الإثنين 10 يونيو 2024

الإعلام الدينى: إلى أين؟

مقالات3-6-2021 | 20:11

الإعلام بمفهومه "التواصل بين بنى البشر"، والرغبة الفطرية فى التعرف على الأشياء وتتبع أخبار الآخرين وتقصى أحوالهم، يُعتبر ظاهرة إجتماعية صاحبت الإنسان منذ أن وطئت أقدامه الأرض، تطورت وسائله عبر ظروف الزمان والمكان والبيئة، وما صاحبها من تطور فى الوعى الإنسانى. فالإعلام بهذا المفهوم هو: إشباع لنزوع ورغبة أولية وحاجة ضرورية للإنسان.

على مر العصور صار الاعلامُ عملاً منظماً له قواعده وأسسه وأساليبه ومبادؤه مستفيدًا بنتائج العلوم المختلفة وتحديدًاعلم المنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة وكلُّها كانت ضمن نشاطات الفكر الفلسفى الذى صاحب الانسان منذ ميلاده إلى مماته..

ومنذ وَعَىَ الانسانُ الفكر الفلسفى متأملاً ومتفكرًا، فإن الكلمة كانت وسيلته الأولى - بعد الاشارة - للتعبير عن عَالَميّه الداخلىَّ والخارجىَّ، فكانت " الكلمةُ " وما تحمله من مضامين الإقناع هى الشغل الشاغل الأول للانسان. ولما كان الملل والسآمة خصلتين مصاحبتين للتكوين النفسىِّ الإنسانىِّ، كان على الإنسان أن يبحث عن وسائل وسبل لكسر الملل والتخفيف من حدة السآمة؛ فأخذ يتلمس طريقه إلى " الإمتاع "، وأصبحت مقولة " البحث عن الإقناع والإمتاع" هى المعيار الأول والأصيل للعمل الإعلامى فى جميع مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغير ذلك.

وإذا كانت العقود الأخيرة شهدت تطورًا ملحوظًا فى عالم الإعلام حتى أصبح بالفعل علمًا وفناً معًا، له منهجه الذى يضبط إيقاعه؛ فلا علم بدون منهج، وأصبحت له أقسام ومعاهد وكليات أكاديمية تقوم على تعليم مبادئه وتُعِدُّ الدارس لمهامه المهنية التى تُعتبر من أهم المهن التى يضطلع بها الإنسان، وذلك لخطورة تأثيره على الرأى العام والوعى الجماهيرى، فيمكن أن يكون مصدر صلاح أو مصدر طلاح، ومصدر جمال أو مصدر قبح.

ويحكم الإعلام الدينى مناهج علم الاعلام بفروعه المختلفة بصفة عامة، ولا يخرج عنها، وذلك بالإلتزام بقواعد منهجه. إلا أنه يتميّز بميّزة شديدة الخصوصية وهى أن الممتهن لمهنة الإعلام الدينى يجب أن يحمل من خصائص " الداعية " الكثير، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت أنه " داعية " ولكن بشروط خاصة.

إن جوهر بعثة الأنبياء والرسل يقوم على وسيلة واحدة لا ثان لها، وهى " البلاغ ".  [ والبلاغ هو الإعلام ]، والبلاغ عند تأمله، هو قصدٌ إلهىٌّ راقى، يَعْتَبِرُ اللهُ فيه الكرامة الإنسانية، ويتسق مع إعلاء شأن إرادة حرية الإختيار وتحمل مسئوليته، " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ".. " وما عليك إلا البلاغ "..

ويحكم " البلاغ " عدة شروط، لعل أهمها " الصدق " و" الجمال ". الصدق فى المحتوى والجمال فى الأداء، فإذا خلا البلاغ من الصدق فَقَدَ مهمته وإذا خلا من الجمال أصبح منفرًا غير جاذب، وربما تكون نتيجته سلبية تمامًا كما نرى الآن وبحق تزايد أعداد المنصرفين عن السماع والمشاهدة لبعض البرامج الدينية من جهة وتزايد أعداد الملحدين للأسف الشديد من جهة أخرى.

 الإعلام الدينى: بين الرسالة و "البيزنس "

شهدت العقود الأخيرة تقدمًا ملحوظًا فى وسائل التواصل التكنولوجية، من إذاعة وتليفزيون وفضائيات وأقمار صناعية ناقلة للصوت والصورة عبر آلاف الأميال، وتنامى الاختراعات فى الوسائل السمعية والبصرية وإتاحتها للقواعد العريضة من الجماهير، وأصبح مألوفًا أن نجد جميع شرائح المجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعية ومستوياتهم التعليمية وعلى إختلاف أعمارهم، أقول أصبح مألوفاً أن تجد فى أيدى كل البشر جهازًا صغير الحجم يجعل العالم بكل ما فيه بين يديك فى التو واللحظة، وليس هذا فقط بل يجعل لكل فرد مساحة ليست بالصغيرة للتفاعل والمشاركة وإبداء الرأى، بل وأيضاً عرض وجهة نظره سواء عن علمٍ أو جهلٍ تحت مسمى التواصل الاجتماعى واحترام حق التعبير وحق المعرفة كجزء أصيل من حقوق الإنسان.

بالأمس القريب كان مصدرُ الإعلام الدينى واحدًا وهو المنبر فى المسجد والكنيسة ـــ ثم إذاعة القرآن الكريم التى أُنشئت منذ ستة عقود من الزمان، وبعض البرامج الدينية المحدودة فى البرنامج العام بالإذاعة المصرية وصوت العرب. بالإضافة إلى الصفحة الدينية فى الجرائد اليومية خاصة العدد الأسبوعى منها، والمجلات المتخصصة التى لا تصل إلا إلى شريحة محدودة من الناس، ثم بدأ التليفزيون المصرى مع بدء إرساله فى مطلع الستينيات يقدم مساحة محدودة للإعلام الدينى.

كان الأمر فى الإذاعة لا يتجاوز أوقات محددة لأحاديث فى الصباح عند إفتتاح الإذاعة بالقرآن الكريم أو قبيل قرآن المساء وعادة ما يكون تفسيرًا أو حديثًا عن الفضائل أو إجابة على بعض المسائل تحت مسمى الفتاوى. أما يوم الجمعة فقد كان يحتل مكانةً خاصة من اتساع مساحة الإعلام الدينى.

وعلى الرغم من محدودية مساحة الإعلام الدينى، فإن الناس كانوا يتلهفون بشوق إلى سماع أو مشاهدة البرامج الدينية ويحفظون أسماء الدعاة، فقد كان الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف يهتمان بشدة بترشيحات مَنْ يخاطب الناس، وعرف الناسُ علماءَ أجلاء أمثال الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد عبدالله دراز، والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ حسنين مخلوف والشيخ عبد الحليم محمود والشخ أحمد حسن الباقورى والشيخ محمد الغزالى والشيخ عبد الله شحاته، وغيرهم من أفاضل العلماء الذين إعتبروا عملهم من قبيل الرسالة، وأعلم أن بعضهم كان يرفض تلقى أجرًا نظير ما يقدم من أعمال.. واللافت للنظر أن أصواتهم – رحمهم الله جميعًا رحمة واسعة – كانت ومازالت تفيض صدقًا وخشوعًا وهيبةً، وكانت ومازالت مفعمة بالأمل والرجاء وكأنها تعكس سعة رحمة الله فى قبول توبة التائبين، وكأنها أيضا شهادة ضمان لتجارة لا تبور. وأهم أثر خلفته تلك الحقبة من الإعلام الدينى هو مصداقية المرجع وإشباع رغبة النفس إلى اليقين الدينى.

بلغ هذا النموذج الطبيعى غير المتكلف وغير المفتعل ذروته فى العلاقة الإستثنائية الفريدة بين الإعلام الدينى ممثلًا فى قامة الريادة الإعلامية أحمد فرّاج، والدعوة ممثلة فى إمام الدعاة فى عصرنا الشيخ محمد متولى الشعراوى. فلولا الأول – من الناحية الإعلامية المهنية الإحترافية - لما تحلق الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية والتعليمية والعمرية حول الثانى حتى النفس الأخير من حياته.. رحمهما الله رحمة واسعة.

