يزخر تاريخنا الثقافي والفني بشخصيات كثيرة يمثلون علامات مضيئة، ونجومًا تتلألأ في حياتنا، أضافت الكثير بالتزامها وإخلاصها وموهبتها وإبداعها في مسيرة المسرح المصري والعربي أيضًا، وأسعدت الجمهور بكل ما قدمت.
وتواصل بوابة "دار الهلال" في شهر"رمضان الكريم" تسليط الضوء على نجم من هؤلاء النجوم وخطوات من رحلته وحياته بالمسرح، فقد ترك هؤلاء النجوم إرثًا فنيًا في الحركة المسرحية المصرية وحفروا أسمائهم في عالم الإبداع بما قدموا بالكثير من الأدوار والشخصيات الدرامية بمسرحنا المصري.
واللقاء اليوم مع "الفنانة القديرة ميمي شكيب "دلوعة المسرح المصري
تمثل الفنانة القديرة "ميمي شكيب" قيمة وقامة فنية متميزة، فهي إحدى رائدات فن التمثيل بمصر، وإحدى فنانات زمن الفن الجميل اللاتي استطعن المشاركة في إثراء مسيرته بموهبتهن التلقائية وخبراتهن ودأبهن، وتعد برحلتها ومسيرتها الفنية رمزا من رموز قوتنا الناعمة.
ولدت الفنانة القديرة "ميمي شكيب " باسمها " أمينة في القاهرة في مو 25 ديسمبر عام 1913 بمحافظة "القاهرة"، وتنتمي إلى عائلة ارستقراطية كبيرة وثرية وتعود لأصول شركسية، فكان والدها يعمل مأمورا لقسم بوليس حلوان (ومن بعد ذلك بقسم عابدين)، كما كان جدها ضابطا بالجيش في عهد الخديويإسماعيل، أما والدتها - شقيقة إسماعيل صدقي باشا - فكانت سيدة آرستقراطية تتقن التحدث بعدة لغات (منها التركية، الإيطالية، اليونانية والألمانية)، وكانت لها شقيقة واحدة تكبرها بأربع سنوات هي "زينب" والتي اشتهرت بعد ذلك باسمها الفني "زوزو شكيب"
وكان المسرح المصري في مرحلة البدايات وبالتحديد خلال النصف الأول مع بدايات القرن العشرين قد عرف ظهور مجموعة من نجمات المسرح اللاتي استطعن تخطي الصعاب ومواجهة جميع التحديات ومن بين هؤلاء الممثلات الرائدات الفنانة القديرة "ميمي شكيب " وبفضل جهدها وإخلاصها ومباردتها الفنية وغيرها من الفنانات استمرت مسيرة المسرح والتنوير خلال النصف الثاني بالقرن العشرين بمشاركة جيل جديد من الدارسات لفن التمثيل.
عاشت "ميمي شكيب " في القصور والسرايات، وتلقت تعليمها بمدرسة "العائلة المقدسة" و استطاعت إتقان اللغتين الفرنسية والإسبانية، وكانت منذ طفولتها تتميز بالشقاوة والخفة، وفكرت في العمل بالفن والذي كانت تعشقه منذ طفولتها، فقامت بعمل بعض الزيارات للمسارح وتجولت في الاستديوهات، حتى وجدت فرصتها الأولى من خلال جماعة "أنصار التمثيل والسينما"، فانضمت لها وتدربت فيها لفترة، ومن فرط ثقتها في نفسها قامت بتأسيس فرقة مسرحية خاصة بها، ونجحت في إقناع بعض الفنانين بالعمل معها (ومن بينهم الأستاذين "زكي رستم و أحمد علام)، وقدمت أول مسرحية لها بعنوان "فيوليت"، وعلى الرغم من عدم نجاحها إلا أنها لم تفقد الأمل، فذهبت مع شقيقتها بمنتصف ثلاثينات القرن العشرين إلى الفنان الكبير"نجيب الريحاني" الذي رحب بضمهما إلى فرقته ، وكان "الريحاني صاحب الفضل الأكبر عليها وعلى شقيقتها الكبرى زوزو، فهو الذي علمهما كيفية نطق الكلمات وكيف حفظ أدوارهما، وأيضا كيفية مواجهة الجمهور على خشبة المسرح، وفي خلال فترة قصيرة جدا نجحت ميمي شكيب " في أن تصبح بطلة الفرقة، وقامت ببطولة عدة مسرحيات مهمة وكانت أهم مسرحياتها التي قدمتها مع الفرقة فكانت "الدلوعة"، التي حققت من خلالها نجاحا كبيرا، لذا أطلق عليها لقب "دلوعة المسرح".
ومنذ منتصف ثلاثينات القرن العشرين أيضا اتجهت "ميمي" للتمثيل بالسينما، وذلك من خلال أول أفلامها "ابن الشعب” من إخراج "موريس ابتكمان، ثم أكدت وجودها من خلال ثاني أفلامها "حياة الظلام” إخراج أحمد بدرخان، ثم كثرت مع الوقت مشاركاتها السينمائية حتى تجاوز رصيدها من الأفلام أكثر من 130 فيلما، من بينها ( سي عمر، ليلى بنت مدارس، شاطىء الغرام، القلب له واحد، علموني الحب، دهب، ميعاد، الجريمة الضاحكة، الاختيار، وكان آخر مشاركاتها السينمائية عام 1983 بفيلم" الذئاب" من إخرج عادل صادق.
حاول المخرجون حصر الفنانة القديرة " ميمي شكيب" في أدوار الشر التي تميزت في أدائها مثل شخصيات" السيدة الارستقراطية المتكبرة، زوجة الأب الشريرة، الحماة القاسية، بنت البلد المعلمة بالحارة، الغازية والعالمة إلا أنها كانت تتمرد أحيانا على تلك الأدوار وتحاول الخروج من هذا النمط وتقدم أدوارا أخرى للأم الطيبة، كما شاركت أيضا بأداء بعض الأدوار الكوميدية، وتضم قائمة أفلامها مجموعة من الأدوار المتميزة التي تعد علامة في تاريخها الفني ومثال لذلك (شخصية "زنوبة المخدماتية" بفيلم "دعاء الكروان"، والذي حازت عنه جائزة أفضل ممثلة دور ثان، وشخصية زوجة الأب القاسية (لسراج منير) في فيلمي: "دهب"، "البنات شربات"، وأيضا شخصية الحماة الارستقراطية بفيلم "الحموات الفاتنات” الذي برعت في تجسيده خاصة بعدما شكلت فيه مع الفنانةالقديرة" ماري منيب ثنائي كوميدي رائع.
وساهمت" ميمي شكيب " في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من الأعمال الدرامية على مدار مايزيد عن خمسين عاما ومن بينها ( أبو علي عامل أرتيست، ميرامار، دندش، القصاص، عروسة من باريس، شارع عماد الدين، أيام عاصفة، أنف وثلاث عيون، عودة ريا وسكينة.و منذ بدايات البث التلفزيوني تقريبا بمنتصف ستينيات القرن الماضي قامت " ميمي شكيب" بأداء عدد من الأدوار الرئيسة ببعض السهرات والمسلسلات التلفزيونية ومن بينها على شيطان من الجنة، سعدية، الأبواب المغلقة، الرحيل، الإنتقام، أبدا لن أموت، المطاردة، حب وكبرياء، البيانولا.
ويظل المسرح هو الفن الأكثر حبا للفنانة " ميمي شكيب " وعشقها الأول والأساسي الذي تستمتع بالوقوف على خشباته، و حرصت منذ أول مشاركاتها المسرحية على أداء تلك الأدوار الرئيسة التي تضيف إلى رصيدها، فاستطاعت أن تثبت وجودها وتضع لاسمها مكانة متميزة وسط سيدات المسرح بأدائها لبعض الأدوار التراجيدية وكذلك الكوميدية، وظلت لسنوات متتالية تنتمي بصفة مستمرة إلى فرقة "الريحاني"، وهي من كبرى الفرق الكوميدية الخاصة.
