أجرت بوابة "دار الهلال" حواراً خاصاً مع الأديب اليمني الكبير "وليد دماج"، الذي بدأ بكتابة القصيدة ومن ثم انتهج مسار كتابة الرواية حتى صار من أهم الروائيين العرب، وهو شاعر وروائي وقاص يمني، نشأ وسط الروايات والكتب ما بين المؤلفات العربية والعالمية، فامتزجت به وأخذ من روحها الكثير، صار الأدب في دمه حتى نما معه وبلغ به في مشواره الأدبي الممتلئ بالإنجازات والنجاحات، وعلى أثر ذلك فهو ينتمي لأسرة ثقافية عريقة، أثرت فيه وأبرزهم من الشعراء والأدباء عمه أحمد دماج رئيس اتحاد كتّاب اليمن وزين دماج، وزيد مطيع دماج، والبردوني ومحمد عبد الولي والمقالح، وغيرهم من الأدباء والشعراء الذين كانوا لهم أثر كبير على حياته الأدبية.
وبسبب تأثير بيئته الثقافية عليه لم يحب شيئا سوى الفن والأدب برغم أنه درس المحاسبة في جامعة صنعاء، بدأ حياته الأدبية بكتابة الشعر، واتجه بعدها لكتابة القصة القصيرة، ولكنه رأى أن كتابة الرواية تتوق له بالأكثر، شغل منصب رئيس المكتب التنفيذي لصنعاء عام 2004، حصل على درع الشعراء الشباب في نفس العام، وفاز بجائزة دبي الثقافية في عام 2011 عن روايته "ظلال الجفر".. وإلى نص الحوار..
بداية.. حدثنا عن طقوس العيد في اليمن؟
العيد في اليمن مميز وتكاد تتشابه طقوسه في أغلب المناطق اليمنية، وسأتحدث هنا عن العيد في الأوضاع الطبيعية، لا شك أن عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى هما أهم الأعياد الدينية في اليمن، وهما عيدان جامعة يرتدي الجميع فيهما الملابس الجديدة.
ماذا عن طقوس أول يوم في العيد؟
في عيد رمضان (عيد الفطر المبارك) عادة ما نقوم قبل التوجه لصلاة العيد بتناول التمر أو أي أكل قبل كل شيء إيذانا بانتهاء الصيام، ويرتدي الرجال الزي الشعبي الخاص بمناطقهم أو قبائلهم ويرتدي الأطفال الملابس الجديدة، ويقوم الأطفال بالسلام على آبائهم وأمهاتهم، فيعطرونهم ويمنحونهم عيدية العيد (مبلغ مالي) وتسمى في الكثير من المناطق بـ"العوادة" وفي مناطق أخرى بـ"العسب"، ثم يأخذ الأب أبناءه ويتجهون لأداء صلاة العيد في المسجد أو المكان الذي يتفق عليه أهل الحارة أو القرية.
ماذا عن السيدات في مثل هذا اليوم؟
تقوم النسوة بارتداء ملابس العيد وتبخير وتعطير المنزل، وتجهيز ما يسمى بـ"جعالة العيد" وهي خليط من الزبيب والجوز واللوز والفول السوداني وبعض المكسرات الأخرى، بالإضافة إلى قطع من أنواع مختلفة من الشيكولاتة والحلوى، تقوم السيدات بتقديمها لمن سيأتون من الأهل والأقارب لزيارتهم، والسلام عليهم، وتعويدهم بمبالغ نقدية، تختلف من شخص لآخر ومن عائلة لأخرى، وبحسب مستوى ودرجة القرابة.
كيف تكون أجواء العيد أثناء الصلاة؟
يتجمع الكثير من الباعة المتجولين وبائعي الألعاب والمفرقعات والمأكولات السريعة أمام أماكن صلاة العيد، فينشغل بهم الأطفال بينما يقوم الآباء بأداء صلاة العيد والاستماع لخطبة العيد، ومن ثم يخرج بعدها الناس لباحة المسجد أو المصلى ليسلموا على بعضهم ويتسامحون ثم يأخذوا أولادهم ويبدأون بزيارة أرحامهم المتواجدين في المدينة أو البلدة أو القرية التي يقطنوا فيها، ويتنقلون من منزل لآخر حتى يستكملوا زيارة كل مَن تمت لهم بصلة قرابة.
طقوس ما بعد الصلاة؟
يعودوا إلى المنازل فتستقبلهم النساء ويقدمن لهم "جعالة العيد" والعصائر، ثم ينقدن من معه من الأطفال بالعيدية، ويقوم الرجال بدفع العيدية لكل النساء والفتيات البالغات في المنزل، وحين تنتهي الزيارات يذهب الرجال لشراء "القات" والعودة للمنزل مرة أخرى لتناول الغداء مع أهاليهم، ثم يتجمعون للمقيل وتبادل تهاني العيد لدى كبير العائلة، وكذلك يفعلن النساء أيضًا ولكن في بيت آخر، ويظلون هناك حتى المساء، بينما يتجمع كل الأطفال للعب واستعراض ملابسهم في الملاعب وأمام الدكاكين.