وما أن هلت علينا حقبة السبعينيات من القرن الماضى إلا وإجتاحت مصرنا بل والمنطقة بأكملها عدة متغيرات جوهرية أطاحت بالكثير من الثوابت، وتشرذمت وتشتتت المراجع، وبرز على السطح شكل جديد من الخطاب الدينى، وتباينت الفرق والمذاهب وفُوجئ المجتمع بموجة غير مسبوقة من تقلص مساحة التسامح وتآكل هامش الموضوعية وظهور "العنف" كظاهرة فى الخطاب الإعلامى، والأخطر من ذلك ظهور " الداعية النجم " و"الممول" الذى إعتبر الدين سلعة قابلة للبيع والشراء، وبدلاً من أن يصبح الإعلام الدينى رسالة هداية، أصبح مشروعًا تجاريَّا يتنافس فيه دعاة الفضائيات ودعاة قنوات التواصل الاجتماعى المفتوحة البعيدة عن الرقابة القانونية أو الرقابة المجتمعية. وكأننا نرى هؤلاء الأدعياء وقد أصبحوا كالباعة الجائلين الذين تعج بهم المواصلات العامة، يبيعون بضاعة مجهولة الصنع لزبون المرة الواحدة... وها نحن نجنى ثمرة هذا الخلل فى الإعلام الدينى فى زيادة المنصرفين عن الدين، وفقدان الثقة فيما يقدم من مادة دينية جراء تضارب وتناقض الفتاوى وبالتالى فقدان اليقين الدينى الذى تنشده الفطرة البشرية..

 شهوة النجومية

تتنازع الإنسان شهوات خمس أساسية: شهوة البطن وشهوة الفرج وشهوة المال وشهوة التملك والأنانية وشهوة النجومية، وإذا استبدت إحداهن بصحابها أكسبته الكثير من نقائصها وبالتالى أحدثت تصادمًا وصراعًا مع الأخر وخلقت مناخًا كريهًا فى الحياة الاجتماعية.

ظهرت شهوة النجومية فى البداية على استحياء فى شكل " حب الظهور " وجذب الانتباه، وهو سلوك فطرى برئ، تراه لدى بعض الأطفال فى مرحلة الصغر، وتظهر بشكل تلقائى عفوى، ويعتبر سلوكًا سويًّا إذا توقف عند هذا الحد.. ولكن المشكلة تحدث عندما يتدخل الوعى ليرصد رد فعل الآخرين بإستحسان هذا السلوك البشرى، فيسعى المرء إلى تنظيمه والعمل عليه والحرص على إستمراره وإنتظاره، ويصبح الاهتمام بالشكل أمرًا ضروريًّا على حساب المضمون، ويصبح الاهتمام بظاهر الأشياء هو الأولى والأهم على حساب حقيقتها وجوهرها.

هنا يسعى " النجم " إلى إرضاء الآخرين على حساب الحق والموضوعية، فيفقد أول ما يفقد " الصدق " ذلك الجسر الذى تعبر عليه الحقيقة للآخرين والذى به يُضاء العقل وينشرح القلب.

تعددت منابر الحديث إلى الجماهير المتعطشة لصحيح الدين، بدءً من الوعظ داخل المساجد، إلى المجالس الخاصة، إلى الفضائيات، إلى القنوات الخاصة على وسائل التواصل الإجتماعى كالفيس بوك، واليوتيوب والتويتر وغير ذلك، إلى الهاتف الدينى، إلى النوادى الاجتماعية والخاصة بالسيدات تحديدًا إلى بعض صالونات رجال الأعمال... تسلل " الداعية النجم " إلى هذه الأماكن وغيرها وأصبح مؤسسة إعلامية فى ذاته، له مدير أعمال، وسكرتارية وبطبيعة الحال هيئة منتفعين للتسويق والترويج.. وبات الدين وقضاياه سلعة قابلة للبيع والشراء وتخضع لقوانين العرض والطلب واحداث الفقاعات بين الحين والآخر مثل إرضاع الكبير ونكاح الموتى ومعاشرة الحيوانات، ليشتد الطلب على بعضهم الذى بدأ يتزين كالطاووس ويزاحم نجوم السينما فى ملبسهم ومركبهم..ثم أصبحت مغازلة طبقة معينة من طبقات المجتمع واحدًا من الأهداف التى يسعى " الداعية النجم " لإرتيادها.

يتساءل المرء هنا، ما لهذا " الداعية النجم " والإعلامى الذى يعمل فى الإعلام الدينى؟ أسارع فأقول، إن الإعلامى ترك مكانه، أقصد ميكرفونه وكاميرته، للداعية النجم، فأخذ الأخير يقدم البرامج الدينية بنفسه منفردًا، أو بوجود الإعلامى ولكن بلا فعالية، بمعنى أن دوره يكون كما" السَّنْيد " بلغة أهل الدراما أى الذى يساعد البطل حتى يلعب دور البطولة بحق.

