الأحد 28 ابريل 2024

الشاعر والمؤلف المسرحى سيد عبد الرازق لـ«دار الهلال»: «من يملأ عباءة الكبار بعد رحيلهم؟!»

الشاعر والمؤلف المسرحي سيد عبد الرازق

ثقافة14-5-2021 | 21:35

همت مصطفى

يحتفل الشعب المصري  ،وكل شعوب الأمة العربية والإسلامية بعيد الفطر المبارك في هذه الأيام المباركة،  ونشهد من بينهم  المسرحيين ،ومنهم المؤلفين والممثلين والمخرجين والنقاد وكل صناع العرض المسرحي ممن   يقضون  أيام عيدهم   في رحاب  المسرح ، فبعضهم  يستقبلون الجمهور ويقدمون عروضهم المسرحية  لإسعاده، ومنهم من يقضي إجازة العيد لمشاهدة ومتابعة عروض الموسم المسرحي الحالي بمختلف المؤسسات  التي تنتج مسرحًا، وآخرين  منهم   يقضون  عيدهم كما اعتادوا بين الأهل والأصدقاء.

وتلتقي بوابة "دار الهلال "مع العديد من المسرحيين لتتعرف على طقوسهم وذكرياتهم مع عيد الفطر المبارك، وعلى ملامح وسمات الحركة المسرحية في زمن "الكورونا "وفي حوار خاص التقينا بالشاعر والمؤلف المسرحي" سيد عبد الرازق "

https://back22.darelhilal.com/Media/News/2021/5/14/2021-637566093567287822-728.jpg

حدثنا عن  أجواء عيد  الفطر المبارك  وكيف تحتفل به  وخصوصًا بأول يوم؟

عيدُ الفطر من المناسبات المميزة في حياتي لأنه يختلف تمامًا عن عيد الأضحى المبارك في طقوسه وازدحامه – خاصة مع عملي كطبيب بيطري في مجزر فأنا أكاد لا أستمتع بعيد الأضحى لأنه عيد عمل شاق بالنسبة لي، هو عيد أهم ما فيه الزيارات العائلية والتواصل مع الأحبة الذين ربما منعنا الصيام والانشغال بالأعمال والعبادات عن زيارتهم طوال شهر رمضان خاصة حين يكون هناك ارتباطات متعلقة بالعمل أو السفر في الشهر الفضيل؛ فأول ما ننتظره من عيد الفطر هو التزاور والتلاقي، أبدأ يوم العيد بالصلاة ثم التوجه لبيت الوالد رحمه الله والتجمع مع الوالدة حفظها الله والإخوة وأزواجهم وأبنائهم واللعب مع الأطفال والغناء والضحك المستمر وتناول الوجبات المختلفة والاطمئنان على الجميع، ثم نبدأ الزيارات العائلية للأعمام والأخوال والأصدقاء، ومن أهم الطقوس معايدة كل من نلقى من الأطفال فإنها تدخل عليهم السرور بشكل كبير.

هل  تخص عيد الفطر المبارك بطقوس  خاصة أوعادات  ثابتة تكررها  مع قدومه كل عام  أم  لا ؟

هناك ما هو معتاد كما أسلفت من الزيارات، إنما من أهم الطقوس التي أحافظ عليها جلوسي على ضفة النيل وقتا بالقرب من المياه بعيدًا عن ضوضاء الكورنيش، هذا الصفاء الذي ينعكس على الروح من مناجاة النيل وليس بين الإنسان وبينه أي حاجز معدني أو حجري أو حتى بشري لدرجة أنك تشعر برذاذ الماء على وجهك أقول إن هذا الصفاء يبعث في النفس طمأنينة غريبة لهذا فأنا دائما أخلو مع النيل في الأعياد والمناسبات قليلا قبيل الغروب.

