الأربعاء 19 يونيو 2024

الرئيس.. وثروات مصر التعدينية

10-5-2017 | 13:15

بقلم – د. صفوت حاتم

تابعت بتركيز حوارات الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الشباب المصرى فى الإسماعيلية..

وهى حوارات تلفت الانتباه للوعى المتميز للشباب المصرى بمشكلات وطنهم «مصر».. ومشكلات الأقاليم التى أتوا منها وينتمون لها..

وأثمن بشدة صبر الرئيس السيسى على الانتقادات والملاحظات التى قدمها الشباب.. رغم عزوفه.. أحيانا.. عن الاستطراد فى الكلام عن بعض المشاريع.. ربما.. حفاظًا على الأمن القومى المصرى.

من الملاحظات التى أثارت انتباهى كلام الرئيس عن الثروة التعدينية المحجرية وعدم نجاح الدولة فى تحصيل العوائد المتوقعة منها.. والمقدرة سنويا بحوالى ١٧ مليار جنيه.. وأن ما يتم تحصيله فعليا يقدر بمليار جنيه فقط!!

والحقيقة أن الرئيس لم يستطرد فى أسباب عدم النجاح فى السيطرة على مواردنا من الثروة التعدينية..

وهنا أود التركيز قليلا على موضوع الثروة المعدنية.. فهو موضوع مهم وشائك..

فقد نشرت منذ ثلاث سنوات.. مع بدء الفترة الرئاسية للرئيس عبد الفتاح السيسى.. مقالا فى مجلة «المصور» عن تجربة الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» للخروج من حالة الانهيار العام، الذى وصلت له روسيا فى نهاية حكم سلفه «بوريس يلتسين».. 
وكان من ضمن ما قلت فى هذا المقال الآتى: «الأمر الغريب, والمدهش فى الوقت ذاته, أن بوتين لم يلجأ خلال سنواته الأولى فى الحكم إلى أى تأميمات للقطاعات الاقتصادية التى تم خصخصتها, ِبالفساد, خلال حكم «يلتسين».. بل لم يقترب من رجال الأعمال، الذين خلقتهم مرحلة التحول الرأسمالى المتوحشة خلال حقبة التسعينيات.. بالمقابل كان حازما وحاسما فى مواجهة رجال الأعمال الذين ارتبطوا بمنظمات الجريمة «المافيا» أو أولئك الذين كان لديهم طموحات سياسية قوية أو معارضة لتوجهاته ولسياسته ( !! ).

لقد كان عام ٢٠٠٣ هو نقطة التحول الحقيقية فى مشروع بوتين, ففى هذا العام تحديدا , صرح بوتين للمقربين منه أنه لا يمكن أن يترك ثروة روسيا من الغاز والبترول والمعادن فى يد رجال الأعمال والشركات الخاصة التى حصدت بفضل الفساد والرشوة على المليارات خلال حقبة يلتسين. وقد بدأ بوتين مشروعه لإنهاض روسيا بو ضع يد الدولة على ثرواتها المعدنية. ثم قرر أن يولى وجهه تجاه دول وأسواق أخرى مناسبة لبيع الغاز والبترول الروسى، لا سيما الصين والهند ودول العالم الإسلامى على حساب السوق العالمى مع أمريكا وأوربا ودول حلف الأطلسى.

لقد بدا واضحا أن بوتين قد أدار ظهره لطبقة رجال الأعمال من الرأسماليين الروس بمصالحهم المركبة والمعقدة والملتبسة مع الشركات العالمية متعددة الجنسيات أو بعلاقاتهم الغامضة بأجهزة المخابرات العالمية.

وهذا يعود بنا لما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى عن الثروة التعدينية وأن الحكومة لم تنجح فى السيطرة على ثرواتنا التعدينية.. خصوصا ثرواتنا المحجرية بسبب الوضع القانونى المعقد والخاص باستخراج واستغلال ثرواتنا المحجرية والمنجمية.

وللأسف لم يُتح للرئيس الإفاضة فى شرح أسباب عدم النجاح الذى صادف الحكومة فى استغلال ثروتنا التعدينية.. رغم مرور ثلاث سنوات على برنامج الرئيس للإصلاح الاقتصادى والسياسى والتشريعى واﻹدارى.

وهو ما يحتاج منا هنا إلى بعض. فقد يكون الحل السريع وزيادة موارد الدولة فى السيطرة على على ثروتنا المعدنية.. وقد تكون هى القاطرة الحقيقية للتنمية فى هذه الفترة لأنها مازالت بكرًا ولم يتم استغلالها بشكل كامل ولا بطريقة جيدة.

مقدمة لابد منها: 

الثروة المعدنية هى القاطرة الحقيقية للتنمية، ومتوسط ما تشارك به الثروة المعدنية فى الناتج القومى للدول العربية يتراوح من ١٨٪ إلى ٢٢٪ 
بينما فى مصر كل ما تشارك به هو ٠.٩٪ أى أقل من ١٪ بالرغم من وجود تنوع كبير ووافر من معادن وخامات وأحجار زينة وعناصر نادرة وشحيحة، تحتوى مصر على ١٢٠ موقعًا للذهب، وأكثر من مليار طن من الرمال البيضاء تدخل فى صناعة الزجاج وأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية.