وتتمثل مشاركات الفنانة القديرة " ميمي شكيب "في المسرح المصري مايلي :
قدمت " ميمي شكيب "مع فرقة "الريحاني" مسرحيات( حكم قراقوش (1936)، مندوب فوق العادة، مين يعاند ست ؟ (1937)، لو كنت حليوة، إستنى بختك (1938)، حكاية كل يوم (1940)، جناين، ياما كان في نفسي (1941)، إلا خمسة (1945)، أحب حماتي، 30 يوم في السجن (1949)، أشوف أمورك أستعجب، الستات لبعضهم، كان غيرك أشطر، من أين لك هذا ؟، أنت وهو، إحترس من الستات (1950)، ابن مين بسلامته؟، تعيش وتاخد غيرها (1952)، الحكم بعد المداولة، وراك والزمن طويل، لزقة إنجليزي (1953)، الدلوعة، الرجالة ما يعرفوش يكدبوا، يا سلام على كده، قسمتي (1954)، أنوار بغداد (1955)، على عينك يا تاجر، أروح فين من الستات، مصر في 1956، أكبر منك بيوم، أوعى تعكر دمك، إبليس وشركاه (1956)، حماتي بوليس دولي، كلام في سرك، إللي يلف يتعب، حسب الخطة الموضوعة، خليني أتبحبح يوم (1957)، يا ريتني ما اتجوزت، مع إيقاف التنفيذ (1958).
واستكملت" ميمي شكيب " رحلتها بالمسرح مع فرقة "الريحاني" فقدمت أيضًا مسرحيات: (الدنيا لما تضحك، الدنيا ماشية كده، عشم إبليس (1960)، مقلب حريمي، الستات ما يعرفوش يكدبوا (1961)، الشايب لما يدلع، حسن ومرقص وكوهين (1962)، وبعدين في كده (1963)، الحظ لما يطرقع (1965)، 4-2-4، شارع الغلابة (1966).
وشاركت الفنانة" ميمي شكيب" بالعديد من العروض المسرحية مع فرق القطاع الخاص حيث شاركت مع فرقة ساعة لقلبك" في مسرحية(مراتي صناعة مصرية (1959).ومع فرقة المتحدين" قدمت(زنقة الستات (1968).ومع فرقة (عمر الخيام”شاركت في مسرحية (الشنطة في طنطا (1969)،
ومع فرقة "الكوميدي المصرية" قدمت الطرطور (1969) ومع فرقة "المسرح الحر" شاركت في كسرحية (ميرامار (1969). ومع فرقة "المسرح الساخر" (نجوى سالم) شاركت في مسرحية (موزة وثلاث سكاكين (1970) ،ومع فرقة "الهنيدي"شاركت في مسرحية" ميمي شكيب "(سد الحنك (1971).، ومع فرقة "المسرح الباسم" (نبيل الهجرسي)شاركت في مسرحية "المحتاس والناس" (1972).ومع فرقة "نجم"قدمت مسرحية" أنا أجدع منه (1982).
وشاركت أيضا الفنانة القديرة " ميمي شكيب" في العديد من المسرحيات المصورة ومن بينها (عريس طنط جلاجل(1970)، المطب.
ومع فرق مسارح الدولة شاركت في العديد من الفرق حيث قدمت مع فرقة "المسرح الحديث" مسرحية (سعادات هانم (1964).،ومع فرقة مسرح "لجيب"مسرحية "حكاية ثلاث بنات (1972) ومع فرقة المسرح "الكوميدي" قدمت مسرحية "مخالفة يا هانم (1972).
عاشت" ميمى شكيب" محطات كثيرة متناقضة شكلت مشوار حياتها، وتميزت بضحكتها العالية الرنانة ذات الصوت المميز بأفلامها السينمائية وبأدوراها الكثيرة على حشبات المسرح .
رحلت الفنانة القديرة " ميمي شكيب عن عالمنا في 20 مايو عام 1983 رحم الله الفنانة المتميزة التي بذلت جهدا كبيرا بكل صدق وإخلاص في سبيل إسعادنا ورسم البسمة على شفاهنا بمشاركتها بالكثير الأعمال الكوميدية المهمة الراقية وبعالم الدراما المصرية ، وحفرت بأدورها اسمها في تاريخ الفن المصري و المسرح المصري والعربي وستظل خالدة في عقول ووجدان الجمهور .