كتب : محمد دياب
عند افتتاح متحف أمير الشعراء "كرمة بن هانئ" قبل نحو عشرين عاما حصلت كما غيري على صورة نادرة تجمع الشاعر أحمد شوقي والزعيم سعد زغلول ومعهما شخص ثالث قيل لي وقتها من القيمين على المتحف إنه الموسيقار محمد عبد الوهاب، ورغم شكي في كونه الموسيقار الكبير، وعدم اقتناعي تماما بالأمر وقتها، إلا أن الصورة وجدت طريقها ولا تزال في عشرات المطبوعات من صحف ومجلات وكتب تؤكد أن صاحب الصورة هو موسيقار الأجيال ، حتى توصلنا أخيرا إلي اكتشاف صاحب الصورة الحقيقي الذي لم يكن أبدا عبد الوهاب.
أسباب عدة جعلتني أشك في كون صاحب الصورة هو الموسيقار محمد الوهاب، أولها أنه لم يحتفظ بنسخة منها يعلقها في صالون شقته، كما فعل مثلا مع الصورة الشهيرة التي تجمعه بأمير الشعراء أحمد شوقي والتي كتب عليها بخط أنيق "سلملي على محمد" وهي آخر جملة قالها شوقي لخادمه قبل وفاته ، ومحمد بالطبع هو محمد عبد الوهاب ، كما أن الأخير لم ينشرها في حياته في الكتب التي تحدث فيها عن مسيرة حياته ، ولو انه كان صاحب الصورة المهمة هذه والتي تجمعه بقطبين كبيرين لما تردد في ذكرها ونشرها.
ثانيها ان الشخص الثالث في الصورة يرتدي الزي الأزهري «جبة وقفطاناً وعمامة» وهو زي لم يكن مألوفا للموسيقار عبد الوهاب، خصوصا في عام 1926 وهو العام الذي التقطت فيه الصورة ، كما لم نشاهد له أي صورة منذ مرحلة الطفولة وهو يرتدى مثل هذا الزي ، فقد كان عبد الوهاب أفنديا في ملبسه منذ طفولته وحتى وفاته .
وثالثها أن عبد الوهاب حضر منتصف السبعينيات افتتاح متحف أمير الشعراء في حضور الرئيس أنور السادات ، ولو أنه شاهد هذه الصورة في منزل شوقي لما تركها وصمت.
ورابعا وهو السبب الأهم أن الموسيقار حكى بنفسه قصة التقاط الصورة التاريخية التي جمعت بين أحمد شوقي وسعد زغلول في مذكراته التي طبعتها "دار الهلال" وصدرت منتصف خمسينيات القرن الماضي تحت عنوان" محمد عبد الوهاب سيرة ذاتية" بقلم لطفى رضوان ، التقطت الصورة خلال حفل عرس علي نجل شوقي ، يحكي عبد الوهاب عن واقعة التقاط الصورة التاريخية قائلا:" في حفلة زفاف علي شوقي نجل امير الشعراء كان سعد زغلول بطبيعة الحال على رأس المدعوين كما كان المغفور له عدلي يكن بين المدعوين ، لان الفرح أقيم أيام الائتلاف الذي قام بين الوفد وحزب الاحرار الدستوريين ، ولكن سعد اعتذر مقدما عن عدم البقاء في الحفلة الي نهايتها ولكنه قبل تقديرا لواجب الصداقة بينه وبين شوقي أن يحضر للتهنئة في الساعة الخامسة بعد الظهر ثم ينصرف ، وكان الاستاذ الجديلي سكرتير سعد قد استحضر بدون علم شوقي مصورا ليلتقط صورة تجمع بين سعد وشوقي للذكرى ، لأنهما على كثرة اجتماع انهما لم يحدث قبل ذلك أن التقطت لهما صورة معا، وعندما حضر سعد استقبلناه عند الباب.. شوقي وصهره الاستاذ حامد العلايلي والاستاذ الجديلي وانا ، وبعد ان هنأ سعد شوقي والعريس وتمنى له حياة سعيدة مع عروسه، جلس الي جانب شوقي ثم التقط المصور لهما الصورة المطلوبة ، وفي اثناء انهماك المصور في العمل قال الاستاذ الجديلي: لقد اجتمع في هذه الصورة الخلودان، خلود الوطنية وخلود الشعر! ، وعندئذ ضحك سعد وهو يشير الي شوقي: لا تقل هذا إن هذا الرجل هو وحده الخلود في هذه الصورة، فبعد 50 سنة لن تجدوا أحدا يذكر اسم سعد ولكن ستجدون الي الابد من يذكر شوقي ويترنم بشعره، وأعتقد أن سعدا لم يكن مجاملا ولا دبلوماسيا في قوله هذا ، وانما كان يقوله عن اقتناع وإيمان.
انتهت شهادة عبد الوهاب عن واقعة التقاط الصورة التاريخية هذه ، ولو أنه كان الشخص الثالث في الصورة لما أغفل ذكر ذلك، وهل يعقل أن يغفل عن ذكر وجوده في صورة تجمعه بالخلودين!
تقول البيانات المسجلة بخط اليد على الصورة التاريخية ويبدو أن مصورها هو من قام بذلك ، إنها التقطت في عام 1926 وإنها بعدسة المصور الشهير بدر ، وكتب بخط صغير تحت قدم سعد زغلول «سعد زغلول باشا»، وكتب ايضا تحت قدم شوقي «أحمد شوقي بك» فيما تم تجاهل اسم الشخص الثالث في الصورة ولم يذكر اسمه!
فمن يكون إذن هذا الشخص اللغز؟ ، الجواب حصلنا عليه أخيراً من قصاصة نشرها الصديق الفنان التشكيلي والباحث الدكتور محمود زيباوي على صفحته في موقع فيس بوك ، من مجلة قديمة نشرت الصورة مصحوبة بتعليق يقول :" شوقي على حافة الاريكة مع سعد زغلول والشيخ عبد الرحمن الجديلي سكرتير سعد واقفا.
وبهذا حسم الجدل حول هوية الشخص الثالث في الصورة التي جمعت الخلودين الزعيم الوطني سعد باشا زغلول وأمير الشعراء أحمد بك شوقي .