الجمعة 10 مايو 2024

أسامة أنور عكاشة عميد الدراما العربية.. "رجل من زمن الحب"

الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة

فن28-5-2021 | 17:51

محمد أبو زيد

يجلس في شقة بالطابق الثامن تطل على البحر بإحدى الأبراج الشاهقة بمنطقة سيدى بشر في الأسكندرية، مفضلاَ الجلوس في التراس، يلقي  نظرة على البحر الذي تتقلب أمواجه، ثمة ابتسامة تعلو وجهه، يعتدل مزاجه وتدخل السريرة قلبه، يجمع أوراقه ويمسك بقلمه، يأخذ رشفة من فنجان قهوة بجانبه، ويبدأ في نسج شخصياته على الورق فتجدها أمامك على الشاشة من لحم ودم، تشاهد"وفية" في "امرأة من زمن الحب" وتقف مبهورا وأنت تشاهد "حسن" في "أرابيسك_أيام حسن النعماني"وقصة حبه مع "توحيدة"، ويجذبك بالصراع الدائر  بين "فضة المعداوي"والدكتور "مفيد أبو الغار" على الفيلا في "الرايا البيضا"، هو صاحب كل الشخصيات التي عاشت في الوجدان وأحبها القاصي والداني وحملت توقيعه، هو صانع أسطورة الكبار وعميد الدراما العربية، الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة.


ولد عكاشة في 27 مايو 1941 بمدينة طنطا في الغربية، تخرج من قسم الدراسات النفسية والاجتماعية في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وحصل على درجة الليسانس، تنقل بين عدد من الوظائف في سلك التعليم، حتى أصبح أخصائي اجتماعي في رعاية الشباب بجامعة الأزهر، ليقرر تقديم استقالته ويتفرغ للكتابة.

كتب "عكاشة" المجموعة القصصية "خارج الدنيا"، ورواية "أحلام في برج بابل"، حتى وقعت في يد الروائي سليمان فياض، إحدى روايات أنور عكاشة لينصحه بكتابة السيناريو، ليتحول إلي واحد من أهم كتاب السيناريو في الدراما، ومع بداية عهده مع الكتابة للدراما تفرد عن غيره وأرسى لها قواعد جديدة، ينسج بقلمه بحبكة مميزة شخصياته من واقع المجتمع ومختلف طبقاته، وبات الأشهر بين كتاب السيناريو وصاحب أشهر المسلسلات الدرامية، مع بداية الثمانينات كتب عدة أعمال للتلفزيون لعل أبرزها "الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين، أبواب المدينة، وقال البحر".

كتب رائعته "الشهد والدموع" في 1983، والتي نال بها شهرة كبيرة وحققت نجاحا كبيرا ما دفعه لكتابة الجزء الثاني في عام 1985، وفي العام التالي "رحلة السيد أبو العلا البشري" و"الحب وأشياء آخرى"، وفي 1987 كتب "ليالي الحلمية" ومن فرط الحبكة يجعلك تسأل نفسك بعد كل حلقة ما الذي سيحدث في صراع  "سليم البدري" يحيى الفخراني، والعمدة "سليمان غانم" صلاح السعدني"، ليستمر أنور عكاشة في كتابته حتى الجزء الخامس الذي عرض في 1995.

لم يتوقف قلم "عكاشة" يوما عن الكتابة التي تجري في دمه ولا يجيد غيرها، لأنه يعرف أن جمهوره يتشوق إلي كتابته وينتظرها بفارغ الصبر، كان أسمه وحده كفيلا بأنك ستشاهد عملا مكتمل التفاصيل تعيش مع شخصياته وكأنك تعرفهم عن ظهر قلب، في  "الراية البيضا" 1988، يضع خليطا غريبا بين "فضة المعداوي" سناء جميل، والدكتور "مفيد أبو الغار" جميل راتب، وصراعهما حول الفيلا.


في "أرابيسك" 1994، يجعلك تحب من كل قلبك "حسن النعماني" الشاب الذي يجيد فن وصناعة الأرابيسك، وحسه الفكاهي وشهامته التي توقعه في بعض الصدامات مع أهل الحي، وعلاقته بـ"توحيدة" هالة صدقي في واحدا من أجمل أدوارها وأدوار صلاح السعدني الذي صنع من خلاله أسطورته.

 كان كبار النجوم يتهاتفون على كتابات "عكاشة" يقينا منهم أن أعماله سوف يكتب لها النجاح وتعيش طوال الأبد، تجده يقدم مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة "ضمير أبلة حكمت"، ومع سميرة أحمد "امرأة من زمن الحب" لتجلس أمام الشاشة تشاهد "وفية" المرأة الصعيدية المتمسكة بتلابيب  عاداتها وتقاليدها، وتصدم بأبناء أخيها المراهقين بعد أن تركهم والدهم وسافر، وتضحك على خفة ظل "لبيبة" عبلة كامل وخوفها من شبح العنوسة.

قبل قدوم أسامة أنور عكاشة كسيناريست على الدراما كانت تباع المسلسلات باسم الممثل حتى كسر "عكاشة" القاعدة وكان اسمه وحده يكفي لتباع وتسوق به المسلسلات، وبات الجمهور ينتظر المؤلف بدلا من الممثل، كان ظهور أيا من الممثلين الشباب في أعمالا تحمل توقعيه بمثابة جواز مرور نحو الشهرة والنجومية فتجد على سبيل المثال وليس الحصر، "كريم عبد العزيز، ياسمين عبد العزيز" نالوا شهرة كبيرة بعد مسلسل "امرأة من زمن الحب"، وأحمد السقا في "زيزينا"، والآن أصبحوا من نجوم الصف الأول.

تشغله دائما الهوية المصرية ففي معظم أعماله تجد الشخصية المصرية بمختلف طبقاتها وتكوينها فجاءت أغلبها مجسدة للشخصية المصرية وتكوينها، ورصد للتحولات السياسية والاجتماعية في الشارع المصري التي يكتبها بقلب المحب وضمير المخلص الأمين، ومع رفيق دربه المخرج إسماعيل عبد الحافظ كون ثنائيا عظيما في العديد من الأعمال التي كانت تلتف حولها الأسرة المصرية في رمضان أبرزها "ليالي الحلمية، والشهد والدموع".

مع المخرج جمال عبد الحميد قدم "عكاشة" مسلسل "زيزينا" الذي كتب شخصياته بحرفية شديدة، يجعلك تعيش مع شخصياته مبهورا  بـ "بشر" يحيي الفخراني، بينما تحفظ ما يقوله عن نفسه في بداية التتر وكتبه قلم أسامة أنور عكاشة "أنا السؤال والجواب، أنا مفتاح السر وحل اللغز، أنا بشر عامر عبد الظاهر"، وتقف منبهرا بقصة الحب بين "بشر" و "عايدة" آثار الحكيم.

لم تغب السينما عن قلم "عكاشة" وكتب لها عدة أفلام منها "دماء على الأسفلت، كتيبة الإعدام، وتحت الصفر، الهجامة"، وفي المسرح" القانون وسيادته، الناس اللي في التالت، البحر بيضحك ليه"، وبعض الأعمال الروائية منها "وهج الصيف"، و"منخفض الهند الموسمي" في عام 2000، والتي تحولت في عام 2013 إلى مسلسل "موجة حارة".

توفى عميد الدراما العربية أسامة أنور عكاشة في 28 مايو 2010، ولكن اسمه وشخصياته التي خطها قلمه بحب باقية تعيش فينا، رحل من علمنا الحب وترك خلفه ميراثا فنيا لا ينضب.

Dr.Radwa
Egypt Air