الأحد 5 مايو 2024

الحروب الحديثة والخطاب الدينى

مقالات4-6-2021 | 13:18

درست فى الأزهر الشريف مادة "السيرة النبوية" والتى تتضمن فى طياتها دراسة الغزوات والسرايا فى العهد المدنى، كغزوة بدر الكبرى، وغزوة أحد، وغزوة الأحزاب… الخ

ومصطلح "غزوة" من المصطلحات التى ينبغى تبديلها عند تدريس السيرة لأولادنا إلى مصطلحات أخرى تحمل مفاهيم الأحداث فى هذه الفترة الزمنية، وخاصة بعد استهلاك هذا المصطلح سياسياً خلال تاريخ المسلمين واستخدامه كذلك فى هجمات الجماعات الإرهابية ضد الأبرياء.. الخ

وأقترح  استخدام مصطلح "معركة"، فنقول معركة بدر الكبرى بدلاً من "غزوة بدر الكبرى"

 

وجدير بالذكر أن تلك المصطلحات استخدمها أهل السير كتعبير عن الأحداث فى عهد رسول الله عند تصنيف مصنفاتهم بعد وفاته- صلى الله عليه وسلم - بعشرات السنين، اعتماداً على معناها اللغوى المقبول فى زمنهم.

فمصطلح غزوة اسم مرّة من غزا والجمع غزوات، يعنى الهجوم على العدو والسير إلى قتاله فى أرضه. وأطلق أيضاً على الحملات العسكرية التى كانت تستهدف الدول للسيطرة على مقدراتها كغزو التتار.

وفى العصر الحديث ظهر مصطلح "غزو الفضاء" ويعنى اكتشاف مجاهل الفضاء بواسطة الأقمار الصناعية، أو الرحلات إلى القمر والمريخ.

وكل معارك النبى صلى الله عليه وسلم خالية من معنى "الغزو" على مستوى اللغة أو حتى على المستوى السياسى، لأنها كانت معارك دفاع عن المال أو العِرض أو الأرض.

فقد خاض النبى صلى الله عليه وسلم تلك المعارك كقائد وحاكم للمدينة المنورة بعد إبرام وثيقة المدينة فى بداية العام الهجرى الأول، والتى شارك فيها كل من فى المدينة حتى اليهود بطوائفهم، ونصت الوثيقة أن من يقود أمور المدينة هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.  

فذُكر ببعض بنودها "وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله".

وعلى هذا  فكل المعارك فى عهده صلى الله عليه وسلم كانت للدفاع عن المدينة بمن فيها، من معركة بدر فى العام الثانى للهجرة وحتى معركة تبوك فى العام التاسع للهجرة لعدم زحف الروم إلى المدينة وقتل اهلها كما كانوا يهددون.

وبالتالى من المناسب مخاطبة العقل الجمعى للشباب والأجيال القادمة بما يناسب المفاهيم الحقيقية بعيداً عن المصطلحات الشائعة عند العرب والمسلمين فى القرون الأولى.

ولابد من التأكيد على أن الحروب من منظور الإسلام للدفاع وليست لنهب الثروات أو الاعتداء على الناس.

ويدل على ذلك قول جابر بن عبدالله "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقاتِل - بكسر التاء - إلا أن يُقاتَل -بفتح التاء - وما كان يُحارِب- بكسر الراء - إلا أن يُحارَب- بفتح الراء"

وهذا هو مفهوم القتال، والذى يختلف عن مفهوم القتل، والفرق بينهما هو نفس الفرق بين الجندىالشهيد المدافع عن وطنه، وبين الإرهابى القتيل الذى يدافع عن جماعته أو أفكاره.

وقد سبق نشر مقال عن الفرق بين الجندى المقاتل والإرهابى القاتل يمكن الرجوع إليه

 

وكانت المعارك قديماً بالسيف، كما كانت تتسم بالوضوح التام سواء فى أهدافها أو أساليبها أو قوانينها… الخ

وكان المسلم يخرج مدافعاً عن عرضه وأرضه وداره وهو مطمئنٌ تماماً أنه على الحق المطلق، وأن عدوه على الباطل المطلق، فضلاً أن قرار الحرب كان بيد النبى صلى الله عليه وسلم باعتباره ولى الامر وليس ككونه نبى فقط.

ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حىّ عن بينة

وهذه الحروب يسمونها بحروب الجيل الأول، ثم تطورت الحروب فى عصرنا الحاضر حتى وصلت إلى الجيل الرابع (Fourth Generation Warfare) الحرب غير المتماثلة،، ويُرمز لها 4GW.

