السبت 11 مايو 2024

"يوم مر.. يوم حلو".. أعظم تمثيل لـ فاتن حمامة بشهادة مصطفى أمين (صور)

فاتن حمامة ومصطفى أمين

فن27-5-2021 | 23:55

ولاء جمال

كتب الكاتب الكبير مصطفى أمين: "هذا هو أعظم فيلم مثلته فاتن حمامة هذه قصة الفقراء فى مصر.. يشقون ويبتسمون! أخيراً شاهدت فيلم فاتن حمامة "يوم مر.. يوم حلو" أمضيت ساعتين أبكى، كنت أعيش فى قصة حقيقية واقعية. أم وحيدة تحاول أن تربى أطفالها الخمسة اليتامى. كانت تحاول أن تحول هذه الأنقاض إلى عمارات وكان الفقر قد أعلن عليها الحرب بعد أن مات زوجها وتركها وحدها تكافح فى الحياة وتطعم ستة أفواه جائعة. كانت "فاتن" فى هذا الفيلم أماً حقيقية. لم تكن تمثل لحظة واحدة، شعرت كأنها نومتنى تنويماً مغناطسيا فلم أعد أرى أمامى إلا تلك الأسرة الشقية الحزينة.. هذا البؤس الذى يقطع القلوب. الأم التى بنت بيتا من ورق الكوتشينة، وهى تحاول بيدها الصغيرتين أن تحميه من العواصف والأعاصير.

وما أكثر ما فى الحياة من عواصف وأعاصير فى بيوت المساكين! بيت لا يأكل اللحم إلا مرة فى الشهر.. أم تبيع المرتبة لتطعم أولادها وتنام معهم على الأرض.. تمضى اليوم كله منكبة على ماكينة الخياطة تصنع فساتين بنات الحارة وسيداتها ولا يستطيع أجرها كخياطة أن يكفيهم للطعام وتستدين، ولا تتمكن من تسديد ديونها بالنقود، فبعض المرابين يريد أكثر من النقود! وتحاول هذه الأم المسكينة أن تحمى بناتها من الوحوش الضارية التى تتربص بالفتيات المسكينات. استطاعت فاتن أن تجعلنى أبكى معها وأضحك معها، وإن كانت ضحكاتى ممزوجة بالأنين كنت أسمع زفراتها وهى صامتة وأسمع صراخها وهى خرساء وأرى تعاستها وهى تبتسم، وفى رأيى أن هذا هو أعظم فيلم مثلته فاتن، وأنه سوف يحصل على الجوائز الأولى فى أى مسابقة عالمية، المخرج الشاب خيرى بشارة والمؤلف فايز غالى اللذين أخرجا وألفا هذا الفيلم عاشا فى شبرا فى أفقر أحيائها وشربا هذه الحياة المليئة المرارة والحرمان، ولم تكن فاتن تمثل وحدها، جعلت كل ولد صغير وكل بنت صغيرة يمثلون دورهم كأحسن الممثلين المحترفين فى هوليوود، كانت تستطيع أن تسرق الفيلم لنفسها وحدها ولكنها وزعت الضوء، فكان كل من يمثل فى الفيلم بطلا لا يمكن أن ننساه..

لا استطيع أن أنسى منظر فاتن وهى تملى على ابنها خطابا إلى زوجها المتوفى تعاتبه أنه تركها لتحمل على كتفيها عبء ومسئولية وإطعام كل هؤلاء الأطفال.. ولا منظرها وهى تلتقى بطفلها الذى هرب وعاد إليها بعد غياب طويل ومعه قطعة من اللحم ليأكلها أولادها فى العيد الكبير.. ولا أنسى منظرها عندما أحرقت ابنتها نفسها بعد أن يئست من الحياة، فى كل هذا الشقاء كانت فاتن تبكى بلا دموع وتصرخ بلا صوت، وتلطم وجهها بغير أن تحرك يديها! الكلام قليل والتمثيل كثير والآهات مكتومة وكأنها الخناجر فى القلوب.. هذه قصة الفقراء فى مصر.. يشقون ويبتسمون".

كان هذا رأى الكاتب مصطفى أمين، والحقيقة أن فاتن حمامة فى هذا الفيلم كان لها سر خاص فى شخصيتها الفنية والإنسانية تلحظها فى تعاملها مع المخرج الجديد وقتها خيرى بشارة، الذى تحمست للعمل معه كما قدمت جيلا من الشباب فى السينما الواقعية الجديدة، كالفنانة سيمون التى تحكى كيف كانت فاتن حمامة محتضنة لهم كأم حنون تحوط بشكل عاقل فى الإسلوب، كما لاحظت فى صور كواليس هذا الفيلم بالذات نظرة وطريقة معاملة أول مرة أراها فى عينى فاتن، كما أننى لا أعلم لماذا أنا مشدودة جدا ومعجبة بنظرة تلك البنت الصغيرة التى تقف تنظر لفاتن حمامة من الخلف فى كواليس فيلم "يوم مر.. يوم حلو" ولماذا دائما أترك كل الأشياء الكبيرة وتشدنى هذه التفاصيل، يمكن لأننى لأول مرة أرى فاتن فى هذا الإطار المختلف عن الذى كانت تحيط به نفسها، فنظرة البنت الصغيرة بها إعجاب برئ بعيدا عن النجومية الكبيرة لفاتن، إذ تشعر أن البنت أحبت هذه السيدة التى بالتأكيد لم ترها من قبل هذه اللحظة التى تدخل فيها هذه السيدة حى شبرا، ولا تعرف أنها الفنانة الكبيرة فاتن حمامة.

