الأربعاء 27 نوفمبر 2024

عرب وعالم

الإيكونوميست: وباء كورونا يغير أساليب العمل الدبلوماسي عالمياً ويعجل بظهور "دبلوماسية هجينة"

  • 12-5-2021 | 16:11

كورونا تتسبب في مولد دبلوماسية هجينة

طباعة
  • دار الهلال

ذكرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) تسبب في حدوث هزة في وسائل الممارسات الدبلوماسية المعتادة، وأدى إلى تغيير أساليب العمل الدبلوماسي على مستوى العالم وعجّل بظهور "دبلوماسية هجينة" تمزج بين الأساليب التقليدية والوسائل الرقمية.

وأوضحت المجلة البريطانية: "وباء كورونا أدى إلى تقليص الرحلات الخارجية واضطرار كثير من الدبلوماسيين إلى مغادرة مواقعهم بسبب الإجراءات الاحترازية الصحية، وأصبح الوباء نفسه عنصراً أساسياً في الدبلوماسية، سواء في إطار مناورات القوة الناعمة بين أمريكا والصين وروسيا أو حتى بين الحلفاء أثناء التوترات التي أججتها مشاعر القومية فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا".

وأضافت: "تأثير الوباء على المدى الطويل ربما يتمثل في كيفية ممارسة العمل الدبلوماسي في ظله، حيث يطرأ تغيير على الممارسات الدبلوماسية بثلاث وسائل مهمة، أولها أن عالم الدبلوماسيين - الذي يتسم بالرزانة - سارع إلى تبني استخدام الوسائل التكنولوجية، حيث يتم استخدام تقنيات /الفيديو كونفرانس/ ووسائل الاتصال المباشر الأخرى، والاتصال عن طريق برنامج واتساب بصورة خاصة، على نطاق واسع".

وأشارت "الإيكونوميست" إلى أن كافة الدبلوماسيين، تقريبا، تخلوا خلال العام الماضي عن الاجتماعات الكبرى متعددة الأطراف، وتغير الوضع في نيويورك التي كان يتدفق عليها الآلاف من أعضاء الوفود لحضور اجتماعات للجمعية العامة للأمم المتحدة تستغرق أسبوعين خلال شهر سبتمبر، وأصبح الأمر هناك يبدو أكثر تواضعا بعد مشاركة الزعماء في هذه الاجتماعات عن طريق شاشات فيديو.

وقالت المجلة البريطانية: "إن الأمر لم يقتصر على ذلك فحسب، بل إن الرئيس الأمريكى جو بايدن - على سبيل المثال - عقد أول اجتماع قمة له بصفته رئيسا خلال شهر فبراير الماضي مع رئيس وزراء كندا جاستن ترودو عن طريق الفيديو كونفراس، وشارك أيضا في اجتماع افتراضي مع زعماء مجموعة السبع الكبرى الذي استضافته لندن خلال شهر فبراير الماضي عبر الوسيلة ذاتها، وذلك دون أن يغادر البيت الأبيض".

ونقلت المجلة عن مارتن وايهليش، الذي يقود (خلية الابتكارات) في مقر منظمة الأمم المتحدة، قوله إن الوباء أدى إلى تزايد استخدام /تكنولوجيا الواقع الافتراضي/ وأدت القيود المفروضة على السفر إلى الاستثمار في مشروعات لعرض قصص الأحداث بنظام الصور ثلاثية الأبعاد أثناء تقديم بيانات موجزة عنها في مجلس الأمن، مضيفا أن هناك مشروعات بهذا الشأن بالنسبة لأحداث اليمن والسودان وكولومبيا على سبيل المثال.

وأفادت المجلة البريطانية في تقريرها بأن "التغيير الثاني للممارسات الدبلوماسية يتمثل في حدوث تحسن في مستوى الإنتاج بفضل اتباع تقنية الفيديوكوفرانس، حيث أصبح بالإمكان التفاعل مع أشخاص عبر أنحاء العالم بطريقة أكثر بساطة، وبفضل منصة زووم ومنصات إلكترونية أخرى أصبح بإمكان دبلوماسيين وزعماء سياسيين الظهور في اجتماعات وإلقاء خطب في مناسبات لا تتطلب حضورهم شخصيا. وعلى سبيل المثال، لم يسافر 12 وزير خارجية ورئيس وزراء إلى نيويورك جوا خلال شهر فبراير الماضي لمناقشة سبل الحصول على لقاحات تطعيم عالميا، لكنهم شاركوا جميعا في اجتماع افتراضي عقده مجلس الأمن بشأن هذا الموضوع".

وأضافت "كانت تُقضى شهورٌ في التخطيط لتجميع كافة الشخصيات المهمة لحضور اجتماع لمجموعة العشرين أو اجتماع لرابطة /آسيان/، لكن أصبح بوسعك الآن الجمع بين رؤساء ورؤساء وزراء معا على شاشة فيديو بسهولة نسبيا، كما أصبح بالإمكان الجمع بين شخصيات لحضور محادثات سلام عبر منصات افتراضية، على الرغم من احتمال أن يكون من بينهم من كان لا يتاح له وقت للعثور على طائرة للسفر على متنها".

ولفتت المجلة إلى أن الاجتماعات الافتراضية تؤدي أيضا إلى التخلي عن الكثير من الشكليات الدبلوماسية والثرثرة، حيث يمكن للمسئولين نقل رسائل بطريقة أسرع خلال مثل هذه الاجتماعات بدلا من السفر.