لعب " المال " دورًا خطيرًا فى تشويه الإعلام الدينى. فخرج به من نطاق الرسالة إلى نطاق التجارة، والتجارة الرخيصة للأسف الشديد؛ لأنها تجارة تسعى لإرضاء النفس وليس إرضاء الله.. حوّل هذا المال الحديث الضعيف قويًّا كما قال الشيخ الغزالى رحمه الله يومًا ما كنتُ شاهدًا عليه.. خلق هذا المال فئةً من الدعاة تسللوا إلى قنوات الإعلام الدينى يبثون التشدد والتطرف وشذوذ الفكر فيما يخص قضايا المرأة والمعاملات المالية والعلاقات الاجتماعية وخلط مفاهيم العادات بالعبادات ولا حديث لديهم أحب وأكثر جاذبية من النصف الأسفل للإنسان..

ويظل السؤال قائماً: الإعلام الدينى إلى أين ؟

فى ظل تدهور خطاب الفكر الدينى التقليدى الذى نراه عبر قنوات الإذاعة والتليفزيون الرسمية والخاصة،

وفى ظل تعدد مصادر الفتوى وشيوع إنتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعى وخاصة من الأفراد،

وفى ظل عدم وجود الإعلامى الذى يعتبر مهنته رسالة ويعى تمامًا مسئولية الكلمة وأمانتها،

وفى ظل صعوبة ضبط الفضاء المفتوح والسيطرة عليه،

وفى ظل تجرؤ العوام على الفُتيا كما يتجرأن على الطب والعلم عمومًا وشيوع ظاهرة " أبو العريف "،

فى ظل كل هذا وغيره الكثير، يصبح الأمر تحديًّا حقيقيًّا للدولة وللغيورين على دين الله وأصحاب الرؤى الصادقة والمخلصة فى تطوير العمل الإعلامى وتنقيته من العبث الذى لَحِقَ به.

ماذا يجب علينا أن نفعل ؟

بداية العلاج هو أنه يجب علينا الاعتراف بأن الإعلام الدينى فى أزمة حقيقية بل فى أزمة خطيرة. ومكمن الخطورة هنا فى تشابك عناصرها وتعقد خيوطها.. إلا أننا يمكن رد هذه العناصر والخيوط إلى ثلاثة أمور جوهرية:

أولها: تخلى الإعلامى عن وظيفته وتركها للداعية النجم الممول.

ثانيها: سيطرة المال، مما جعل الإعلام الدينى سلعة وتجارة بل ومصلحة.

ثالثها: فقدان الإعلامى المؤهل تأهيلًا حرفيًّا، صاحب الرسالة، إلا فيما ندر.

 

منذ أربعين عامًا من الزمان ( عام 1980 ) قدم الدكتور محيى الدين عبد الحليم دراسة رصينة ضمنها كتابه: الإعلام الاسلامى وتطبيقاته. يظل هذا الكتاب عمدة فى بابه لما تضمنه من أسس نظرية لعلم الإعلام الدينى، على كل من يشتغل بالإعلام الدينى أن يحيط بها إحاطة عميقة، بالإضافة إلى أن نتائج دراسته العملية التطبيقية لازالت جديرة بالاعتبار فى أيامنا هذه رغم مرور أربعين عامًا عليها. أما توصيات الباحث فكم نحن فى أمس الحاجة إلى قراءتها مرة تلو المرة لأخذها بعين الاعتبار، إذا كنا جاديين فعلاً فى تطوير هذا الفرع الهام من فروع الإعلام.

ولأن مشكلة الإعلام الدينى جزء من كل، فإن أمره يتصل بالسياسة التعليمية للدولة ما أقصده هو برامج التعليم وخاصة منذ المرحلة الأولية الابتدائية، التى ما زالت تُعلى من شأن التحصيل المعلوماتى وتفتقر كثيرًا إلى زرع ملكة الفهم والنقد فى عقول الصغار حتى تصبح خصلة مصاحبة لهم فى جميع مراحل التعليم وأيضاً فى حياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية.

إن غرس ملكة الفهم والنقد فى عقول الصغار من خلال برامج تعليمية قائمة على الفكر والابتكار، يعطينا لا محالة شبابًا صاحب هُوية واضحة المعالم، قادرة على تحمل المسئولية وإدراك خطورة وأثر الكلمة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية فى بناء كيان الانسان والوطن.