وترى على الجانب الآخر "فاتن" تداعب بنتاً أخرى وتضحك لها ببراءة وتصافحها، لا أعلم تحديداً سر انجذابى لتلك الصور بالذات ولكن يمكن لأننى للمرة الأولى أشاهد فاتن حمامة بسيطة وقريبة وليست بعيدة هذا البعد العالى الذى أرادته لنفسها طوال حياتها الإنسانية، وكأن نظرة هذه البنت تفصح لى عن سر خاص معين فى شخصية فاتن الإنسانية، فاتن حمامة نفسها تعشق هذا الفيلم وتعتبره آخر أفلامها رغم أنها قدمت بعده فيلم "أرض الأحلام"، لكنها قالت نصا: "أنا بدأت حياتى الفنية بفيلم يوم سعيد واختتمتها بفيلم يوم مر.. ويوم حلو"، كما أكد ذلك المؤرخ الفنى محمد شوقى، الذي لا يفوتنى أن أكتب عن موقف أعتبره كبيرا فى حياتها إذ إن فى حياة الفنانين الكبار مواقف إنسانية كبيرة هى ما جعلتهم يحتلون هذه المكانة الراقية فى قلوب الجماهير، فالفنان الكبير تأتى مواقفه فى الحياة على المستوى نفسه ولا يتعالى على مكان أو جار أو صديق.

فى هذه القصة الإنسانية التى تُظهر جانباً من حياة فاتن حمامة يظهر لنا مدى تواضعها ومراكمتها لخبرات الحياة وعدم استغلالها لنجوميتها أو علاقاتها بطبقات المجتمع العليا للإضرار بشركة تعاملت معها فى عقار للسكن، إذ إن فاتن حمامة كانت تسكن فى عمارة الليبون فى الزمالك (أضخم وأشهر عمارات مصر على النيل) بإيجار 40 جنيها فى الشهر، ذلك أن الكبيرة فاتن حمامة تعاملت مع المكان على أنه الرحم الذى شهد لحظاتها الإنسانية الجميلة، ومما لا يعلمه الكثير أن فى هذه الشقة صورت أفلاما كثيرة وشهيرة؛ منها على سبيل المثال "الخيط الرفيع".

وحين جرت وقائع المشكلة تعاملت "فاتن" مع شركة الشرق للتأمين (مالكة عمارة الليبون) من منطق أن بيننا عشرة وليس بيننا مجرد مكان، والمشكلة أنه كان قد حدث عطبا فى خزانات المياه على سطح العمارة، وكانت هى تسكن فى الطابق الأخير فامتدت المياه إلى شقة فاتن حمامة وأتلفتها، ولم ينصف الجيران أو حارس العقار فاتن حمامة، وعندما أقامت دعوى تعويض للضرر على الشركة المالكة وطالبت بتعويض كبير قدره ثلاثين ألف جنيه، وتم الحكم لها بالتعويض من الشركة بخمسة آلاف جنيه فقط، لكن لأنها كبيرة وتقدر علاقات بين البشر رفضت التشهير بالشركة، وعندما علم الصحفى أحمد عبدالعليم بتلك الواقعه لأنه كان يتابع عقارات شركة الشرق للتأمين فقد قابلها‏ ليكتب عن هذه القضية، واستقبلته فاتن حمامة بكل ترحاب، ويقول: "فوجئت بردها دون إحراجى فى نفس الوقت، حيث كانت فى منتهى الاحترام والذوق والمثالية فى كل شىء فى أخلاقها وأدبها وطريقتها فى الحديث واستقبالها للضيف، فوجئت بها تقول لى "معلش أعذرنى ما أقدرش أشهر ‏ بالشركة اللى وضعتنى فى الشقة الجميلة دى وهذا المكان الرائع".. هذه الجملة التى تنم عن عظمة شخصيتها فكان بإمكانها أن تجعل هذه القضية مثارة فى الصحافه، وتكون رأى عام وهى فاتن حمامة، وكان ذلك يمكن أن يؤثر فى رفع التعويض بالتأكيد، وذلك على الرغم من شهادة "عم حسن" حارس العقار ضدها فى حين أنها كانت تجعله‏ ذراعها الأيمن فى العمارة، وكانت تدعوه ليحضر كل حفلاتها التى تقيمها.

هذه الجملة التى قالتها فاتن حمامه للصحفى أحمد عبدالعليم تنم عن عظمة شخصيتها لأنها تعاملت مع الشقة على أنها الحضن الذى عاشت فيه أجمل لحظات حياتها، ثم حدث بعد ذلك بسنوات بعيدة أن باعت فاتن الشقة بمبلغ مليون جنيه والشقة تساوى حاليا ملايين الجنيهات.

Dr.Radwa
Egypt Air