الأربعاء 22 مايو 2024

وثيقة على المحك..

10-5-2017 | 12:00

بقلم – سناء السعيد

فجأة وبلا مقدمات خرج خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس ليعلن من الدوحة فى الأول من مايو الجارى ما سمى بوثيقة حماس الجديدة، والتى جاءت نتيجة تفاعلات داخلية وخارجية لتضع إطارا يبرز دور الحركة فى عملية النضال الفلسطينية، الوثيقة أعلنت عشية اللقاء الذى تم بين الرئيس ترامب والرئيس عباس وكأنها أرادت بذلك إظهار التغيير فى نهجها فى وقت يتم فيه بحث إحياء جهود السلام فى الشرق الأوسط من جانب إدارة ترامب.

 

ولكن لا يعتقد أن الإدارة الأمريكية سوف تغير موقفها من حماس لا سيما وأن ما تعكسه الوثيقة يظل محصورا فى الخطاب وليس الأفعال، بيد أن الوثيقة جاءت متأخرة وربما دفع بظهورها تعقيدات الموقف العربى والإقليمى والدولى، وبعد أن أوشكت القضية الفلسطينية على الضياع التام، وجاء طرحها ليستبق تشكيل الحركة لمكتبها السياسى الجديد.

الوثيقة حددت طابع الحركة وطابع الدولة التى تسعى إلى تحقيقها بوصفها الدولة الإسلامية وهو ما يعطى مفهوما دينيا للصراع، وابتعدت بذلك عن ذكر الإطار القانونى لتعبيرات المستعمر الاستيطانى والذى استمدت إسرائيل تعبيره القانونى لممارسة اضطهادها للشعب الفلسطينى من خلال منظومة قانونية أنشأتها عبر مراحل تاريخية لتقويض الهوية الوطنية للشعب الفلسطينى، وإسقاط حقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية والتاريخية؛ حيث إن دولة إسرائيل قد قامت من خلال المستعمر البريطانى الذى غير كل مؤسسات الدولة الفلسطينية ــ التى كانت تحت الانتداب البريطانى ــ إلى دولة إسرائيل واستخدم أدوات القانون الدولى لتشريعها بناء على وعد بلفور غير القانونى.

غير أن الوثيقة بتراجعها عن استعادة كامل التراب الفلسطينى جسدت هزة فى الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية والدولية، وهو ما سيكون له تداعيات على كل الواقع الفلسطينى وتراجع فى مفهوم الحركة من الصراع مع دولة الاحتلال، لقد بدت الوثيقة وكأنها مناورة أو حركة التفافية فرضتها المتغيرات فى المنطقة والتى أسقطت الدور الذى أريد للإسلام السياسى أن يلعبه، فلقد بدا مع الوثيقة الجديدة تبنى حماس لكل ما كانت ترفضه، ولربما جاء ذلك كرد فعل لوعود عربية ودولية تلقتها بأن تؤول التركة الفلسطينية كلها لها لتحل محل فتح، وقد يبدو لأول وهلة أن الوثيقة حملت تناقضا فى موقفها وذلك عندما عرضت قبولها لقيام دولة فلسطينية على حدود ٦٧ مع التمسك بعدم الاعتراف بالدولة الإسرائيلية.

أحد المعالم البارزة فى الوثيقة أنها تتضمن تغييرا فى النهج السياسى للحركة، وربما يكون الهدف من وراء ذلك أن تكون مقبولة على المستوى السياسى لدى قوى دولية وإقليمية. كما أنها جاءت كمحاولة لإدخال تعديلات على مبادئ وسياسات الحركة فى محاولة للخروج من النزاعات التى ورطت الحركة مع دول الجوار العربى لا سيما سوريا ومصر، وظهر هذا بجلاء عندما نأت الحركة بنفسها عن جماعة الإخوان وأسقطت ما ورد بميثاقها القديم بشأن اعتبارها فرعا لتنظيم الإخوان فى أرض فلسطين، لا سيما فى ضوء التطورات الحادثة والمساعى الجارية لإدراج الإخوان كجماعة إرهابية فى القائمة الأمريكية، أكدت الوثيقة حق العودة لجميع الفلسطينيين ورفضت جميع المشروعات الهادفة لتصفية قضية اللاجئين بما فيها التوطين خارج الأراضى الفلسطينية، وترفض الوثيقة الاعتراف بدولة إسرائيل وبعمليات السلام بدءا من أوسلو حتى اليوم.

جاءت الوثيقة نتيجة ضغوط إقليمية ودولية على الحركة التى تصنف من قبل عدة دول غربية على أنها إرهابية، وتربط ذلك بعدم نبذ الحركة للعنف وعدم اعترافها بحق إسرائيل فى الوجود، ولهذا رأت إسرائيل فيها مناورة للعلاقات العامة وخطوة لتضليل العالم، ومن ثم لا يتوقع أى تغيير فى مواقف القوى الدولية تجاه حماس بعد هذه الوثيقة، أى أن تحرك حماس اليوم لتغيير نهجها لن يؤدى إلى أى تغيير فى مواقف دول غربية تجاهها خاصة أمريكا.

لقد بدت الوثيقة مشكوكا فيها لا سيما أنها صدرت من الدوحة وليس من غزة وهو أمر كفيل بأن يثير الريبة، كما أنها بدت مجرد محفل كلامى لا قيمة له ما لم تصاحبه أفعال على أرض الواقع، بات من الأهمية بمكان اليوم أن تسعى حماس إلى لم الشمل الفلسطينى وإلى الإعلان عن حكومة وطنية بعد أن تسببت بممارساتها فى عزل غزة كلية والتعامل معها وكأنها دويلة تابعة لها، وهو ما أتاح لإسرائيل قضم المزيد من أراضى الضفة.

يتعين على حماس أن تتخلى عن الشعارات الأيديولوجية، وأن تنزل إلى أرض الواقع وأن تتمسك بالغطاء العربى الذى يملك رؤية واضحة لتسوية القضية الفلسطينية، والمهم الآن أن تلتزم حماس ببنود الوثيقة الجديدة ويتصدرها إنهاء الانقسام الجغرافى والسياسى فى الأراضى الفلسطينية، وأن تتعاطى بإيجابية مع مبادرة السلام العربية لإعادة الاعتبار للعمل القومى والاستفادة من العمق الاستراتيجى العربى لدعم المطالب العادلة للفلسطينيين ليكون هذا نقطة انطلاق نحو استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى تمكنه من إقامة دولته المستقلة القادرة على البقاء وعاصمتها القدس الشرقية، ما يهم أن تكون هذه الوثيقة خطوة على الطريق نحو توحيد الصف الفلسطينى وإنهاء حالة الانقسام السياسى لا سيما وسط ما تموج به المنطقة من تطورات ومتغيرات تستدعى بدورها الواقعية فى التعامل الفلسطينى الداخلى من جميع الأطراف لتتناغم مع التطورات المصيرية التى تواجه القضية الفلسطينية شعبا وأرضا ومستقبلا.....