ملامح وجه دقيق القسمات تمتزج فيه البراءة بالطيبة، جمال هادئ وعينين واسعتين، ما أن تطل على الشاشة حتى تشعر بالراحة وتنتابك طاقة من البهجة والأمل هي الاستثنائية المدهشة، هي الفتاة الرقيقة الحالمة في "صراع في الوادي"، و"نوال" الزوجة التي تعيش بدون حب في "نهر الحب"، وهي "منى" الأم التي وهبت حياتها لتربية أبنائها بعد وفاة زوجها في"إمبراطورية ميم"، والصعيدية "آمنة" التي تريد الثأر لشقيقتها "هنادي" من مهندس الري، هي "ضمير أبلة حكمت" هي صاحبة كل الأدوار والاسم الأكثر بريقا والأبرز في السينما المصرية، إنها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.
ولدت فاتن حمامة في 27 مايو عام 1931، في المنصورة، لأب موظفًا بوزارة التعليم، بدت موهبتها تلوح في الأفق منذ نعومة أظافرها، تمسك بيد والدها وهي طفلة وتذهب معه إلى السينما، وفي إحدى المرات شاهدت الجمهور يصفق للمنتجة آسيا داغر في سينما المنصورة، فأغمضت عينها ومالت برأسها قليلا إلي الخلف، وتخيلت نفسها فنانة مشهورة يشار لها بالبنان تلاحقها عدسات المصورين، ويتصارع عليها الصحفيون أملا في إجراء حوار معها، بينما تعتذر لهم بشياكة بسبب ضيق الوقت، لم تفق من دهشتها إلا عند كتابة النهاية على تتر الفيلم.
يجلس والدها كعادته يقرأ ما تقوله الصحف، تقع عيناه على إعلان عن مسابقة جمال للأطفال، يرسل والدها صورتها إلى المسابقة التي فازت بها، في الوقت الذي يبحث فيه المخرج محمد كريم عن طفلة تقوم بالتمثيل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، قام والدها بإرسال صورتين له ليقع اختيار "كريم" عليها وكأنه عثر على جوهرة نادرة الوجود ويوقع مع والدها عقد فيلم "يوم سعيد" 1940، في مكتب فيلم عبد الوهاب في شارع الموسكي، وكان عمرها 7 سنوات، ولكن كل الشواهد كانت تقول أنها على موعد مع الشهرة.
بعد مرور 4 سنوات على فيلم "يوم سعيد" وقفت "فاتن" أمام محمد عبد الوهاب في فيلم "رصاصة في القلب" 1944، وبعده بعامين في فيلم "دنيا"، وفي نفس العام جسدت دور ابنة يوسف وهبي في "ملاك الرحمة"، وتوالت أعمالها في عدة أفلام "اليتيمتين، ست البيت، بابا أمين، كرسي الاعتراف".
تزوجت فاتن حمامة من المخرج عز الدين ذو الفقار في العام 1947، وقاما بتأسيس شركة إنتاج سينمائية كان أول إنتاجها فيلم "موعد مع الحياة" في عام 1954، وبعدها لقبها النقاد بـ"سيدة الشاشة العربية"، في نفس العام كان لقاؤها الأول مع عمر الشريف في فيلم "صراع في الوادي" للمخرج يوسف شاهين.
وبعده انفصلت عن زوجها عز الدين ذو الفقار بعد زيجة استمرت 7 سنوات، وأنجبت من "ذو الفقار" ابنتها "نادية".
أحب عمر الشريف فاتن حمامة من كل قلبه، لم يكن طريق الحب مفروشا أمامه بالورود، وكانت أولى العقبات أمام "ميشيل شلهوب" أن يقوم بإشهار إسلامه لكي يتزوج من فاتن حمامة، وأشهر إسلامه في يوم عقد القران في 1955، وكان حفل الزفاف بسيطًا إذ أقيم في منزل والدها.
وتوالت أعمالهما الفنية مع عمر الشريف في أجمل أفلام السينما " أيامنا الحلوة"، و"صراع في المينا" 1956 للمخرج يوسف شاهين، "لا أنام" للمخرج صلاح أبو سيف، "أرض السلام" 1957، و"سيدة القصر" 1958 للمخرج كمال الشيخ، وكان آخر أفلامهما "نهر الحب" 1960.
براعة امتلكتها فاتن حمامة في تجسيد شخصياتها تتنقل بين الأدوار بخفة، وتقدم أكثرها صعوبة، وتميزت في التنوع فتجدها ابنة الطبقة المتوسطة في "لا وقت للحب" 1958 و"سيدة القصر" وهي الفتاة شديدة الفقر في "الحرام" و"دعاء الكروان" والفتاة التي تنتمي إلي عائلة ثرية في "صراع في الوادي" هي ابنة كل الطبقات بكل حالتها.
كان التنوع هو سمة أفلام "حمامة" التي تنتقيها بعناية شديدة في فيلم "نهر الحب" 1960، قدمت دور الزوجة " نوال" الفتاة البسيطة التي تضطرها الظروف للزواج من "طاهر باشا" لتنقذ أخيها المحامي الشاب "ممدوح"، من السجن بعد أن أختلس مبلغا من العهدة المُوكَلة له؛ وتعيش مع "الباشا" دون حب.
كانت في كل أفلامها تؤمن بقوة دور المرأة في المجتمع فتجدها "منى" الأم المسؤولة عن أسرتها بعد وفاة زوجها، وتعكف على تربية 6 أبناء بجانب عملها في فيلم "إمبراطورية ميم" 1972.
كانت أفلامها مؤثرة تلقى صدى وتناقش قضايا مسكوت عنها، في فيلم "أريد حلا" 1975، وساهمت به في تغيير قانون الأحوال الشخصية.
وهي "عائشة محمد المناديلي" الأرملة التي توفي زوجها وترك لها خمسة أبناء، في فيلم"يوم حلو يوم مر"، وغيرها من الأفلام أبرزها" الخيط الرفيع، أفواه وأرانب، ولا عزاء للسيدات، حكاية وراء كل باب".
لم يكن للتلفزيون نصيبا من فن وحضور وتألق فاتن حمامة، في التسعينات قدمت شخصية "حكمت" ناظرة مدرسة البنات في مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، وبعد مشوار فني طويل ختمت مسيرتها بمسلسل "وجه القمر" الذي طل علينا ولم يختفي نوره بعد.
خلال مشوارها الفني نالت العديد من الجوائز منها الجائزة الخاصة من مهرجان ظهران السينمائي الدولي، والجائزة الخاصة من مهرجان موسكو السينمائي الدولي عن فيلم "إمبراطورية ميم"، وحصلت على وسام الإبداع من الدرجة الأولى من رئيس الوزراء اللبناني عام 1953، ومنحها الرئيس أنور السادات وسام العظمة عام 1976، ولها ثمانية أفلام ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري.
بعد مشوار فني طويل تجاوز الـ 100 فيلم، رحلت فاتن حمامة "أبلة حكمت" ضمير الفن وتاريخه، في 17 يناير 2015، عن عمر ناهز 83 عاما، وتركت خلفها اسما خلّد كواحدة من أهم وأبرز الفنانين في تاريخ السينما، وما زال "نهر حب" فاتن يجري.