الأربعاء 15 مايو 2024

هل يلتقط الفلسطينيون الإشارة المصرية؟

مقالات23-5-2021 | 13:15

طال صبرها على تجاوزهم وامتلأ قلبها دهشة من تنكرهم وحار عقلها في فهم منطقهم وتشكك صدرها في ولائهم لكنها يوما لم تزغ عينيها عن أحوالهم ولم تبخل عليهم يوما بنصح أو دعم، بل كانت تغض طرفها عن أنفاق تمتد إلى جسدها المنهك لتستقر بهم الحياة.. إنها مصر التي أخرست كل ألسنة أهل الشر الذين لا هم لهم إلا إظهارها في موقع المتخلي اللامبالي لكن الأزمة الأخيرة بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين وهي فصل من فصول متجددة لجرح مازال العالم غير راغب في إقفاله لينزف من حين لآخر .

هذه الأزمة تجلى للمصريين ولغيرهم أن مصر حين تتحرك يترقب الجميع حركتها وينصت الجميع لكلمتها، وهنا لن أدخل في جدل البحث عن مهزوم أو منتصر فلا يمكن لعاقل أن يفرح باستشهاد أكثر من 200 وإصابة 8000 آلاف إنسان بينهم نساء وأطفال، لكن الفرحة واجبة بحكمة التحرك المصري وتعامله القدير مع الأزمة الأخيرة .

وكان المشهد الأهم هو التفاف المصريين حول قيادتهم في التعامل مع أحداث غزة الدامية وابتعدنا خطوات كبيرة عن التأثر والارتباك تحت وطأة العاطفة.. نعم هناك من يدعي بطولة هنا أو هناك لكن الكل أدرك معنى الوطن وأن تتصرف وتتحدث كدولة وليس كميليشيا أو جماعة تحت الأرض لا تملك لنفسها أو أهلها ضرا ولا نفعا.

 فمصر وخطابها دائما يتحرك في دائرة الممكن وليس بساحة الأحلام أو الأماني وهذا هو الفارق الذي دأبت مصر على ترسيخه خلال الثماني سنوات الأخيرة، فباتت ولها قدر أكبر على التأثير وتحريك الأمور، ولكم أن تقارنوا بين الأزمة الأخيرة وسابقها من أزمات فقد قطعت مصر السيسي كل الطرق التي تؤدي إلى العبث بعقول ومشاعر المصريين ودفعهم إلى الطريق الخطأ أو إلى خانة التشكيك في موقف مصر من القضية، فقد بددنا آمال العبث بأن تكون سيناء وطنا بديلا لأهل فلسطين في محاولة لتصفية القضية ونسفها وضبطنا الحدود ودفع أبناء الجيش والشرطة من دمائهم الكثير لتطهير البؤر الإرهابية على أرضها، ومنعهم من استخدامها كورقة ابتزاز أو إلهاء، ونجحنا في إرسال رسالة قوية للجميع أعداء وأصدقاء أن مصر باتت دولة قوية قادرة على أن تقف صفا واحدا لتعيد إلى الأذهان التصور الحقيقي لما يجري على الأرض لتضع الجميع أمام مسئولياتهم.

وبعد أيام من العبث الذي مارسته إسرائيل على أرض غزة أعادت مصر مجددا إحياء ثوابت أرستها لحل القضية وبات أمام الجميع أنه لا حل نهائيا إلا بتطبيق ما سعت إليه مصر دائما وهو السلام الشامل القائم على العدل، وأن أي التفاف على ذلك مصيره الفشل مهما بلغت من قوة أو غطرسة.. إن التحرك المصري تجاه غزة لم يكن مجرد رغبة في تحقيق هدنة ليعيد فيها الطرفان على الأرض التقاط الأنفاس والاستعداد لجولة مقبلة، بل كان تحركا دافعا نحو التحرك بمسئولية لإرساء قناعة حقيقية بضرورة التوصل لنوع من التعايش المقبول بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفق موازين القوة والمعطيات الممكنة والمزاج الدولي المنحاز دائما لدولة الاحتلال وهذا هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه مصر.

والسؤال هنا هل ينجح العالم في الاستفادة من الدرس الأخير ليدفع بقوة نحو تغيير المعادلة على الأرض والاستعداد لتجربة تعايش حقيقي ممكن الحدوث إن انطلق على أساس متين قائم على احترام حقوق الطرفين؟.. هل يملك العالم اليوم الشجاعة المصرية التي أبرمت اتفاق سلام شيطنه البعض منا سنوات طوال؟! هل يستطيع العالم أن يستجيب لصوت العقل وأن يبعد تلك المنطقة الملتهبة عن ساحة تصفية الحساب والاستعراض الإقليمي بأن ينزع من المعادلة تلك الأطراف التي ترتزق من تأزيم الوضع وتقديمه على أنه عصي عن الحل أو الحلحلة؟.

إن مصر لم تمد أهلنا بفلسطين بقافلة إنسانية فحسب بل تشير إليهم وتمهد لهم طريقا لبناء جسر يعبرون إليه بخطوات أسرع نحو إنهاء أزماتهم وقطع الطريق على استضعافهم لتقوية صوتهم المبحوح الذي ينادي بحقه منذ عقود.

إن الهدنة التي نجحت مصر في فرضها في غزة هي الاختيار الأسمى لتغليب العقل والسعي نحو هدنة طويلة يتنفس فيها أهل فلسطين أنفاسهم لترميم وحدة صفهم ليعيدوا بناء مؤسساتهم والظهور أمام العالم من جديد كطرف جدير بالاستماع ومؤهل للتعاطي مع العالم كدولة بدلا من العيش في متهات الفصائل وأزقة المشارب وألوان الطيف السياسي التي باتت نقطة ضعف مزمنة تفسد أي محاولات للخروج من النفق المظلم.

تحية من القلب إلى مصر وقيادتها التي أعادت الأمور إلى نصابها ولم يبق لنا إلا أن ندعو الله للفلسطينيين بأن يلهمهم تجردا يعيد إليهم وحدة غابت عن صفوفهم لتتكامل الجهود وتتوحد المسارات لترسم لأهلنا بفلسطين طريقا واضح المعالم مهاب الجانب قادرا على أن يوفر لهم حدا أدني من حياة حرموا منها لسنين عدة.. وليحفظ الله مصر التي مهما تلاعب الأقزام من حولها ليحلوا محلها أو يلعبوا دورها في دفة قيادة الأمة فلا يجنون إلا العودة مرغمين إلى حجهم الطبيعي.

Dr.Radwa
Egypt Air