الأحد 24 نوفمبر 2024

ثقافة

أمير الكتابة الساخرة

  • 13-5-2021 | 17:36

الكاتب محمود السعدني

طباعة
  • إبراهيم خليل إبراهيم

يُعد الكاتب الساخر محمود السعدني من أمراء دولة الكتابة الساخرة، فقد وهب حياته لأجل الكلمة الصادقة وتفرد بأسلوبه الذي يقدم هموم المواطن بصورة باسمة.

الكاتب الصحفي الساخر محمود عثمان محمد على السعدنى الشهير بـ (محمود السعدني) من مواليد 25 جمادى الأولى عام 1346 هـ، الموافق 20 نوفمبر عام 1927م  بمركز الباجور بمحافظة المنوفية، وحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة الجيزة، ثم حصل على الثانوية من مدرسة المعهد العلمي الثانوية بالقاهرة.

عشق محمود السعدني صاحبة الجلالة وبدأ حياته الصحفية فى صحف ومجلات صغيرة ونذكر منها "نداء الوطن" و"مسامرات الحبيب" و"كلمة ونص" و"الجمهور المصري" و"الستار"، وعندما قام الضباط الأحرار فى 23 يوليو عام 1952م بالثورة لأجل تخليص مصر من الاحتلال والفساد، أعلن محمود السعدني تأييدها.

فى عام 1953، قدم محمد أنور السادات ضمانة شخصية بـ ‏300‏ جنيه‏ كي توافق إدارة المطبوعات حينئذ على صدور صحيفة تكون الصوت للثورة وهي صحيفة الجمهورية، بالفعل صدر العدد الأول بعد عام و (4) شهور و (14) يوما من قيام ثورة  23 يوليو1952، وكان السادات أول مدير عام ورئيس لمجلس إدارتها‏ ومن أوائل كتاب اليوميات بها.

عمل محمود السعدنى في جريدة الجمهورية وبعد أن تولى محمد أنور السادات رئاسة البرلمان المصري تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدني وبيرم التونسى وعبد الرحمن الخميسى من الصحيفة، كما عمل في المجلة الأسبوعية الخاصة التى تملكها فاطمة اليوسف والدة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس وهى "روزاليوسف".

تولى محمود السعدني إدارة التحرير، أما رئيس التحرير فهو إحسان عبد القدوس، وقبل وحدة مصر وسوريا كان محمود السعدني فى مهمة صحفية بسوريا، وقبل مغادرته تسلّم رسالة مغلقة من أعضاء الحزب الشيوعي السوري وطلبوا توصيلها للرئيس جمال عبد الناصر.

بعد عودة محمود السعدني لمصر قام بتسليم الرسالة المغلقة لمحمد أنور السادات دون أن يعلم ما تحتويه الرسالة وعندما فتحت إذا بها تحمل تهديدًا لجمال عبد الناصر.

على الفور تم إلقاء القبض على محمود السعدني وتم سجنه لما يقرب من عامين، ثم تم الإفراج عنه فعاد للعمل في مجلة روزاليوسف التى تم تأميمها، ثم تولى محمود السعدني رئاسة تحرير مجلة "صباح الخير" وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر تولى محمد أنور السادات رئاسة مصر وتم اعتقال شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمود فوزي ومحمود السعدني وغيرهم ثم تقديمهم للمحاكمة.

حاول الرئيس الليبي معمر القذافي التوسط لـ محمود السعدني عند الرئيس محمد أنور السادات ولكنه رفض الوساطة بقوله: إن السعدني قد أطلق النكات عليّ وعلى أهل بيتي .. جيهان السادات .. ويجب أن يتم تأديبه ولن أفرط في عقابه.

بعد ما يقرب من عامين في السجن تم الإفراج عن محمود السعدني مع فصله من العمل بمجلة "صباح الخير" ومنعه من الكتابة وأيضاً منع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات.

بعد فترة قصيرة من المعاناة قرر محمود السعدني مغادرة مصر والعمل في الخارج وبالفعل قصد بيروت وبصعوبة تمكن من الكتابة في جريدة السفير ولكن بأجر يقل عن راتب الصحفي المبتدئ.

رفض محمود السعدني هذه التصرفات، وقرر مغادرة بيروت، وبالفعل وصل إلى ليبيا وتقابل مع الرئيس الليبى معمر القذافي الذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن محمود السعدني رفض ذلك خشية اغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين.

 في عام 1976، قصد محمود السعدني أبوظبي للعمل وعرض عليه تولى مسئولية المسرح المدرسي بوزارة التربية والتعليم في الإمارات العربية المتحدة ولكن لم يرحب بذلك.

