تحقيق : سماح موسى
حملت العديد من السيدات عبر أجيال متعاقبة على عاتقهن مسئولية الدفاع عن قضايا المرأة ومحاربة عادات وتقاليد ذكورية طالما نالت من حقوقها واستحلت جسدها باسم الطهارة والعفة مستندة إلى فهم خاطئ لتعاليم صحيح الدين ومبادئ التربية، أعمال فنية عديدة ناهضت عادة الختان منها الفيلم الوثائقى «من الألم جئت » إخراج ثلاث شابات عشقن الواقعية، ورفضن تناول قضايا هامشية، وتطلعن لتغيير تقاليد مجتمعية خاطئة.
ندي عبدالرحمن وروزانا ناجح تتحدثان ل «حواء » عن فيلمهما الأول وسبب اختيارهما لقضية الختان، وتطلعاتهما المستقبلية.
فى البداية تقول ندى عبد الرحمن: «من الألم جئت » فيلم وثائقي قصير يتناول الألم النفسي الذي تعانى منه 87 % من نساء مصر بسبب الختان من خال عرضه قصة ثاث نساء «مرام ، رانيا ، سلوي » فى مراحل عمرية مختلفة، فالأولى 20 عاما، والثانية 27 عاما مطلقة وأم لابن يبلغ من العمر خمس سنوات، أما الثالثة فجدة تبلغ من العمر 50 عاما قررت ألا تجرى الختان لحفيدتها لما وجدته من آثار نفسية سلبية جراء تلك العادة.
وعن سبب اختيارها إخراج فيلم عن الختان رغم أن فكرته جريئة تحارب عادات وتقاليد تأصلت فى المجتمع منذ القدم تقول: اخترت فيلم «من الألم جئت » لأن الختان بداية كل المشاكل، فالبنت تشعر بالنقص وتبدأ مشاكلها النفسية منذ إجراء هذه العملية لها وتزيد بعد الزواج، لذلك عزمت على مناقشة الموضوع بشكل مختلف وعميق وواقعي عن طريق نشر فيديوهات لأطباء لشرح الأضرار الجسدية والنفسية للختان دون الاستناد إلى سند ديني لأنه لا يوجد أي نص قرآني أو حديث شريف يؤيد ختان الفتيات.
صعوبات
وحول العقبات التى واجهتها أثناء تصوير الفيلم أشارت ندى إلى أنها لاقت صعوبة بالغة فى إقناع الفتيات والسيدات بالظهور فى الفيلم وعرض قصصهن، لكن إصرارها وزميلتيها جعل رانيا تسرد قصتها بكل فخر ولم تخجل أن تقول إنها تخضع لعاج نفسي نتيجة تعرضها للختان.
وعن استعدادها لإخراج أعمال درامية أو سينمائية أكدت أنها ترفض إخراج أعمال درامية أو سينمائية قائلة: تركيزي كله على الأفلام الوثائقية لأنها تصوير للواقع وليست تمثيلا لأن الحالات التي تقدم فيها تلمس قلب وعقل المشاهد بعكس الأفلام والمسلسلات، كما أعشق صعوبة العمل الوثائقي والواقعية، ومن الصعب على مخرجي الأعمال الوثائقية تقديم أعمال أخرى لدقتهم الشديدة في توصيل العمل بشكل واقعي.
أعمال مستقبلية
وتابعت: أما عن القضايا التى أتطلع إلى تناولها فى أعمالى المستقبلية فقد اخترت أولا موضوع «الاغتصاب والتحرش تحت الحماية » وأقصد بذلك الحماية مفتوحة المجال في المدرسة والعمل والمستشفيات والمواصات أو حتى بين الأقارب أو في أي مكان من المفترض أن تأمن فيه الفتاة على نفسها، لأنها ظاهرة مسكوت عنها لا أحد يجرؤ على التطرق أو الحديث عنها على الرغم من تزايد عدد الفتيات اللائى يتعرضن للتحرش أو الاغتصاب من أقاربهن، وتم تأجيل هذا العمل بسبب صعوبة إقناع الحالات بالتحدث في هذا الموضوع لحساسيته الشديدة.
وتذكر ندى أنها تعرضت مرة للتحرش أمام ابنتها في الأتوبيس فأرادت أن تأخذ حقها وتعلم ابنتها درسا كي تكون لها القدرة على التعامل مع مثل هذا الفعل إذا كانت بمفردها وتكون جريئة، لذا توجهت إلى قسم الشرطة وقامت بعمل محضر للمتحرش وعنفته أمامها وأخبرتها أن جسدها أعز ما تملك وعليها أن تمنع أى شخص من لمسه، وأن المتحرش مثل الفأر إذا واجهته سيخاف ويعود إلى جحره.
