ممثل بارع يجعلك تقف مذهولا من فرط أدائه، نظرة واحدة منه تدخل في قلبك الرعب، ليستحق عن جدارة لقب شرير الشاشة، تجده رئيس العصابة الذي لا يمل من السرقة والضرب من فريد شوقي بعد تحطيم كراسي "القهوة"، هو المعلم الذي يكيد المؤمرات لأعدائه وينسج خيوط الشر، وقبل أن تفيق من دهشتك تجده الفلاح الطيب الذي يتشبث بالأرض، والأب الحنون والموظف المطحون، والمحامي الباحث عن الحق، هو العبقري صاحب الألف وجه وكل الأدوار وأستاذ التلقائية، والذي يعرف كيف يسرق بأدائه الكاميرا من الكبار وأشرسهم موهبة، تخرج من وسط بعض الشخصيات التي قدمها وفي أذنك تسمع صوت "مراد شكري" وهو يقول "وعايزني أكسبها" في "إسكندرية ليه" بينما يخبر "محمد أبو سويلم" أهل القرية في "الأرض" وهو يردد: "عشان كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة" أنت في حضرة "أنتوني كوين الشرق" العظيم محمود المليجي.
ولد محمود المليـجي في 22 ديسمبر عام 1910، في حي المغربلين بالقاهرة، وكانت موهبته تلوح في الأفق منذ نعومة أظفاره، وأنهى تعليمه الابتدائي ثم التحق بالمدرسة الخديوية ومنها حصل على الشهادة الثانوية، واكتشف أن لديه موهبة كبيرة، فالتحق بقريق التمثيل بالمدرسة، والتي كان يستعين مديرها بعدد من الفنانين لتدريب الطلبة، ليتعلم "المليجي" فن التمثيل على يد العمالقة عزيز عيد وجورج أبيض وأحمد علام.
وبدأت انطلاقته من خلال فرقة الفنانة فاطمة عيد في 1930، وقدم معها مسرحيتي "زيتون، ومجنون ليلى"، ثم أول أفلامه "الزواج على الطريقة الحديثة" 1932، وبعد حل فرقة فاطمة رشدي، التحق بعدة بفرق إسماعيل ياسين وتحية كاريوكا، ثم فرقة المسرح الجديد، وبعدها بفرقة "رمسيس" لصاحبها الفنان يوسف وهبي وعمل ملقن براتب 9 جنيهات، وتعد بدايته الحقيقية في السينما عندما شارك معها في بطولة أول أفلامها "وداد" 1936، وبعده فيلم "قيس وليلى" 1939، وكانت بدايته مع أدوار الشر.
وفي فترة الأربعينات كان "المليجي" قاسما مشتركا في غالبية الأفلام التي غلب عليها طابع "الشر" وبعض منها تنوع ما بين دور الدكتور والمحامي لعل أبرزها "غرام وانتقام، سفير جهنم، اليتيمة، المنتقم، أسير الظلام، السجينة رقم 17"، في بداية الخمسينات قدم عددا كبيرا من الأفلام؛ أبرزها دور "متولى المرابي" في فيلم "أمير الدهاء" 1950 مع أنور وجدي، وفي العام التالي 1951 قدم للسينما 11 فيلما دفعة واحدة أشهرها "لك يوم يا ظالم" و"ابن النيل"، و20 فيلما في عام 1952، أشهرها "أموال اليتامى" و"حضرة المحترم"، وفي 1953 قدم 9 أفلام أشهرها "بلال مؤذن الرسول" و"المستهترة".
18 فيلما قدمها المليجي في عام واحد 1954، لعل أبرزها "الوحش، أبو الدهب، الناس مقامات، فتوات الحسينية، وعد، المجرم"، وفي 1955 قدم عددا كبيرا من الأفلام، وفي 1956 قدم "سمارة" في دور "نبيه بيه" رئيس العصابة، و"رصيف نمرة 5" في دور "المعلم عرفان"، وفي "النمرود" دور "متولى" وشكل مع الفنان فريد شوقي ثنائيا حققت أفلامهما نجاحا كبيرا.