وحتى لا يجانبنا الصواب، ونحن نسعى إلى الموضوعية، يجب علينا أن نذكر جانبًا إيجابيًا نلحظه منذ فترة قليلة، وهو التطور الملحوظ فى إذاعة القرآن الكريم المصرية؛ حيث تنوعت برامجها واختفت أصوات بعض الشخصيات التى تبنت التشدد، وأحادية المذهب والفكر، من فقراتها. وإن كان يغُلب أحيانًا على بعض ضيوفها من المتحدثين ( الذين يُترك لهم الميكروفون) الجانب الافتعالى التمثيلى، حيث لا يقتضى الأمر ذلك. إلا أن الأمر فى مجمله تطور إلى الأفضل.

     وفى اعتقادى أن الذى يحفظ التوازن فى الإعلام الدينى هو أن نعى تمامًا الضرورتين التاليتين:

أولاهما: ضرورة إدخال الدراسات الإعلامية الحديثة وعلوم الإتصال بالجماهير وعلوم النفس والإجتماع والسياسة ضمن برامج الدراسة فى الكليات التى تعنى بتخريج الدعاة من الخطباء والأئمة والوعاظ، والتعامل معها بجدية من خلال المتخصصين فى هذه المجالات، وعدم قصر الدراسة على علوم الدين واللغة فقط.

ثانيهما: ضرورة إدخال الدراسات الدينية الإعلامية ضمن مناهج الدراسة فى كليات ومعاهد وأقسام الصحافة والإعلام والإذاعة والتليفزيون، كجزء رئيسى من المواد الدراسية فى هذه الكليات والمعاهد الأكاديمية؛ ذلك أن رجل الإعلام العام لن يستطيع تحقيق التوافق مع الجماهير ولن يستطيع التأثير فى الرأى العام بدون النفاذ إلى قلوب وعقول هذه الجماهير عبر المدخل الدينى الكَيِّس وليس الساذج، وبدون أن تنسجم رسالته الإعلامية مع جوهر الإسلام (الوسطية ). ( عبد الحليم، 363- 64).

 فى جلسة عصف ذهنى مع بعض من تلاميذى المهمومين بالشأن الوجدانى والعقلى للإنسان المصرى، خلُصنا إلى النقاط التالية لعلها تكون خطوة متواضعة فى طريق الخروج من مأزق الإعلام الدينى. لا ندعى تقديم حلول أو حتى توصيات، ولكنها مجرد إضاءة على الطريق ربما تقينا المزيد من العثرات:

  1. تنمية ملكة النقد لدى النشئ فى المدارس والشباب فى الجامعات من خلال المناهج القائمة على الفهم والحوار لا الحفظ والتلقين حيث أن ملكة النقد بمثابة سلاح علمى قوى من شأنه محاربة كل ما هو مبتذل ورخيص على مستوى النظر والعمل.
  2. وضع ميثاق شرف للإعلام الدينى من بين بنوده ضرورة انتقاء الموضوعات وكذلك الشخصيات التاريخية التى تعكس الوجه الصحيح للدين، وتوضيح أن الفهم الصحيح للدين يرتقى بالإنسان إلى مصاف العقل والعاطفة المهذبة وانتشاله من مستنقع الرغبات والشهوات.
  3. وضع حدود واضحة بين الإعلامى الدينى الهادف إلى الكسب المادى والشهرة والنجومية والداعية الحق صاحب الرسالة الهادفة إلى تنقيح العقول وتهذيب النفوس من كل ما يعلق بها من أدران نفسية واجتماعية..الخ.
  4. الإلتزام بالدقة فى انتقاء اللفظ وكذلك أسلوب المناقشة حين تناول القضايا والموضوعات المعاصرة التى تشغل بال العامة فى حياتهم اليومية وذلك من أجل الحفاظ على مستوى راق للخطاب الدينى يحول دون فقدانه رداء الإحترام والوقار.
  5. العمل الدؤوب على الارتقاء بعقول العامة والانتقال بها من مستنقع الشهوة حيث توافه الأمور وأحقرها إلى مستوى راق من الفكر والعاطفة حيث القيم والمبادئ التى تشكل الشخصية القويمة والأسرة المترابطة ومن ثم تشكيل وبناء المجتمع الصالح، أو الذى يغلب فيه الصالح على الطالح. وذلك من خلال برامج هادفة وجذابة يتم تقديمها للطفل والشاب والأسرة.
  6. وأخيرًا وليس آخرًا تنحية أبواق الجماعات المتأسلمة من كل وأى وسيلة إعلامية أو تربوية فهم من أوائل الذين جعلوا الدين سلعة وعملوا بحماس لا يفتر على التوظيف الأيديولوجى للدين وتشويه الخطاب الدينى.

والله من وراء القصد

الاكثر قراءة