قضايا المطلقات
وعن اعتزامها تناول معاناة المطلقات خاصة وأنها مرت بتلك التجربة قالت: إن شاء الله ستكون من القضايا التى سأتناولها فى المستقبل خاصة المطلقة التي آثرت تربية أبنائها على الزواج مرة ثانية، فقد واجهت مشاكل كثيرة ومضايقات من الجيران وأهالي المنطقة لكنني تحديت الجميع وكسرت القيود الاجتماعية ولم أهتم بأي حديث ووضعت أمامي هدف تربية أبنائي والنجاح في عملي، وأرى أن المرأة المصرية امرأة حديدية خارقة تستطيع عمل أي شيء قد يصعب على الرجل فعله فهي «شيالة هموم .»
وأكدت ندى أنها لا تخجل من تقديم أى عمل طالما يهدف إلى تغيير تقاليد مجتمعية خاطئة، لافتة إلى أنها تتعامل مع ابنتها كصديقة وتحاول أن تمدها بالمعلومات بطريقة مباشرة وبشكل يتناسب مع عمرها، لأنها إذا امتنعت عن الإجابة عنها في أي موضوع ستسأل غيرها، مشيرة إلى أن ابنتها شاركت في فيلم «من الألم جئت » بأدوار الثاث شخصيات «مرام، ورانيا، وسلوي » وهن صغيرات.
وتتطلع ندى إلى أن تصبح مثل هدي شعراوي أو نوال السعداوي تحمل على عاتقها قضايا وهموم المرأة، وتحلم بوصول أفلامها إلى العالمية.
روزانا ناجح
أما روزانا ناجح، المخرجة الثانية للفيلم بنت الـ 22 عاما فقد تخرجت فى كلية الإعام، وتطلعت بعد نجاح فيلمها الأول «من الألم جئت » إلى تناول قصص العنف الجنسي خاصة الأسري سواء ما يمارس ضد الزوجات أو الأبناء، وعن الصعوبات التي واجهتها أثناء تصويرها الفيلم تقول: واجهتني صعوبات فكرية أثناء النقاش وإقناع الحالات بعرض تجاربهن خاصة وأن هذا الموضوع يرتبط بعادات وتقاليد نشأ عليها أجيال عديدة حتى صارت جزءا لا يتجزأ من ثقافتهم، لكن حرصى وزميلاتى على محاربة تلك العادة التى ليس لها مرجع دينى أو طبى وإبراز أضرارها ومردودها السلبى على نفسية الفتاة مكننا من إقناع النماذج التى عرضت بالفيلم من سرد قصصهن دون خجل.
دور عرض
وتتمنى روزانا إنشاء دور سينما تعرض فيها هذه النوعية من الأفلام ليصبح لها روادها من الكتاب والمخرجين، مشيرة إلى أن هذا ما يحتاجه جيل الشباب اليوم فهو مهتم بدرجة كبيرة بهذه الأعمال لأنه متفتح ودائم التردد على المراكز الثقافية، لافتة إلى أن الواقع أثبت أن هذه الأفلام تمثل فائدة للمجتمع لأنها تسهم فى تشكيل ثقافته، كما أنها وسيلة سهلة لتوصيل الرسالة التى يتضمنها الفيلم.
وأعربت عن سعادتها بعرض الفيلم على هامش مهرجان أسوان لسينما المرأة، لافتة إلى أن ما يقرب من 150 شخصية نسائية شاهدن عرض الفيلم وأشدن به واقترحن عليها وزميلاتيها نشره على يوتيوب للتوعية بخطورة الختان، وإيداعه مكتبات الجمعيات النسائية والمجلس القومي للمرأة.
وتتطلع روزانا إلى المساهمة فى تعديل القوانين الخاصة بالمرأة وتحديدا الاغتصاب المسمى بـ «هتك العرض » خاصة وأن عقوبته الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، وتدعو المسئولين إلى تفعيل عقوبة التحرش لأنها حتى الآن مجرد حبر على ورق.
وأنهت روزانا حديثها مؤكدة أنها على استعداد لإخراج أعمال درامية وسينمائية لكن بشرط أن تناقش قضايا المرأة.