الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

اليوم.. مرور 38 عامًا على رحيل أمل دنقل شاعر الرفض والنبؤة

  • 21-5-2021 | 15:50

الشاعر أمل دنقل

طباعة
  • مريانا سامي

يوافق اليوم ذكرى رحيل الشاعر الكبير أمل دنقل، و هي الذكرى الثامنية والثلاثون، على خسارة الوسط الثقافي المصري لواحد من أهم الأصوات الشعرية المتفردة، القوية، والثائرة الرافضة، أمل الذي كان مقاوم عنيد يحلم بمستقبل أفضل للناس، الضاحك حد الصخب والصامت حد الشرود والغوص، أمل دنقل الشاعر الذي تسلح بالكلمات في مواجهة الحياة وقضاياها المُعقدة.


وُلد محمد أمل فهيم محاب  دنقل هذا الأسمر الجنوبي في يوم الرابع والعشرين من شهر يونيو لعام 1980 في قرية القلعة التابعة لمركز قفط بمحافظة قنا في أقصى صعيد مصر، سماه والده أمل تيمنًا بنجاحه في الحصول على إجازة العالمية من الأزهر في نفس عام مولده. 


كان والد أمل عالمًا جليلأ ينتمي لعلماء الأزهر وكان الوحيد في قريته الذي حصل على إجازة العالمية، لم يكن هكذا فقط لكنه كان شاعرًا يكتب الشعر العمودي، مثقفًا يملك مكتبة ضخمة تضم كل أنواع الكتب، كان والده جاد الطباع صارم في أحيانًا كثيرة، عامل أمل كرجل كبير منذ طفولته وربما كان سببًا كبيرًا في أن يصبح أمل طفلًا خجولاً انطوائيًا بعض الشيء.


حين أتم أمل عامه العاشر ذاق لأول مرة مرارة الفقد حين توفي والده، وقتها ولكونه كبير أخوته أصبح رجُل البيت بحق كما عوده وعامله والده دائمًا، ذاق أمل أيضًا في طفولته مرارة الظلم والقبح حين صار الأهل والغرباء يسرقون ميراث ابيه فتسرب أرضه وأرثه، وقد ذكرت الكاتبة عبلة الرويني في هذا الصدد أن حصار الظالمين وظلم الأقربين له علمه الانتباه الشديد للناس إلى حد الفزع كما علمه أن يكره كل ظلم وقبح.


لم يكن أمل طفلًا كباقي الأطفال يلعب ويلهو لم يكن حتى يبتسم في صباه إلا نادرًا كان رجلًا جادًا رفض حتى دخول السينما لوقت طويل أو أكل الحلوى ظنًا منه أن هذا لايليق بجدية الرجال!


أنهى أمل دنقل دراسته الثانوية بعد حيرة شديدة في أختيار الشعبة التي يدرسها، فقد كان يسعى أولًا للإلتحاق بالشعبة العلمية ولكن سرعان أدرك شغفه بالآداب وشجعه دخول أصدقائه الشعبة الأدبية فألتحق بهم.


ألتحق أمل بكية الآداب لكنه انقطع عن متابعة الدراسة منذ العام الأول ليعمل موظفاً بمحكمة "قنا" وجمارك السويس والإسكندرية ثم موظفاً بمنظمة التضامن الأفرو آسيوي، لكنه كان دائم "الفرار" من الوظيفة لينصرف إلى "الشعر، فقد كان صعبًا بل يكان يكون مستحيلًا على شاعر مثل أمل أن يقضي عمره بين طيات وظيفة روتينية.


أستقر أمل في القاهرة متخذًا من مقهى" ريش"مكانه الدائم والمُفضل وأصدر أول ديوان له في عام 1969 بعنوان" البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" متأثرًا فيه بنكسة 1967 وقد عرفه المصريون والعرب من ديوانه الأول هذا على الرغم من حظر وجوده على صفحات صحف كثيرة.


في 1971 أصدر ديوانه الثاني "تعليق على ماحدث" وبعدها بثلاثة أعوام في بداية 1974  أصدر ديوانه الثالث "مقتل القمر" وتبعه بأنضج أعماله ودواوينه" العهد الأتي" والذي فيه أعاد تثوير الموروث بشكل إبداعي عظيم.


وفي عام 1975 جاءت اللحظة الحاسمة في حياة أمل دنقل، حين قابلته صحفية صغيرة لازالت في بداية تدريبها لتجري حوار معه، كانت عبلة الرويني.


تقول عبلة الرويني: كان «مقهى ريش» بداية الطريق إلى أمل دنقل، إنه الملامح والمكان والهوية الذي بدأت منه رحلة البحث عن شاعر، لا أعرف ملامح وجهه، حينما وصلت عبلة الرويني مقهى ريش ظلت لأيام تذهب صباحًا فتسأل عن أمل دنقل حتى أشفق عليها أحد العاملين بالمقهى وأخبرها أن الشاعر أمل دنقل لا يأتي إلا مساءً، كان صعبًا عليها أن تذهب وتعود لبعد مسافة سكنها الذي يقع في مصر الجديدة فتركت له رساله تطلب منه أن يهاتفها، أتصل أمل بها بالفعل ليحدد أول موعد للمقابلة الأربعاء في الثامنة مساءً بدار الأدباء، بالفعل ذهبت وتقابلا ثم ذهبا إلى مقهى ريش ولشدة توتر عبلة الرويني من المكان طلبت من أمل أن يلتقيا في مكان أخر لإجراء الحوار.


أصبح أمل دنقل وعبلة الرويني صديقين يلتقيا في عدة أوقات حتى صرحت عبلة الرويني له بحبها، كان يخشى الوقوع في حبها فيتهرب من مشاعره ووضوح مشاعرها، كان يخشى المستقبل والحياة الزوجية والحب،حتى انهزم أمام مشاعرهما وتزوجا.


وافقت عبلة الرويني على الزواج من أمل دنقل والانتقال معه من فندق إلى فندق ومن شقة إلى أخرى رافقته كزوجة وصديقة لمدة ثلاثة سنوات حتى لحظات أمل الأخيرة في هذه الدنيا.


أصيب أمل دنقل بمرض السرطان حيث لازمه لأكثر من ثلاث سنوات صارع خلالها الموت دون أن يكفّ عن حديث الشعر، ليجعل هذا الصراع "بين متكافئين: الموت والشعر" كما كتب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، فقد أنجز أمل خلال مرضه "أوراق الغرفة 8" رقم غرفته حين كان يتلقى علاجه.


وفي عام 1983 غادر أمل دنقل الدنيا بعدما أنتصر بروحه على الألم، لم يهزمه السرطان ولم يأخذ من روحه أو قوته الإبداعية أو حبه أو حتى عشق أصحابه وزوجته له، رحل أمل بعدما ترك لنا موروث من الشعر غير ملامح الفكر والقصيدة وحتى الإبداع بوجه عام.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة