رغم الانتقادات التي وجهت لبعض المسلسلات التي تبنت العنف والبلطجة وفقدت بوصلة الوعي بطبيعة مجتمعنا، إلا أنني أستطيع أن أقول بضمير مستريح إن الدراما المصرية استردت هيبتها وسطوتها هذا العام واقتربت الأعمال الجيدة منها من نصف العدد الذي تم عرضه، نعم.. نصف ما قدمته الشاشات في رمضان كان جديرا بأن يحمل صك دراما جيدة، ومنها ما تخطي المستوى المحلي كتابة وإخراجا وتمثيلا وتصويرا وديكورا ومونتاجا واكتملت فيه جودة كل عناصر الإبداع ومعطيات الدهشة.
جاء على رأسها مسلسل الاختيار2 تأليف هاني سرحان وإخراج بيتر ميمي وبطولة كريم عبد العزيز وأحمد مكي ونخبة من النجوم، والذي اكتسح كل أرقام وأحجام المشاهدة، وألهب كل محركات البحث على جوجل لمعرفة المزيد عن حياة الشهداء والأبطال.
يليه مباشرة مسلسل هجمة مرتدة من تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد علاء الديب، الذي قدم لنا نوعا جديدا من الدراما المخابراتية اعتمد على قصص بطولية من واقع ملفات المخابرات العامة المصرية برز فيها دور المرأة جنبا إلي جنب مع الرجل، صاحبها إيقاعا رشيقا وصورة نابضة بشياكتها رغم قسوة المشاهد أحيانا وكان لأداء أحمد عز وهند صبري وهشام سليم وأحمد فؤاد سليم، دورهم في إضفاء هذه الشياكة.. ودائما كان النضج واضحا في أداء باقي الممثلين، وكان التميز واضحا في كل عناصر العمل.
وعلى نفس المستوى كان مسلسل القاهرة كابول حيث أخذنا المؤلف عبد الرحيم كمال والمخرج حسام علي بفكرهما المبدع إلى (تضفيرة) جديدة على الدراما المصرية، أنعشت عقولنا وجوارحنا وعشناها واقعا متجسدا للمنطقة العربية وعلى رأسها مصر وما فعله بها الإرهاب، ساعدنا في تصديقه الأداء المبهر لطارق لطفي والمباراة الممتعة بينه وبين خالد الصاوي وفتحي عبد الوهاب وحنان مطاوع والكبير نبيل الحلفاوي، والجميلة شيرين والمتطور نور محمود وغيرهم.
وصورة أخرى ارتقت بالمستوى والمحتوى وطرحت دراما كسرت كل التوقعات في كتابتها وإخراجها وتشخيصها، شاهدناها في (لعبة نيوتن) تأليف وإخراج تامر محسن، وبطولة منى زكي ومحمد ممدوح ومحمد فراج وسيد رجب وعائشة بن أحمد، والذي نجح في خلق شغف كبير عند الجمهور لمتابعة الأحداث المتلاحقة والمتحررة من الثوابت والنمط والمتحركة مع الطبيعة البشرية لأبطال المسلسل تبعا للفعل ورد الفعل وحسب التكوين النفسي للشخصيات .
وتحت نفس عنوان البحث عن جديد جاء المسلسلين الكوميديين (خلي بالك من زيزي) تأليف مريم نعوم وسيناريو وحوار منى الشيمي وإخراج كريم الشناوي وبطولة أمينة خليل ومحمد ممدوح و( نجيب زاهي زركش) تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج شادي الفخراني وبطولة النجم يحي الفخراني محملين برسائل تربوية لفتت الانتباه لتفاصيل وفلسفات جديدة في قيمة الأبوة والبنوة، وكيف هي قيمة عظيمة وعزيزة تستحق منا أن نعطيها الكثير من حياتنا، وأستحق المسلسلين أن ينافسا علي الأفضل رغم قوة المنافسة.
وفي الدراما الاجتماعية رأينا معني آخر للرجولة يطرحه مسلسل (ضل راجل) تأليف أحمد عبد الفتاح وإخراج أحمد صالح، وبطولة ياسر جلال ونور ونيرمين الفقي ومحمود عبد المغني ومحمد عادل والوجه الجديد رنا رئيس، فنرى رجلا لا يتخلى عن أسرته وعن ابنته رغم وجع العار من زواجها عرفيا دون علمه وحملها من شاب مستهتر من أولاد الأكابر دون وجود ما يثبت هذا الزواج، ويصر على أن يحارب هؤلاء الأكابر من أجل إثبات حق ابنته ثم يكن له معها ما يكون.
وفي تناول درامي آخر لنفس مساحة استهتار أولاد الأكابر واعتدائهم على فتاة بسيطة تتحول مشكلتها لقضية رأي عام بعد أن يتولاها محامي تعويضات كبير آمن بقضيتها، جاء مسلسل (الطاووس) تأليف كريم الدليل وإخراج رؤف عبد العزيز وبطولة جمال سليمان وسهر الصايغ والقديرة سميحه أيوب، وفي الإطار الاجتماعي المصحوب بالإثارة والتشويق جاء مسلسل (حرب أهلية) تأليف أحمد عادل وإخراج سامح عبد العزيز وبطولة يسرا وباسل خياط وأروي جودة.
أما الدراما الشعبية فقد كانت المفاجأة أن يبرز مسلسل (المداح ) تأليف أمين جمال وشريف يسري وإخراج أحمد سمير فرج بطولة حمادة هلال ونسرين طافش ويثير اهتمام الناس بشغف، وأن يحقق في حجم مشاهداته ما لم يحققه مسلسل "موسى" لمحمد رمضان، ومن إخراج محمد سلامة، بعدما تأثرت شعبية رمضان هذا العام بموت الكابتن طيار الذي تسبب في فصله من عمله، والفيديو المستفز الذي نشره حين صدر حكم لصالح الرجل قبل موته بأيام، هذا رغم التميز الواضح في كتابة ناصر عبد الرحمن وإخراج.
ورغم أننا اعتدنا على ألا تزيد قائمة الأوائل عن عشرة إلا أنني أؤكد أن هناك أعمالا مثل (بين السما والأرض) عن رواية نجيب محفوظ سيناريو إسلام حافظ وإخراج محمد جمال العدل وبطولة هاني سلامة ودرة وسوسن بدر ونخبة من النجوم، ومسلسل (ولاد ناس) تأليف وإخراج هاني كمال، وبطولة جماعية لرانيا فريد شوقي وصبري فواز ووفاء صادق وإيهاب فهمي وأحمد وفيق وبيومي فؤاد ورانيا محمود ياسين ولقاء سويدان وصفاء الطوخي وغيرهم، استحقا الدخول في دائرة الأفضل هذا العام.