هل تقصد بعض الأماكن  للاحتفال بها في  الأعياد وخصوصًا عيد الفطر المبارك الذي نحتفل به هذه الأيام أم حيث تتواجد تقيم احتفالك  ؟

حرمتنا " كورونا " هذا العام من كثيرمن الأماكن التي كنا نحب الخروج إليها في العيد فلي أصدقاء يقطنون القرى كنا عادة ما نجلس معهم بالغيطان ونشرب الشاي المسخن على قوالح الذرة أو القهوة على الرمل مرتدين جلابيبنا الفضفاضة التي تشعرنا باتساع الكون من حولنا والبراح الأخضر الذي يأخذ أرواحنا إلى ما لا نهاية ثم يأتي المساء فنتمدد على بعض الحصر ناظرين إلى الأفق السماوي اللا محدود، تتجاذبنا الضحكات والنكات والأسمار إلى أن تظلم الدنيا تماما فنقوم إلى المقاهي ونسهر حتى صلاة الفجر ثم ننام حتى قبيل الظهر ليوم العيد التالي لكن حرمنا هذا العام من ذلك كله.

والآن بعد أن كبرنا وكوَّنا أسرنا الخاصة أحب أن أقضي العيد مع أولادي وأن أصطحبهم معي في كل زياراتي العائلية حتى يتعرفوا إلى أهليهم في فرصة ربما لا تسمح بها الأيام العادية وسط الأعمال والسفر والبروفات والانقطاع للقراءة والتأليف، لهذا فالعيد فرصة سانحة للتقرب من كل ما يمكن أن يكون بعيدًا في غير أيام العيد.

حدثنا عن  بعض الشخصيات المقربة لك التي تفتقدها وتفتقد  مشاركتها معك في الاحتفال بعيد الفطر  ،وكلما يحل عليك عيد الفطر تتذكرهم ؟

كان الاصطفاف حول أبينا وانتظاره عند الباب حين يخرج من حجرته وسلامه علينا ومعايدتنا ثم بدأ التكبير بصوته ونحن من بعده وأن نمشي حوله يمينا ويسارا إلى المسجد هو الجزء الأهم والأغلى في العيد، أفتقد هذا جدا، ربما نحاول أن نكون انعكاسًا خافتًا لأبنائنا وأن نمارس ذات الطقوس معهم، لكن هذا لا يجدي شيئًا؛ فمن ذا الذي قد يملأ عباءة الكبار بعد رحيلهم؟، نستعيض عن هذا بذكره والترحم عليه وأن نسير إلى ذات المسجد الذي كان يصلي فيه وملاقاة أصحابه وبرهم من بعده، ومن الذكريات المميزة الخاصة بعيد الفطر خروجي ووالدي فترات طويلة من المنزل ليتسنى للآخرين تناول وجبة الفسيخ فأنا ووالدي لا نتحملها ولا نحبها لذلك كان أبي يتغافل عنها ويطيل المكوث خارج البيت حتى يستطيع الآخرون تناولها وإزالة آثار الجريمة - كما كنا نقول - قبل عودته، ورش البيت بالمعطرات المختلفة لأن رائحته كانت كفيلة بإغضاب الوالد – عليه رحمة الله- جدا، وكان قد بلغ من كراهيته للفسيخ أنه لا يمر بشارع يُباع فيه أبدًا، ولو أن لنا قريبًا يسكن في هذا الشارع كان والدي يقابله في أي مكان آخر ولا يمر أمام بائع الفسيخ.

 

تبقى معنا الذكريات  المتعددة  من الطفولة حتى مراحل عمرنا المختلفة ومن بين ذلك ما يخص المناسبات والأعياد من  اللعب والمرح  مالذي تتذكره بقدوم العيد كل عام من أيام طفولتك  وطقوسك الخاصة به ؟

دائمًا ما أذكر جلوسنا في اليوم الأول في بيت جدي الكبير بعد صلاة لعيد إذ نتوجه نحن وأبناء أعمامنا إلى البيت الكبير حيث جدي رحمه الله الذي كان كبير العائلة ونسلم عليه جميعًا ثم نجلس للإفطار حلقات وحلقات حلة لجدي وأبي وأعمامي وأبناء أعمامهم، ثم حلقة لنساء العائلة، ثم حلقة لأطفالها، ثم الشاي للجميع في تظاهرة عائلية لا تخلو من الضحك الرزين احترامًا للكبار ثم الانطلاق للشارع وممارسة كل فنون الطيش الطفولي الممكن آنذاك،  ثم اليوم التالي أذكر حين كنا نصطفُ جميعًا أنا وإخوتي وأبناء خالاتي وأبناء خالي في بيت خالي الكبير وهو يُوزع علينا كل ما يمكن توزيعه البمب والحبش لمسدسات الحبش واللب والسوداني، نقف من الأكبر للأصغر في صف لنأخذ شيئًا شيئًا فإذا ما انتهى الصف نعاود الكرة من جديد لنأخذ شيئا آخر كنا قرابة الثلاثين طفلا، زحام وضوضاء ما بعدها ضوضاء لكنها روح العيد ولذته، كنا نمارس ألعابا كثيرة خاصة وأنه سواء بيت جدي أو بيت خالي كلاهما يقعان في شارع العائلة فكل بيوت الشارع عائلة واحدة لذا فكل الأطفال إخوة ولا فرق بينهم فكنا نلعب كرة القدم وألعاب أخرى اندثرت الآن كالصفر تريكو والطرطقة وما إلى ذلك.

في كثير من الأوقات  ترتبط ذكرياتنا في مختلف الأحداث بالأغنيات ماهي الأغاني  التي خلدُت بذاكرتك بهذه المناسبة ودائما تتذكرها مع قدوم كل عيد ؟

يتغير هذا الطقس من زمان لزمان فقديمًا كنا نجتمع مع الوالد رحمة الله عليه وربما تخلل لقاءنا به بعض الإنشاد الصوفي كقصيدة البردة لمؤلفها الإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري وكنا نستمع إليها عبر الكاسيت في شرائط بصوت الشيخ عبد العظيم العطواني، ربما أيضا تخلل اللقاء الاستماع لأعلام الفن الشعبي مثل أحمد برين ومحمد العجوز وعبد النبي الرنان وياسين التهامي وأمين الدشناوي وما إلى ذلك، ثم في جلساتنا الخاصة نستمع لأم كلثوم وبعض أغاني التسعينات في ذلك الوقت، أما الآن فالأمور مختلفة فلا نكاد نتعلق بأغنية حتى تطغى عليها أغنية أخرى لكنه طغيان مؤقت فلم تعد هناك أغنية خالدة في الذهن لا تحركها عن عرشها أغنية أخرى لكنها أغاني تأخذ وقتها ثم يطويها النسيان.

حدثنا عن طقوس مشهورة أو خاصة بالمصريين في عيد الفطر المبارك من مختلف البيئات  ببلادنا؟

قديمًا كان يمر بنا في ليلة الفطر المسحراتي الذي كان يمر بالشارع طوال رمضان ليأخذ هبة الفطر وكان نساء الحي يصنعن له خصيصًا جزءًا من (خبيز العيد) فكن يملأن له أجولته ببعض أنواع الخبز كالعيش الشمسي والبتاو والبسكويت والناعم والغريبة والفايش وما إلى ذلك وربما مر صباحًا يوم العيد ومن بعده بائع الملانة أو الحمص الأخضر وبائع البصل الأخضر لعلمهما أن الناس في هذا اليوم يفضلون أكل الملوحة والفسيخ والسمك كما كانت عادة الحي الذي أسكن فيه، وكان من المظاهر الغريبة مسألة رمي الشبك على نية الشاري فكان الناس يتوجهون إلى النيل مع الصائد وربما كان معهم قصعة فارغة أو أكياس ويقول الواحد منهم للصياد أرمي على نيتي فيلقي الصائد بالشبكة وما يخرج فهو لصاحب النية يزنه ويدفع ثمنه بعد أن يلقوا بالسمك الصغير إلى الماء مرة أخرى ويعود بما كان في الشبكة مهما كان نوعه ووزنه وربما إذا كان الصيد وفيرًا تقاسمه معه أحد الموجودين بصفاء النية.