ومع ذلك، ذكرت مجلة "الإيكونوميست" أن روسيا تصر على رفض عقد اجتماعات افتراضية في مجلس الأمن، وتفضل الحضور الفعلي لأعضاء المجلس، وأدى ذلك إلى حرمان المجلس من ميزة عقد اجتماعات افتراضية، وحدوث تباطؤ في إنجاز الأمور، ونظرا لأن المقاعد في المجلس لا تحقق التباعد الاجتماعي بصورة كافية، فكان من المتعين اتباع نظام التصويت عن طريق رسائل البريد الإلكتروني.

وأضافت أن بعض فرق منصات زووم ومايكروسوفت ومنصات أخرى مكنَّت الدبلوماسيين من التواصل بفعالية.

ونقلت المجلة البريطانية عن مارتن جريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، قوله: "إننا الآن أفضل حالا بسبب وباء (كوفيد 19) لأننا اضطررنا إلى التفكير بعناية بشأن كيفية أداء عملنا في ظله، ولقد حدث تغيير ضخم في الطريقة التي نؤدي بها عملنا".

وقالت "الإيكونوميست" إن هذه ليست المرة الأولى التي تؤدي فيها التكنولوجيا إلى حدوث تغيير في عالم الدبلوماسيين، واستشهدت بقول السفير الأمريكي السابق تشارلز فريمان، الأستاذ بمعهد واتسون للشئون الدولية والعامة بجامعة براون، أن السفراء اعتادوا أن يكونوا بمثابة /قباطنة السفن/ ولا يخضعون لسيطرة، وأدى استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني إلى إنجاز أعمالهم بسرعة، ويتعين على الدبلوماسيين المعاصرين التكيف مع الأمور اللازمة لضغط الوقت والقضاء على بُعد المسافات.

وتابعت المجلة: "التغيير الثالث في الممارسات الدبلوماسية ربما يكون الأهم، وهو يتمثل في أن الوباء أدى إلى تسريع نقل تجارب بوسائل صوتية متعددة فيما يتعلق بجهود السلام، وأصبح الدبلوماسيون يعرفون أن ثمة إدراكا بأن عمليات السلام كثيرا ما يتم فرضها من جهات فوقية أو من الخارج، لذلك فإن أية اتفاقات بهذا الشأن ربما لا تحظى بتأييد واسع النطاق".

وأضافت: "على الرغم من أن هناك عددا من الأدوات الدبلوماسية الخاصة مثل مركز الحوار الإنساني في جنيف، الذي يعمل من أجل تسهيل مشاركة ممثلي القاعدة العريضة للمجتمعات، بما فيهم الشباب والنساء، إلا أنه من الصعب توفير الإمدادات اللوجستية اللازمة لذلك، حيث إن تجميع بضع سيدات من منطقة صراع ونقلهن إلى سويسرا لإجراء نقاش يستغرق بضعة أيام، يمثل تحديا في أفضل الأحوال، وفي ظل الوباء، يكون تحقيقه مستحيلا".

وأشارت المجلة إلى أنه "لهذا السبب فإن الوسطاء يلجأون إلى استخدام التكنولوجيا؛ لأنهم يجدون فيها وسائل سريعة وسهلة نسبيا للجمع بين أشخاص لم يتم التشاور معهم بصورة طبيعية بشأن عملية سلام أو عملية سياسية، وهناك دبلوماسيون متحمسون لذلك الآن".

ومع ذلك، استدركت "الإيكونوميست" قائلة إن الشئ المفقود في هذه الممارسة الدبلوماسية الجديدة هو رد الفعل المرئي المباشر، حيث يكون من الصعب معرفة رد الفعل خلال الاجتماع الافتراضي على عكس ما يحدث أثناء اللقاء المباشر - وجها لوجه - حيث يمكن ملاحظة رد الفعل إزاء سؤال صعب مثلا، كما أن الجزء الصعب في المفاوضات يتم انجازه خلال اللقاءات الشخصية المباشرة.

وأضافت: "إذا لم تجرِ الأمور على ما يرام فإن إجراء دردشة أثناء نزهة مثلا ربما يساعد على إحراز تقدم، ولذلك فإن الاتفاقيات الصعبة -مثل اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - والمباحثات الصعبة كان يتعين إجراؤها شخصيا، وبالتالي فإن انعقاد القمة التقليدية لن ينتهي، كما أن دور السفير المقيم لن يتعرض لتهديد خطير على الرغم من سهولة إجراء الاتصالات الرقمية بين الحكومات".

ونبهت إلى أن "أي تهاون يسمح بعودة العادات الدبلوماسية التي كانت سائدة قبل الوباء سيكون أمرا في غير محله"، مشيرة إلى أن "الحفلات الدبلوماسية الكبيرة التي كانت تُقام في الماضي ربما لا تجري على المنوال نفسه، حيث أثبتت الأدوات الرقمية قيمتها، وأصبح دليل الإرشادات الدبلوماسية جاهز لإعادة صياغته".

واختتمت مجلة "الإيكونوميست" تقريرها بتأكيدها أن وباء كورونا المستجد أدى إلى التعجيل بظهور "دبلوماسية هجينة" تمزج بين الأساليب المعتادة والوسائل الرقمية، ولكن لم يتحدد حتى الآن الطريقة المثلى للمزج بينهما، ومع ذلك فإن مفاوضين دوليين وأجهزة خارجية بدأوا يفكرون في هذا الشأن، إذ يرغب الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بإعادة الاستثمار في وزارة الخارجية التي تعرضت لإهمال شديد؛ لذلك يتعين توفير المال والتدريب لدبلوماسية الغد وليس لدبلوماسية الأمس.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة