الإثنين 25 نوفمبر 2024

شيخ الملحنين يقول : فيران المراكب لا تعرف الرضا!

  • 7-5-2017 | 09:53

طباعة

أخيرا عاد صانع الأنغام الساحرة إلي الإذاعة بعد جفاء دام أربعة أعوام والجمهور الذي يعرف في شيخ الملحنين ... - الاستاذ زكريا أحمد- ملحنا شرقيا عتيدا يستقبله بالفرح والنشوة لأنه يعرف أن استاذ النغم سيضيف ثروة جديدة إلي موسيقانا وطربنا وقد قضيت مع الرجل الذي اختطفه الطرب من الأزهر ساعتين كاملتين جلنا فيهما في ماضيه وحاضره وحقوقه الضائعة...

إذا كنت لم تر الشيخ زكريا أحمد.. فأقول لك كيف هو..

اب يتدفق منه الحنان علي فلذات كبده فلا يتركونه لحظة وحيدا ومحدث يتكلم في عبارات تتقطع بسبب السرحات الفنية ولابد لك من جهد لتصل كل جماعة بسابقتها ولاحقتها وكريم يقدم لك الشاي الأخضر والشاي الأحمر والقهوة المحوجة وملحن ينساك إذا امسك العود... وقد نسي كل الناس 1645 مرة وضع في كل مرة منها لحنا كل هذا خلال 38 عاماً وصريح لا يبخل بالرأي الجريء الذي يعقبه بفلسفة حياته «الرزق علي الله» ومقرئ ومطرب وصديق العظماء وجليس قهاوي الحسين!

قلت له:

إننا جئنا نهنئك بالعودة إلي الإذاعة نحن هنأنا الإذاعة أيضا بك فهل لك أن تروي لنا قصة الخلاف بينكما؟

قال الشيخ الموسيقار:

إنه خلاف بدأ قبل أن يولد ابني تيسير أي منذ أكثر من ثمانية عشر عاما فقد قدمت لي الإذاعة في عامي 1936 و1937 242 لحنا ولما طالبت الإذاعة بأجري وعدني مدحت عاصم والمرحوم مصطفي رضا بالدفع ولكنهما لم ينفذا الوعد فرفعت دعوي أمام المحكمة المختلطة لأن قانوننا المصري لم يكن يشتمل علي مادة تحفظ حقوق الملكية الأدبية لأصحابها وكانت قد صدرت من المحكمة المختلطة عدة أحكام لاصحاب الملكية الأدبية من الأجانب وقبل الجلسة بيومين استدعتني الإذاعة التي أحست بالخطر وقدرت أن صدور حكم لي يعتبر مبدأ خطيرا وفاوضوني في الصلح ووقعت عقدا بأن تحتجز لي 5% من كل لحن يغني لي من الأجر الذي يتقاضاه المطرب إلا فيما يتعلق بالمطربة أم كلثوم والأستاذ صالح عبدالحي فإن أجري عما يذيعان من اغنيات يحدد بالاتفاق بيني وبينهما..

وعد بلا وفاء

ولكن الإذاعة لم تف بوعدها فقد ظللت منذ سنة 1937 إلي سنة 1950 أطالبها بتنفيذ بنود العقد وهي تماطل وقد كانت لي قصص تروي مع كل مدير إذاعة يأتي ولكني لم أنل حقي وحذرني أحد الأصدقاء بأن حقي سيسقط بمضي مدة 15 عاما إن أنا أتبعت أسلوب المفاوضات الذي كانت تزوغ فيه الإذاعة كما يزوغ الانجليز في مفاوضاتهم ولهذا رفعت قضية أمام المحكمة وطالبت بالإضافة إلي ما سبق حقي في كل الحفلات التي أحيتها مطربة الشرق وحقي في لحني «حبيبي يسعد أوقاته» و«فرحة الشرق» علي أساس أجر المثل.

ودفعت الإذاعة مطلبي بأن المطربين اخذوا أجورهم كاملة فعلي أن أطالبهم هم ولكن المحكمة رفضت كل هذه الدفوع وقالت إن نص العقد صريح في أن الإذاعة هي التي تحتجز لي أجري وأنها متضامنة مع كل الذين هضموا حقوقي خلال 18 عاماً.