وأول من أطلق هذا المصطلح على هذا النوع من الحروب البروفيسور الأمريكى "ماكس مايوراينك" فى معهد الأمن القومي الإسرائيلى حيث عرفها بنقاط مختصرة على حد تعبيره:

الحرب بالإكراه، إفشال الدولة، زعزعة استقرار الدولة ثم فرض واقع جديد يراعى مصالح الدولة التى تشن النوع من الحروب.

وكما يتضح فى التعريف الذى تم إطلاقه من إسرائيل أن هدف هذا النوع من الحروب هو تحويل الدول المستهدفة إلى دول فاشلة حتى تتم السيطرة عليها تماماً وعلى مقدراتها،، ويتم استخدامالخونة والمرتزقة والعملاء فى تلك الدول المستهدفة، وكثيراً ما يتم تمويلهم أو تمرير تمويلهم، وكذلك تسليط الأضواء العالمية عليهم، ويمكن منحهم جوائز عالمية بقصد ايجاد ثقة بينهم وبين الشباب، وقد حدث هذاعلى سبيل المثال لا الحصر مع اليمنية توكل كرمان التى منحت جائزة نوبل، وكان لها دور كبير فى تحويل اليمن على أيدى الشباب اليمنى الغافل المتحمس إلى دولة كما نراها اليوم وتنفطر قلوبنا عليها ألماً.

كما تم تدريب بعض الشباب المصرى فى مؤسسات دولية خارجية وتمويلهم تمهيداً لأحداث ما بعد 25 يناير 2011، وكان المعلن هو تغيير الأنظمة العربية، والحقيقة كان القصد هو إسقاط الدول العربية.

 

ولقد أدرك أعداؤنا دور الدين كأحد المصادر الهائلة للقوة الناعمة لشن حرب الجيل الرابع علينا بخداع شديد عبر عنه بعض المتطرفين بقوله "بما لا يخالف شرع الله"!

(ومصطلح القوة الناعمة - Soft power) مفهوم صاغه جوزيف ناى، من جامعة هارفارد الأمريكية، وكان وكيلاً لوزارة الدفاع الامريكية فى عهد الرئيس الأمريكى كلينتون..

قال: القوة الناعمة هى القدرة على أن تأخذ ما تريد بالجذب وليس بالحرب.

ومن هذا المنطلق تم توظيف "الوعظ الدينى"، فى هذه الحروب القذرة من خلال إطلاق مجموعة من الوعاظ مجهولى النسب العلمى، لصناعة أرضية دينية تخدم على أهداف سياسية بأساليب ناعمة.

وظاهرة ما كان يُطلق عليهم "الدعاة الجدد" بتمويل من مؤسسات خارجية ودعم جماعات دينية ليست ببعيد عن هذا المشروع خاصةً وأنهم كانوا حريصين على ربط الشباب بحسن البنا ورموز جماعة الإخوان ونشر مباديء الجماعة على أنها طريق الالتزام بالدين.

وكذلك ظاهرة شيوخ الكاسيت التى نشطت لترسخ مفهوم الخلافة وتقويض الدولة باسم الإسلام تزامناً مع ضعف المؤسسة الدينية وخطابها ونفوذها بين الشباب.

إن دراسة خطاب هؤلاء الوعاظ وتحليله فريضة غائبة  لتوثيق أخطر تجارب استخدام الدين كقوة ناعمة فى الحرب ضدنا.

وعلى صعيد آخر تم دعم الجماعات الإرهابية أو صناعتها والتحالف معها سراً،، تمويلاً وتوجيهاً، ومحاربتها جهرة ! والابتزاز بها على المستوى السياسى والحقوقي، لكونها تحقق أهداف العدو بـ"قال الله وقال الرسول" مستخدمة التفاسير الملتوية للنصوص مع مسحات من جانب الرقائق فى الاسلام لجذب الشباب وتجنيده وتوجيهه نحو القتل فى بلده.

ويمكن تلخيص عناصر حروب الجيل الرابع التى وُجهت ضد بلادنا العربية فى الآتى:

  1. الإرهاب وقد عانت مصر من الإرهاب أكثر من أى دولة أخرى على سطح هذا الكوكب، وراح ضحية الإرهاب الآلاف من خيرة شبابنا وعقولنا فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والبشرية من منتصف القرن الماضى وحتى تاريخه.
  2. محاولة ايجاد قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات، كما حدث فى العراق وسوريا على يد داعش.