ولم يتوقف "المليجي" يوما عن المهنة التي لا يجيد غيرها يتنقل بين الأدوار، وفي 1957 قدم عددا لا بأس به من الأفلام أبرزها "إسماعيل يس في الأسطول" في دور "عباس الزفر"، بينما في 1958 تجده الدكتور في "رحمة من السماء"، والمعلم "عليوة" في "سواق نص الليل"، والمحامي في "جميلة" والحرامي في "امسك حرامي"، و"عطية الحنش" في "أبو حديد".
وفي فترة الستينات، قدم عدد كبير من الأفلام أبرزها "بين السما والأرض، العملاق، أبو الليل، الغجرية" وزعيم العصابة في "النصاب"، و"الغريب" في "سجن الليل" 1963، بينما تجده "حافظ أمين" رئيس العصابة في "بطل للنهاية" و"المقدم محمد حسن" في "النشال" مع صديق العمر والفن فريد شوقي، والطبيب النفسي في "العقلاء الثلاثة" 1965 مع رشدي أباظة.
ومئات الأدوار والشخصيات قدمها "المليجي" يتنقل بينها بسهولة، ومع بداية السبعينات قدم "غروب وشروق" 1970 في دور "عزمي باشا" بينما بلغت ذروة نجاحه وتألقه وقدم واحدا من أعظم أدواره "محمد أبو سويلم" في "الأرض" 1970، وتوالت أعماله أبرزها "السكرية، لعنة امرأة، دنيا، الشوارع الخلفية، ابنتي والذئب".
ولم يغيب التليفزيون عن ذاكرته وقدم مع عادل إمام دور "فضالي عبد الحميد" في "أحلام الفتى الطائر" 1978، وفي العام التالي "الأيام" مع أحمد زكي وعدة مسلسلات منها "بعد الضياع، الأفعى، قطار منتصف الليل، الضياع".
وبعد النجاح الكبير مع المخرج يوسف شاهين في فيلم "الأرض" عاد للعمل معه في "عودة الابن الضال" 1976، و"إسكندرية ليه" 1979 في دور "شكري مراد" والد "يحيي" محسن محي الدين، وفي مطلع الثمانينات "حدوتة مصرية" 1982، ومع عمر الشريف "أيوب" 1983، وقدم للتلفزيون عدد من المسلسلات منها "زينب والعرش، محمد رسول الله، رداء لرجل آخر، أبواب المدينة، وقال البحر، النديم".
ونحو نصف قرن قضاها محمود المليجي ما بين المسرح والتليفزيون والإذاعة تجاوزت 750 عملا ترك فيها بصمته، وكان يقول عنه يوسف شاهين: "كنت أخاف من نظرات عينه" ومع "شاهين" في "الأرض" رفض "المليجي" الاستعانة بـ"دوبلير" في مشهد تكبيل يده بالحبال وسحله بالخيل وهو يتشبث بجذور الأرض في مشهد محفور في ذاكرة السينما المصرية.
وأطلق الفنانين العرب عليه لقب "أنتوني كوين الشرق"، إذ أدى نفس الدور الذي قام به الممثل الأمريكي - المكسيكي "أنتوني كوين" في فيلم "القادسية" بل كان أداء المليجي أفضل منه.
وتزوج "المليجي" من الفنانة علوية جميل؛ إذ تعرف عليها في فرقة يوسف وهبي، واشتهرت مثله في تقديم أدوار الشر.
ورحل محمود المليجي في 6 يونيو عام 1983، عن عمر ناهز 72 عامًا إثر إصابته بأزمة قلبية حادة، بعد رحلة طويلة من الفن والإبداع تاركا خلفه إرثا فنيا لا ينضب جعله أهم وأعظم من أنجبت السينما المصرية.