هذه الرمال البيضاء تكفى العالم كله دون أن تقوم أى دولة فى العالم بالإنتاج لمدة ٣٠ سنة، ويوجد خام الحديد باحتياطى محتمل حوالى مليار ونصف مليار طن، والفوسفات باحتياطى محتمل حوالى ٢ مليار طن، وكذلك الإلمنيت باحتياطى مؤكد ٤٣ مليون طن، ويستخدم فى صناعات استراتيجية مهمة مثل صناعة هياكل الطائرات وصناعة سبائك الصلب، وكذلك النيوبيوم والتنتالم باحتياطى مؤكد حوالى ١٣١ مليون طن ويمثل ثلث الاحتياطى العالمى، ويستخدمان فى صناعات استراتيجية مهمة مثل أجزاء من مركبات الفضاء، والأقمار الاصطناعية، وهياكل الصواريخ، وآلات الدفع والاحتراق بها، هذا بالإضافة إلى العديد من الخامات الأخرى.

معوقات استغلال الثروة المعدنية

يعتبر القانون رقم (٨٦) لعام ١٩٥٦ الخاص بالمناجم والمحاجر هو القانون الذى لا يزال معمولا به حتى اليوم، وهو ما أدى إلى عجزه عن تنمية قطاع الثروة المعدنية، فالمتأمل لهذا القانون، يكتشف.. فورا.. أنه قد صدر فى ظل اتجاه الدولة بالكامل إلى الملكية العامة وتعظيم قيمة شركات القطاع العام، وعدم وجود أى أثر للقطاع الخاص، مما أعطى للشركات العاملة فى قطاع المناجم والمحاجر مزايا قانونية، مثل عدم وجود إتاوات أو أى نصيب للخزانة العامة من إنتاج خامات المناجم مثل الحديد والفوسفات وغيرهما.
إن الثروات المعدنية تعتبر من أموال الدولة بنص المادة الثانية من القانون ٨٦ لعام ١٩٥٦، قانون المناجم والمحاجر، وأموال الدولة لا تؤول إلى جهة أخرى غير خزانه الدولة.

وقد أدى هذا القانون.. وما تبعه من قوانين.. إلى إشكاليات عديدة تمنع الدولة من استغلال إمكاناتها التعدينية.. ويحددها الخبراء والاقتصاديون كالآتى: 

١- تقوم المحافظات بالترخيص باستغلال المحاجر بالمخالفة للقانون اعتمادًا على قرار نائب رئيس الجمهورية للخدمات رقم ٣٥٤ بتاريخ ٢٧ يونيه سنة ١٩٦٢.

٢- تحدد الإيجارات الخاصة بهذه المحاجر وقيمتها بمعرفة لجنة تحديد الإيجارات بهيئة المساحة الجيولوجية بالقاهرة. وتذهب هذه الإيجارات إلى صناديق خاصة بالمحافظات، بعيدا عن رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات حيث يتم توزيع الكثير منها قى صورة مكافآت لقيادات المحافظات.

وقد رصدت اللجنة الوطنية لحماية الثروة المعدنية بالأرقام الفعلية حقيقة دخل الدولة من صافى أموال قطاع التعدين فى عدة قطاعات مثل الخامات المحجرية ورسوم المرور، حيث بلغ صافى إيراد المحليات ٧ مليارات وما يذهب منها فعليا لخزنينة الدولة هو ١٩٠٥٣٢ جنيهًا

٣ - وقد أدى كل ذلك إلى اختلاف المفاهيم فى التطبيق بين محافظة وأخرى، إلى العشوائية والتضارب والإخلال فى استغلال الثروة المعدنية،
وسيطرة غير المختصين على هذه الصناعة الرئيسية والتداخل بين الأجهزة والتنازع بينها فى بعض الأحيان.

٤ - يوجد تداخل بين المناجم والمحاجر فى بعض المواقع، فمثلا هناك تداخل بين خام أكسيد الحديد (مادة منجمية) والطفلة (مادة محجرية) المستخدمة فى صناعة السيراميك بمحافظة أسوان، مما يؤدى إلى حدوث المشكلات والمعوقات فى تراخيص المناجم والمحاجر معًا.

٥- لذلك يجب أن تكون تراخيص المناجم والمحاجر والملاحات من جهة واحدة فقط تكون هى المُنظِمة والمخططة لكل ثرواتنا المعدنية. 
إن أيلولة الإيرادات السيادية إلى جهة ما لا بد أن تكون بأداة دستورية من خلال السلطات التشريعية وليس غيرها.. (د. عبد الخالق فاروق، اليوم الجديد،١١/٤/٢٠١٧)

ويؤكد الخبير الوطنى وأستاذ الجيولوجيا الدكتور «يحيى القزاز» أن تعديل القانون ٨٦ لسنة ١٩٥٦ وتعديلاته اللاحقة سيدر على الدولة..فورًا.. دخلًا سنويًا قدره ٢٤ مليار جنيه بدلا من المبلغ الضئيل الذى يذهب إلى الصناديق الخاصة بالمحليات.

إن أزمة مصر الراهنة تحتاج ارادة سياسية ماضية, لا تعرف التردد أو التهاون.

وتحتاج لسياسات عاجلة و«طارئة» لا تقبل التأجيل أو المراوحة لتطبيق القانون على كل مخالف. وستحصل الدولة والشعب على حقهما من كل مُتعدً ومخالف وفاسد. ودون حاجة للاستدانة من الخارج أو اللجوء لتأميمات أو مصادرات عشوائية.

فقط بتعديل هيكل القوانين التى تسمح بالاستغلال.

وللحديث بقية الأسبوع القادم عن الهيكل المصرفى وتنمية الصناعة الوطنية.