وماذا عن أجواء باقي أيام العيد الأخرى؟
في أيام العيد الأخرى يلتقي الجميع في منازل أخرى أو قد تذهب كل أسرة للتنزه في الحدائق أو مدن الألعاب.
حدثنا عن المقايل في اليمن وارتباطها بالعيد؟
لا شك بأن المطلع على تفاصيل حياة المجتمع اليمني سيكتشف أن "المقايل" هي الأماكن التي يجتمع فيها اليمنيون لتعاطي أو بما نسميه بمجالس تخزين القات، وهي في الحقيقة منتديات أدبية وسياسية تُقرأ فيها الكثير من الأعمال الأدبية خصوصًا الشعرية والقصصية، يتم مناقشتها ونقدها، وقد ساهمت الكثير من هذه المقايل الأدبية في تثقيف المجتمع والتعريف بالأدباء والمثقفين، وهناك الكثير من المقايل تلك أصبحت منتديات أدبية معروفة كالمقيل يومي الأحد والثلاثاء في منزل الدكتور عبد العزيز المقالح في العاصمة صنعاء ومقيل الأستاذ خالد الرويشان وزير الثقافة الأسبق وغيرها الكثير من المقايل التي تحافظ على جذوة الثقافة والفكر وتصل الأدباء والشعراء بمجتمعهم.
الحركة الثقافية باليمن تأثرت بالحرب؟
طبعًا أثرت الحرب تأثيرًا كارثيًّا على نمو الحركة الثقافية في اليمن، إذ تسببت الحرب في إفقار الكثير من الأدباء والمبدعين وتشريدهم، وتوقيف وإغلاق كافة دور النشر اليمنية، وصار النشر صعب داخل اليمن.
وقد أثرت الحرب تأثيرًا مباشرًا على الحراك الثقافي اليمني، من خلال سيطرة بعض الجماعات الأصولية المتشددة على أجزاء كبيرة من البلاد وعلى رأسها الجماعة الحوثية وفرض الكثير من القيود على الإبداع وتدمير المؤسسات الثقافية، وإغلاق أغلب الصحف والمجلات، بالإضافة إلى منع دخول الكتب والدوريات والمجلات الثقافية إلى اليمن، مما جعل المبدع اليمني غير قادر على مواكبة التطورات الثقافية في الوطن العربي.
لما الحركة الثقافية في اليمن قليلة الأضواء في المجتمع العربي؟
أعتقد بأن الحركة الثقافية في اليمن رغم عدم تسليط الضوء عليها، حركة نشطة، واليمن مترعة بالشعراء المجيدين في كل المناطق، وهناك الكثير من الشعراء المتميزين في الشعر بكل أنواع وأجناسه سواء الفصحى أو الشعر الحر، أو ما يسمى بالشعر النثري، بالإضافة إلى الشعراء الشعبيين أو شعراء العامية، وهي أجناس وأنواع كثيرة في اليمن، ولابد هنا أن نذكر التطور الملحوظ والمتميز في جنس الرواية، والذي أضحى ينافس الشعر، وظهرت الكثير من الأعمال الروائية اليمنية التي لفتت الأنظار على المستوى الإقليمي والعربي، وأنا أعتقد أن هناك ما يشبه الثورة الروائية، جعلت حتى الكثير من الشعراء يتجهون لتجريب الكتابة الروائية.
بدأت بالشعر وانتهجت مسار الرواية.. هل الرواية جعلتك تترك القصيدة؟ وما الشعور الذي دفعك لكتابة الرواية؟
تملكتني كتابة الشعر فترة طويلة كنت فيها شاعرًا ضمن شعراء، ولكني كنت أشعر بأن هنالك شيئًا ينقصني، وأنني لم أضع قدمي على المجال الذي يشبع قلمي ويقنع نفسي التواقة للاسترسال وسرد التفاصيل، وهنا لم تعد تقنعني الكتابة الشعرية، وما إن بدأت في تجريب الكتابة الروائية حتى استلبستني ووجدت أنها المجال الذي يمكن أن أبدع فيه وأتميز.
الرواية خلق عالم وحيوات وتكاد تحوي كل الأجناس الأدبية، وهي مجال التحدي الذي وجدت نفسي فيه، وعمومًا أنا لم أترك الشعر نهائيًّا وأحيانًا يأتيني هاجسة فأكتب بعض القصائد، ولكنني أكتبها لنفسي أو لتنشر في مواقع التواصل الإجتماعي، ولكني الحقيقة أقول بأنني شاعر ضعيف مقارنة بكوني روائي، وعليَّ فعلًا أن أترك كل شيء في سبيلها، فالرواية تستسلب كاتبها ولا تقبل في رأئي بشيء ينافسها أو يزاحمها، لذا تجد أن الكثير من الروائيين الذين بدأوا بكتابة الشعر تفرغوا بشكل كامل للرواية، وهجروا الشعر أو تركوه.