وحاول الأعداء تأسيس ذلك فى سيناء الحبيبة إلا أنهم فشلوا بفضل الله تعالى ثم جيش مصر العظيم خير أجناد الأرض.

  1. تزامناً مع ما سبق  ظهور شخصيات تحمل ألقاباً علمية وثقافية مهمتها التشكيك فى الدين والثوابت الثقافية والهوية الوطنية والتاريخ لصناعة إلتهاب شعبى وجدل بين الناس يشق الصف الوطنى.
  2. حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والسوشيال ميديا،  والتلاعب النفسى والعقلى بالشباب.
  3. استخدام كل الضغوط المتاحة - السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية على الدول المستهدفة.
  4. استخدام تكتيكات حروب العصابات

 

وهناك دول، للأسف الشديد، لم تستطع الصمود امام هذه الموجة الطاغية من الحروب فسقطت فى مستنقع الفوضى والحروب الداخلية والطائفية، واستطاعت مصر مواجهة هذه الموجة الكبيرة من حروب الجيل الرابع من 2011 وحتى تاريخه بما يُسمى القوة الذكية Smart Power؛ (والقوة الذكية  وفق ما جاء بمقال للدكتور سمير مرقص بجريدة الاهرام بتاريخ 24 يونيو 2017) ذكرها "جوزيف ناى" كتطوير للقوة الناعمة فى كتابه "مستقبل القوة" الصادر فى عام 2010، وعرّفها بأنها محصلة التكامل بين القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية أى القوة الصلبة وبين القدرة على التأثير من خلال وسائل الجذب والاقناع المتنوعة أى القوة الناعمة، وبهذه القوة الذكية يمكن مواجهة التحديات الكونية المعقدة المتزايدة.

 وباحتراف شديد استطاع الرئيس السيسى وصقور مصر وكل أجهزة الدولة المصرية مواجهة هذه التحديات الهائلة بالموازنة بين تمتين القوة العسكرية المصرية بتقوية الجيش المصرى وكذلك تقوية القوة الاقتصادية، وبين استخدام القوة الناعمة بكل اشكالها وآلياتها.

وهذا واضح وضوح الشمس إذا نظرنا إلى النفوذ المصرى العالمى الآن، وقدرة مصر على اطفاء حرائق فلسطين وليبيا وسوريا ولبنان والسودان.. الخ.

فضلاً عن الإنجازات الداخلية التى أبهرت العالم كله.

وإذا كنّا ندرس فى تاريخنا وفى مقررات الأزهر الشريف أن مواجهة العدو عسكرياً هى صورة من صور الجهاد فى سبيل الله، فأنا أقول؛ إن ما صنعته مصر  فى مواجهة حروب الجيل الرابع باستخدام ما يسمى "القوة الذكية" بكل آلياتها، لهى أعظم صورة للجهاد فى سبيلالله ولونُ من ألوان الرباط فى سبيل الله الذى نبأنا النبى صلى الله عليه وسلم به فى أن مصر وجندها فى رباط إلى يوم القيامة

وعلى هذا.. اذا كانت الحروب الموجهة إلينا بهذه الكيفية تستخدم الفكر والدين بهذه الآليات الخبيثة، فهل من دراسة جديدة للسيرة النبوية للربط بين النص والحروب الحديثة حتى يتعرف الشباب على أساليب المواجهة المناسبة دينياً وثقافياً فى العصر الحاضر والعصر القادم؟

أرجو من الله أن يعيننى لعمل هذا المشروع وهو جزء من خطة شاملة قابلة للتطبيق، أعددتها وطورتها خلال السنوات الماضية وتحتاج فقط إلى دعم مالى ولوجستى،

ولو قدر الله لى إخراج هذا الإنتاج بفريق عمل مميز، نستطيع جميعاً مقابلة رب العالمين بصدقة جارية وعلم ينتفع به وعمل صالح ينقذ الغرقى ثقافياً وفكرياً .

 

ولا أُخفى غيرتى الشديدة، كيف تستطيع الجماعة الإرهابية تزوير تفسير القرآن والسنة للتخديم على مشروعها السياسى ويجدون دعماً وتمويلاً ؟! وهذا جزء من الحروب الموجهة ضدنا فى فى هذاالعصر، فى الوقت الذى يعجز الكثير من المخلصين عن أداء دوره على الوجه الأمثل، بسبب معوقات مختلفة.

أملى كبير فى توفيق رب العالمين أولاً ثم عناية سيادة الرئيس السيسى الذى فتح الله على يديه كنوز الأرض وأبواب السماء فى قضايا أشد بكثير من هذا الملف.

والله المستعان.