سيد عبد الرازق :نعيش بزمن كورونا وقتًا أكبر للاطلاع والكتابة في الحقل المسرحي

https://back22.darelhilal.com/Media/News/2021/5/14/2021-637566094191251423-125.jpg

هل يتوافر  بثقافتنا  نصوص مسرحية أو مؤلفات أدبية  تخص الاحتفالات الدينية  مثل أعيادنا  ومناسباتنا  من بينها عيد الفطر المبارك  ؟

لا يخلو زمان أو مكان من الأحداث المتعلقة بالمناسبات الدينية والاجتماعية ولخصوصية السرد في هذه المناسبات مزاياها حيث تحافظ على الهوية وتنقل مظاهر الاحتفال الشعبي بهذه الموروثات لأجيال ربما لم تعد تعهد تلك المظاهر نظرًا لتباعدها الزمني واندثارها وطغيان التكنولوجيا وما إلى ذلك والمسرح المصري لم يخل من هذا أبدا ولا حتى المؤلفات الشعرية والنثرية على اختلافها والسينما كذلك، كلنا يذكر "الليلة الكبيرة" والمولد على سبيل المثال، كما ارتبطت العائلة المصرية من فترة طويلة بمسرحيات كانت تُعرض على التلفاز المصري مثل "العيال كبرت ومدرسة المشاغبين"، وأيضًا كانت بعض العروض المسرحية تنافس الأفلام في السينيمات في ليالي العيد وكان موسمًا جيدا للعروض.

حدثنا عن  النصوص المسرحية الجديدة التي ستقدمها قريبًا للمسرح المصري ؟

هناك نص جديد فرغت منه خلال الشهر الفضيل وهو نص (هوما) وهو مسرحية شعرية جديدة كتبت بعد عدة مسرحيات أخرى مثل مسرحية (العابر) التي حازت جائزة الشارقة، ومسرحية (البيدق الأخير) الحائزة على جائزة الأمير عبد الله الفيصل، ومسرحية (حلم قديم) والتي نفذت على مسرح النيل بجامعة أسيوط، ومسرحية (بيغاسوس) التي وصلت للقائمة النهائية بالهيئة العربية للمسرح، ونص "هومًا" أيضًا ينتمي للمسرح الشعري وهو يتناول أحداثا تاريخية ومعاصرة من خلال عدة شخصيات أبرزها الشريف الإدريسي أبو الجغرافيا العربية.

ماهي سمات  و ملامح المسرح المصري في زمن "كورونا"؟

تأثير "كورونا" كان متباينًا بين عملية التأليف والإعداد وعملية العرض، ربما أتاح وقتًا أكبر للاطلاع والكتابة والتجهيز على مستوى الورق لكافة العناصر العاملة في الحقل المسرحي، لكن من حيث العروض وتنفيذ تلك الاستعدادات على أرض الواقع للأسف كان التأثير سلبيًا ومعجزًا في بعض الأحيان، من البديهيات أنه لا مسرح بدون جمهور، فالمسرح لم يكن يومًا للجوائز وعروض اللجان، المسرح من الناس وللناس، لهذا فجل ما تم تأليفه أو الإعداد له في الفترات السابقة لم يُعرض أو عرض تحت ظروف لا تسمح بوجود الجمهور مما أخل بالرسالة الأسمى للمسرح وحرم الجمهور من الاحتكاك والتفاعل المباشر مع الخشبة، ولعل القادم يحمل الخير معه بإذن الله.

الشاعر  والمؤلف المسرحي سيد عبدالرازق هو أحد أبناء محافظة أسيوط، بصعيد مصر، وقد فاز العام الماضي  بجائزة الفيصل العالمية في المسرح الشعري بالمملكة العربية السعودية،  ويلقبه مثقفو أسيوط بشاعر البردة ذلك بعد أن حاز جائزة البردة العالمية فرع الشعر الفصحى مرتين من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو أيضًا حائز على جوائز أخرى مهمة منها جائزة الحرية للأسرى من دولة فلسطين، وجائزة وزارة الدفاع المصرية الثقافية أكثر من مرة، كما حصد دكتور / سيد عبد الرازق جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي فرع الشعر المسرحي بعام 2020

قدم الشاعر "سيد عبدالرازق" أكثر من خمسة دواوين شعر منشورة، وغيرها تحت النشر، كما سبق وكان عضوًا بمجالس إدارة أندية الأدب وبعض الكيانات الثقافية الرسمية وغير الرسمية ، وأطلق  نادي القصة بمدينة أسيوط في صعيد مصر بعام 2020، جائزة الشاعر الدكتور سيد عبدالرازق لشعر الفصحى والعامية.

Dr.Randa
Dr.Radwa