الخميس 2 مايو 2024

أفكار دمرت العالم (2)

مقالات25-5-2021 | 12:52

الشيوعية

الشيوعية؛ اصطلاح يراه البعض سياسي، أيدلوجي، فلسفي، أخلاقي، ثوري، تآمري.. إلخ؛ لذلك كان خلال القرن العشرون المصطلح الأكثر تداولًا في مانشيتات الصحف، وعناوين الكتب، الأبحاث الفكرية والسياسية، وأما حواشيه وملاباساته فكانت الملهمة حتى الآن لفنون الروايات والقصة والشعر، وأفلام السينما.

 راج المصطلح في العالم لأنه بخلاف الفكرة الإنسانية البراقة التي تقف وراء الشيوعية نظريًا، أنه ارتبط سياسيًا بقوة عظمي وهي بالاتحاد السوفيتي (1917- 1991) بعدما اعتنق زعماؤه الفكر الشيوعي وأقاموًا عليه نظامهم السياسي ، وثورتهم التي أطاحت بالنظام القيصري في روسيا .

ومن خلاله - الاتحاد السوفيتي - ظلت أطياف الشيوعية ما لا يقل عن نصف الكوكب، لفترة تزيد عن سبعين عامًا من الهيمنة السياسية والفكرية وكذلك العسكرية المسماة بالكتلة الشرقية، تصارع نظيرتها الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بفكرها الرأسمالي ومبدأ الاقتصاد الحر، فيما عرف بالحرب الباردة ؛ صراع أيديلوجي بين الرأسمالية وبين الشيوعية، حلبة مصارعة يتصارع فيها عملاقان كبيران والعالم يقف يتفرج عليهما ليري من المنتصر، إلي أن سدّدّ الأمريكيون لكمة النهاية إلي المارد السوفيتي الذي كان يترنح قبلها بعقدين، لنري نهاية دراماتيكية تمثلت في تراجيديا هدم حائط برلين عام 1989 كنهاية رمزية ميلودرامية معبرة عن موت الاتحاد السوفيتي ومعه الشيوعية ودفنهما سويًا في قبر واحد .

 نقطة النهاية يجب أن ترتد بنا إلي البداية، الشيوعية فكرة فلسفية قديمة أرجعها البعض إلي فلاسفة اليونان، تدعو إلي إلغاء الملكية الفردية بشكل مطلق وتطبيق نظام الملكية الجماعية لجميع أفراد المجتمع لكل وسائل ومشاعية مقدرات الإنتاج . ارتبطت هذه الفكرة بشكل أساسي بالفيلسوف الألماني "كارل ماركس" الذي بدأ هذه الثورة الفكرية بكتيب "البيان الشيوعي" الصادر عام 1848، وأعقبه بكتابه رأس المال الذي وضع فيه أسس نظرية اقتصادية ثورية تفسر التاريخ من منطق الطبقات الاجتماعية وأطلق عليها اسم علمي "المادية الجدلية" واصطلاح سياسي "الماركسية" نسبة إلي "ماركس".

 ظل نضال الماركسيين ضد أنظمة أوربا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر مستعرًا، حتي قام فلاديمير لينين بثورة أكتوبر في روسيا عام 1917 م وتمكن من خلالها أن يدعم الماركسيين في كل العالم، وقام بدمج النظرية الماركسية في قالب العمل الحزبي والتكنيك السياسي الذي لم يكن ماركس قد وضع تصورا حقيقيًا عنه في مؤلفاته ليقيم دولة السوفيتيات ويكتمل الكومنترون أو اتحاد الجمهوريات السوفيتيتة عام 1921، ومن هنا أطلق علي تصورات "لينين" اصطلاح "الماركسية اللينينية" أو الشيوعية، التي اعتمدت في سبيل نشر مبادئها وأفكارها بقوة السلاح والعنف والاحتلال، وبلغ الذروة إبان الحرب العالمية الثانية .

 تتعارض الشيوعية مع طبيعة البشر في رغبة العمل الفردي وتحقيق الذات، يختفي الحافز الفردي للعمل تحت مظلة الشيوعية، فيترهل النظام الإداري والسياسي للدولة ويكون مدعاة لانتشار الفساد، "ديكتاتورية البروليتاريا" مبدأ أساسي في حكم السوفيت، يقصي كافة طبقات الشعب إلا من العمال وحدهم ليكونوًا حكامًا متسلطين بلا حساب أو رادع، فكانت النتيجة المنطقية لتلك الأفكار التي تم تأويلها من مثاليتها النظرية بعد عبادتها إلي مبادئ تتعارض مع الطبيعة والفطرة الإنسانية، وفي خلال سبعين عامًا هي عمر الاتحاد السوفيتي خيّم الضباب الأحمر علي العالم وخلق حالة من العدائية والاستقطاب في نسيج الشعب الواحد فأينما وُجدت الشيوعية اندلعت الحرب الأهلية: روسيا، الصين، إسبانيا، السودان، اليمن.. إلخ .

فكرة الحقد الطبقي التي يقوم عليها الفكر الشيوعي كانت مثارًا للسخرية بعدما وقف الروس في طوابير طويلة أمام مطعم "مادكونادلز" الأمريكي الذي تم افتتاحه في موسكو كبادرة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي .

Dr.Randa
Dr.Radwa