عرض عليه عبيد المزروعي تولي إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتية، قبل محمود السعدني هذا العرض بشرط عدم التدخل في عمله، وبدأ العمل ولكن بعد أقل من أربعة أشهر تمت مصادرة أحد أعداد جريدة الفجر من الأسواق بسبب مانشيت أغضب السفارة الإيرانية في أبوظبي.

نظراً للضغوط الإيرانية على حكومة الإمارات اضطر محمود السعدني لمغادرة أبوظبي وتوجه إلى دولة الكويت وعمل في جريدة السياسة الكويتية ولكن الضغوط لاحقته هناك أيضاً فترك الكويت وتوجه إلى العراق وواجه الضغوط المخابراتية فتقابل مع صدام حسين "نائب الرئيس العراقي" فنصحه بالسفر إلى لندن.

فى لندن أصدر محمود السعدني بالاشتراك مع آخرين وبتمويل من حاكم الشارقة، مجلة 23 يوليو التى تعد أول مجلة عربية تصدر فى لندن وقد حققت نجاحاً كبيراً.

فى 6 أكتوبر عام 1981، اُغتيل الرئيس محمد أنور السادات، وعاد محمود السعدني إلى وطنه مصر واستقبله الرئيس محمد حسني مبارك.

فى عام 1987، أحيل إلى التقاعد وكان يكتب فى عدة دوريات مصرية وعربية.

أذكر أن البطل محمد عبد العاطي الذي دمر 23 دبابة و3 عربات مجنزرة خلال معارك أكتوبر، وتم تكريمه ومنحه وسام نجمة سيناء كان في برنامج إذاعي وسئل عن أمنيته؟ فقال: زيارة المملكة العربية السعودية، فكتب عن ذلك محمود السعدني، وعلى الفور ملك السعودية أرسل دعوة للبطل محمد عبد العاطي وتم استقباله في المملكة.

قدم محمود السعدنى للمكتبة العربية مجموعة من كتبه ونذكر منها "الولد الشقي في السجن، والولد الشقي في المنفى، وألحان من السماء، ومسافر على الرصيف، وملاعيب الولد الشقي، والموكوس في بلد الفلوس، ووداعاً للطواجن، ومصر من تاني، وتمام يا فندم، ومسرحية عزبة بنايوتى، ورواية قهوة كتكوت".

قال عنه الشاعر كامل الشناوي: كنت أظن أن خيال محمود السعدني أقوى ما فيه، فهو إذا تحدث أضفى على ما يكتب وما يقوله صوراً يستمدها من خيال أوسع من عقليات العلماء وذمم المُرابين، لكن مذكرات الولد الشقي أثبتت أن ذاكرة السعدني أقوى من خياله.

يوم الثلاثاء الرابع من شهر مايو عام 2010، وبعد صراع مع المرض توفى الكاتب والصحفى الساخر محمود السعدني، وأثناء قيام شقيقه الفنان صلاح السعدني بتصوير دوره فى مسلسل سلطان الغمري، تلقى نبأ وفاة شقيقه محمود فدخل فى حالة هيستيرية من البكاء وسارع بالذهاب إلى المستشفى حيث جثمان شقيقه الأكبر.

فى موكب مهيب شيعت جنازة محمود السعدني بعد ظهر يوم الأربعاء الخامس من شهر مايو 2010م من مسجد الحامدية الشاذلية.

فى السادس من شهر مايو 2010، كتب أحمد رجب فى جريدة الأخبار: "فقدَ شارع الصحافة ابتسامته وبهجته وضحكته العريضة .. رحل محمود السعدني آخر ظرفاء مصر وأعظم كتابها الساخرين .. كان ساخرًا بالفطرة، فحتى مع الجلادين فى المعتقل كان يبدد الصرامة على وجوههم بكلماته العفوية التى لا يقصد بها إضحاكًا .. سوف أفتقدك كثيراً يا محمود وربما يكون عزائي فى لقائي بكتبك التى أهديتها إليّ بإهداء واحد لا يتغير: من الكاتب الساخر محمود السعدني إلى الكاتب الإسكندراني أحمد رجب".

كما كتب الشاعر بخيت بيومي تحت عنوان علشان السعدني:

فى شارع الصحافة

فى هذا المساء

علشان السعدني

اتجمعوا البسطاء

بملاحم الفكاهة

وحروف الهجاء

وأعلنوا الحداد

تعبير عن الوفاء

وكل المضحكين

فى هذا اللقاء

نكسوا الأعلام

ولبوا النداء

وقالوا يا أفاضل

يا كل الأصدقاء

من أجل السعدني

قد حللنا البكاء

ع الولد الشقي

أذكى الأذكياء

فيلسوف زمانه

آخر العظماء

وعمدة الكلام

فى دولة الظرفاء.

الاكثر قراءة