لماذا تتسم الكثير من كتاباتك بالرموز؟
الرمز بالنسبة للمبدع أحد أهم أدواته الكتابية، والكتابة الروائية أو الإبداعية يجب ألا تكون توصيفية مباشرة، وإلا لأصابها الجمود والجفاف، الرمز يخلق الحيوية في الكتابة الإبداعية، وينفخ فيها عنصر التشويق أحد أهم عناصر الكتابة الروائية.
فالرموز تتيح لنا أيضًا القدرة على التعرض للكثير من القضايا والمجالات التي يصعب الكتابة عليها بشكل مباشر، وقد تمنح الكاتب قدرة أكبر على إشراك القراء في العمل الروائي من خلال الإدراك والفهم المختلف والمتنوع لهم لتلك الرموز، الأمر الذي يجعل النص متجددًا وقابلًا للبقاء.
هل كنت تتوقع "ظلال الجفر" أن تفوز بجائزة دبي الثقافية رغم أنها تحمل بعض الاتجاهات الصوفية؟
كانت روايتي "ظلال الجفر" هي عملي الأول ولم أكن أتوقع أن أحصل على الجائزة من بين الكثير من الروائيين والمتمرسين، ولا شك أن لموضوعها وأسلوبها دور كبير، فقد ظلت الصوفية شغفي لفترة طويلة، وحاولت الخوض في عوالمها، وقرأت الكثير والكثير من إنتاجات وتجارب أقطابها وأعلامها حتى إني قرأت تقريبًا كل أعمال محيي الدين بن عربي، والحلاج، والسهروردي، وجلال الدين الرومي، وابن علوان والسودي وغيرهم...
هل تأثرت بالصوفية إلى درجة كبيرة؟
سكنتني الصوفية حتى حسبتها قيدًا لابد من أن أتحرر منه، فكان أن هربت منها في رواية "ظلال الجفر" ولا شك أن الصوفية تتغلغل في أعماق الأعماق وليس من السهل تجاز أعراضها، ولا شك أني قد تأثرت نوعًا ما في روايتي الثانية "هم" التي حاولت فيها الخوض في عالم الجنون.
حدثنا عن التجارب المختلفة في رواياتك؟
"رواية أبو صهيب العزي" أخوض فيها في عوالم تيارات فكرية ودينية أخرى ظهرت وانتشرت في اليمن خلال الآونة الأخيرة، كالسلفية الجهادية، والحوثية، والبهائية، والأحمدية، وغيرها...
أما رواية "وقش" فهي رواية تاريخية فكرية تخوض في فكر فرقة المطرفية المعتزلة وهي فرقة دينية ظهرت في المناطق الشمالية من اليمن خصوصًا المناطق المحيطية المحاذية والقريبة من صنعاء خلال القرن الثالث والرابع والخامس الهجري، وتم إبادتها والتشنيع عليها من قبل عبدالله ابن حمزة أحد الأئمة الزيديين، فقتل رجالهم وسبى نسائهم وأطفالهم وأحرق كتبهم ودمر هجرهم وقراهم ومساجدهم ولاحقهم في كل مكان حتى أفناهم، رغم أنهم لم يكونوا محاربين وكانوا مشايخ علم متقدمين على زمانهم، بسبب قولهم أن الأمانة والشرف ينالا بالعمل لا بالنسب، وغيرها من الأفكار...
أكثر أعمالك الروائية قربًا إليك؟
لا شك أن الروايات كالأولاد من الصعب تمييز عمل عن آخر، فكل عمل بذلت فيه الجهد الكبير وقضيت في التقصي عنه وكتابته ومراجعته بالشهور والسنوات، لذا أعتز بها جميعًا، وإن كان لها لروايتي ظلال الجفر باعتبارها روايتي الأولى وخلاصة سنوات من الاستغراق الصوفي وروايتي الأخيرة "وقش" لطبيعة الرواية وحبكتها ولما بذلته فيها من جهد مضن وبحث دؤوب لسنوات كثيرة ولعدالة قضيتها اعتزازًا خاصًّا.
هل للثقافة في اليمن حيِّز كبير في مواكبة العادات والتقاليد؟
لا شك أن جزءًا هامًّا من ثقافة أي أمة هي عاداتها وتقاليدها، مهما كان موقفنا من تلك العادات والتقاليد، ولا شك أن من صميم اهتمامات أي مبدع ومثقف التعرف على عادات وتقاليد بلده، واستلهامها في أعماله الأدبية، واليمن بما تمثله من حضارة قديمة ومجتمع عريق وتاريخ مدهش متنوع، تراكمت لديه الكثير من العادات والتقاليد الراسخة، والتي لا زال الكثير منها مؤثِّرًا عليه إلى الآن، تعد نبعًا دفّاقًا يمكن أن ينهل منه ليس المبدعين اليمينيين فحسب بل والمبدعين العرب والأجانب، وأنا أرى أن هناك الكثير من تلك العادات والتقاليد التي تجاوزها الزمن يجب محاربتها ووأدها وتعريتها وكشف أضرارها عبر الأعمال الإبداعية خصوصًا السردية الروائية منها.