شهد مطلع القرن العشرين صحوة وعودة الروح لكيان مصر بالعلم والفن بعيدا عن الاستعمار البريطاني، وحلقت طموحات القائمين على النهضة العلمية والفنية لإنشاء الجامعة المصرية، وكذلك نحو إنشاء مدرسة للفنون الجميلة تتيح ازدهار المواهب الشابة وتنقل المجتمع لمستويات عالية الذوق والتحضر.
ولقيت هذه الأفكار فى البداية الاعتراض وعدم الاكتراث من المسئولين المصريين، بل والمقاومة والمعارضة من المستعمرين البريطانيين فى ذلك الوقت، حيث وضعت العراقيل أمام إنشاء الجامعة المصرية، كما استخف الجهلاء بفكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة لكونها فى رأيهم نوعا من الترف الذى لم يتهيأ له المجتمع المصرى حينئذ.
وانتصرت اتجاهات التنوير بفضل الدعاة المخلصين للنهضة كالمفكر المستنير قاسم أمين، وتم جمع المعونات السخية من أفاضل المصريين لهذه الجامعة العلمية الأهلية، كما نهض الأمير يوسف كمال - بتحقيق فكرة إنشاء المدرسة الأهلية للفنون الجميلة بمعونة المثال الفرنسى غاليوم لابلان، وأسكنها الأمير المستنير فى أحد أملاكه ذات القيمة المعمارية التراثية بدرب الجماميز، وأوقف عليها أكثر من مائة وعشرين فدانا من أجود الأراضى الزراعية، بالإضافة إلى بعض العقارات بالإسكندرية، وذلك للإنفاق على المدرسة وحسن إدارتها لتعليم الشباب من ذوى المواهب تعليما مجانيا، وبشروط ميسرة ومشجعة للمصريين والأجانب على حد سواء.
وأجازت محكمة مصر الشرعية الكبرى حجة وقف الأمير يوسف كمال بما تضمنه من تلك الشروط الفنية الخاصة، الأمر الذى يمثل سابقة فريدة من نوعها فى ذلك الوقت بالإقرار بعدم وجود مانع شرعى لتخصيص الأوقاف على تعليم الفنون.
وتحل اليوم ذكرى إنشاء "مدرسة الفنون الجميلة المصرية" والتي تمثل اليوم "كلية الفنون الجميلة بحي الزمالك التابعة لجامعة حلوان، حيث تم إنشاؤها في 12 مايو 1908 بشارع درب الجماميز بالدار رقم 100، من قبل الأمير يوسف كمال.
وفي يونيه 1910، صارت إدارة مدرسة الفنون تحت إشراف الجامعة المصرية الأهلية واستمرت كذلك حتى أكتوبر 1910 ثم ألحقت بإدارة التعليم الفني بوزارة المعارف،وتوالت مراحل انتقال المدرسة من مكانها إلى الدرب الجديد بميدان السيدة زينب سنة 1923/ 1924م، وظلت حتى عام 1927، وفي نفس العام أنشأت وزارة المعارف العمومية المدرسة التحضيرية للفنون الجميلة قبل إلغاء مدرسة الفنون الجميلة المصرية بالسيدة زينب، وفي عام 1928 دخلت مدرسة الفنون الجميلة مرحلة جديدة عندما بدأ تمصيرها وأصبحت مدرسة عليا (مدرسة الفنون العليا) ثم تغير اسمها إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة ولم يقبل بها إلا من أتم الدراسة بنجاح في المدرسة التحضيرية.
وفي عام 1936-1937، أضيفت سنة إعدادية لسنوات الدراسة الأربع فأصبحت مدة الدراسة خمس سنوات وذلك بعد أن تم إلغاء نظام المدرسة التحضيرية وحدد القبول بالمدرسة للحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الثانوية (شهادة الكفاءة لأقسام الفنون وشهادة البكالوريا لقسم العمارة) وذلك بعد اجتياز امتحان دقيق للقدرات.
واختير للمدرسة فيلا بحى شبرا بشارع خلاط رقم 11 عام 1927 ثم نقلت في أغسطس 1931 إلى 91 شارع الجيزة وفي سبتمبر 1935 نقلت إلى مكانها الحالي بشارع إسماعيل محمد رقم 8 بجزيرة الزمالك بالقاهرة، وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 عدل اسمها إلى كلية الفنون الجميلة وقد ضمت إلى وزارة التعليم العالي سنة 1961 بعد أن كانت تتبع وزارة التربية والتعليم ثم ضمت إلى جامعة حلوان في أكتوبر 1975 إلى الآن.