وقد عينت المحكمة الاستاذ محمد فتحي المستشار السابق ومدير المعهد العالي للموسيقي الشرقية خبيرا لتحديد أجري في مطالبي الثلاثة الـ 5% من أجر كل مطرب وأغاني أم كلثوم وحفلاتها كل هذا من سنة 1936حتي اليوم ثم أجر المثل عن القصيدتين الطويلتين.

صدر قرار المحكمة هذا في فبراير الماضي وأصدر الاستاذ أمين حماد أمره للموظفين بمعاونة الخبير الاستاذ فتحي في أداء مهمته وفي جلسة 27 نوفمبر الماضي قال الاستاذ فتحي للمحكمة إنه يعاني الكثير من الفوضي التي كانت ضاربة أطنابها في الإذاعة في عهودها السابقة وعدم اعتنائها بحفظ محتويات البرامج.. وأجلت القضية إلي 22 يناير سنة 1956 ليقدم الخبير تقريره.

ومدت لي الإذاعة يدها بالصلح فلم أرفضه لأنني أحب أن أعمل للإذاعة وخصوصا بعدما اتضحت حقوقي قبلها وقد عهدت لي الإذاعة بثلاثة ألحان لعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وهدي سلطان..

فيران المراكب!

إن الجمهور كان دائما تواقا لعودتك بل إن بعض المعجبين بك كانوا يستنكرون منك أن تنقطع عن التلحين لأسباب مادية؟

- بعض الناس ياسيدي «كفيران المراكب إن عامت قرقشت وإن غرقت قرقشت» إن كنت سعيدا في حياتي طلبوا مني ألحانا وإن كنت بائسا طلبوا مني ألحانا يلومونني وينسون توجيه اللوم للإذاعة ويعتبون علي حتي وإن طالبت برزق أولادي ثم إنني لم أكف عن التلحين .. إنه الماء والهواء في حياتي وقد سجلت لي ألحان في محطات أخري..

لماذا لا تسجل لك الإذاعة المصرية أغنيات بصوتك؟

- لم تسجل لي الإذاعة المصرية أغنيات منذ عام 1938 وقد سجلت لي محطات أخري أغنيات كثيرة وليس من عادتي أن أطلب إلي أحد من الناس أن يسدي لي جميلا فإذا قدرت الإذاعة أن أغنياتي تستحق التسجيل فهي حرة وإذا لم تقدر فهي حرة أيضا.

ما أول لحن وضعته لمطربة الشرق السيدة أم كلثوم؟

- أول لحن لا أذكره علي وجه التحديد ولكني أذكر أنني قابلتها سنة 1917 كانت برعما يتفتح في السنبلاوين وكان لقاؤنا عند محمود باشا رسمي محافظ دمياط الذي كان مغرما أشد الغرام بصوتها وفي تلك الأثناء وضعت لها لحنا رفضت أن أتاقضي عنه أجراً لأنها كانت تأخذ 75 قرشا عن الحفلة التي تحييها ولكني أذكر أول لحن وضعته في حياتي كان من نوع الطقطوقة وكان يغنيه المطرب عبداللطيف البنا ثم وضت ألحانا لصالح عبدالحي.

طقاطيق!

وأذكر بهذه المناسبة أن الطقاطيق في ذلك العهد كانت من النوع المكشوف مثل «ارخي الستارة اللي في ريحنا أحسن جيرانا تجرحنا» و«ماتخافش عليه دانا واحدة سيجوريا» وهذه الطقاطيق هي السبب المباشر لانشاء قلم المطبوعات بوزارة الداخلية فقد غضب المرحوم محمد باشا محمود أشد الغضب من هذا الطرب الماجن واستدعي إليه صديقه الأستاذ يونس القاضي وجعله مديرا لقلم المطبوعات ليمنع هذا الإسفاف والطريف في الموضوع أن يونس القاضي كان مؤلف الغالبية العظمي من هذه الأغاني».

كيف تعلمت الموسيقي؟

- لقد فتحت عيناي علي أب من قبيلة مرزبان وهم عرب الفيوم وهو يغني أغنيات الصحراء وأم تركية تغني أغاني تركية عذبة وذهبت للأرهر لأرسي علوم الدين وأحفظ القرآن وفي نفس الوقت كنت أذهب لمدرسة خليل أغا لأدرس العلوم الدنيوية وكنت اختلف إلي الشيخ درويش الحريري وهو استاذي الذي أدين له بالفضل فيعلمني أصول الموسيقي وقد عرفني علي كل المغنين والمغنيات في ذلك العهد ثم اشتركت مع الشيخ محمد أبوزيد في إقامة حفلات غنائية في منزل المطرب العظيم الشيخ يوسف المنيلاوي بجوار مدرسة خليل أغا القديمة - احتل مكانها ميدان الأزهر الآن- وكان الشيخ أبوزيد يضحك علي ويستولي علي كل المال ويقول لي: «أنا أقبض الفلوس.. وأنت تقبض الشهرة» ثم أقمنا حفلات في نادي الشبيبة بشارع خيرت ثم عملت مع علي الكسار ونجيب الريحاني ووضعت ألحانا لمسرحياتهما ثم وضعت ألحانا للإذاعة.

قصة الجبة!

أعرف أنك كنت ترتدي الجبة والقفطان فلماذا تركتهما؟

- لذلك قصة طريفة فقد حدث أن كنت واقفا علي خشبة مسرح الريحاني وكنت أؤدي إحدي البروفات واندمجت في الأداء فقذفت بيدي إلي الخلف فأطاح كم القفطان بفنجان قهوة كان في يد الفنانة زوزو حمدي الحكيم وكانت القهوة ساخنة أصابت ذراعيها ورقبتها وقالت لي زوزو غاضبة:

- ياسيدنا الشيخ لما أنت اشتغلت في عماد الدين لزومه ايه «الكشك» اللي أنت لابسه ده «في تلك الليلة ذهبت مع الأستاذ بديع خيري إلي أحد الترزية في شارع جزيرة بدران وفصل لي الترزي أربع بدل.. وهجرت الجبة والقفطان نهائياً»

متي يزورك الوحي؟

- يزورني عندما أشاء، أنا علي علاقة طيبة معه دائما ولكنني لابد أن أسبق ألحاني الصاخبة بخناقة ..لابد أن يكون دمي فائرا لأضع لحنا صاخبا ولهذا كلما تشاجرت في المنزل غفروا لي وقالوا «لازم الخناقة دي فيها لحن»!

ما رأيك في تطعيم الموسيقي الشرقية بالموسيقي الغربية؟

- ليس بعد الشيخ درويش من يستطيع أن يقوم بعملية التطعيم هذه فتطعيم هذه الأيام أصبح كالشيخ الذي يرتدي جبة وقفطانا ومعهما قبعة ثم إن الألحان بهذه الصورة لم تعد تناسب الأغاني وكلماتها أنك تحس أننا نحمس الجندي علي القتال برقصة سألت مطربا ذات مرة لماذا لا تستعمل اللحن العنيف في حماسك قال لي «ولماذا لا يكون الجندي المصري رقيقا يفهم هذا اللون الناعم؟» أن ألحاننا تقلب السيف في الأغنيات الحماسية إلي زعزوعة قصب!

ثم هذه الألحان الخاصة ألا تري لحنا هادئا رزينا وقورا يعيش بينها؟ أنها جناية علي الموسقي الشرقية أن تلتزم هذه المدرسة الجديدة ونترك تراثنا يتواري تحت التراب.

بهذه المناسبة ما رأيك في عبدالحليم حافظ؟

- لون جديد له طابع عاطفي .. في الإذاعة أيضا مطربون لم يأخذوا حقهم من الشهرة أذكر منهم محمد عبدالمطلب أن صوته في نظري كالشمروخ الهائل ومحمد قنديل وكارم محمود.

أمنيات من القلب!

ما هي أمنية حياتك؟

- أن تعود الموسيقي الشرقية لنهضتها أيام سلامة حجازي وسيد درويش وكامل الخلعي وأن أري أولادي يرفلون في الصحة والهناءة وأن أعيش حتي أحمل أحفادي علي كتفي وأغني لهم وأجعل منهم أفرادا في جيل جديد من الموسيقيين.

أمنيات من قلب فنان مخلص بلغ الشيخوخة في العمر مع أنه في ربيع الفن والنغم.. أدع الله معي أن يستجيب له.

عدد 228 - 13 ديسمبر 1955

فوميل لبيب

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة