نسكت على الاحتكار في أى مجال، حتى في سوق الإعلانات من خلال شركة الصديقين هذه، والتى كانت مشهورة بأنها شركة إعلانات الحزب الوطنى، والتى تسيطر تقريبا على كل أنواع الإعلانات الخاص والعام الآن!
حالة غريبة بكل أبعادها من الكومباوندات للتبرعات للاحتكارات، وجب أن نثير نقاشا عاما حولها!