إن ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية يؤكد أن مصر بدأت تجنى ثمار العمل المخلص المبنى على رؤية واضحة وخطوات مدروسة بمنتهى دقة تمت بعد ثورة 30 يونيو عام 2013م.
واسمحوا لى أن أذكر بعض المواقف والأحداث وأن استشهد ببعض التقارير الدولية التى تتحدث عن وضع مصر الآن، لكى نرى حجم النجاح الذى تحقق ومازال يتحقق بسواعد مصرية.
لنبدأ بوضع مصر الإقليمى والذى انعكس على الوضع الدولي، خلال أزمة غزة لعبت الوساطة المصرية دوراً مهما فى المفاوضات تكللت بوقف النار بعد 11 يوماً من تصعيد عسكرى هو الأعنف بين الكيان الصهيونى وحماس منذ 2014. هذا بالتوازى مع رصد مصر 500 مليون دولار مساهمة فى إعادة إعمار غزة، وهذا يمثل وجها جديدا للتعامل المالى الخارجى المصري.
أيضاً لعبت مصر دورا إنسانيا مهما، حيث فتحت معبر رفح بشكل استثنائى لإدخال المساعدات وأيضا للسماح للجرحى لدخول مصر لتلقى العلاج. ليس هذا وحسب، بل أمر الرئيس المصري، بإرسال وفدين أمنيين إلى إسرائيل والأراضى الفلسطينية للعمل من أجل دعم وقف إطلاق النار ولمتابعة إجراءات تنفيذ الهدنة والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التى من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة. كل هذه التحركات أعادت مصر لدورها الاستراتيجى التاريخى لمسألة الصراع العربى الإسرائيلي، فى وقت كانت منطقتنا العربية فى أمس الحاجة لمثل هذه المواقف التى تعيد الموقف العربى الصحيح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
أيضا من المواقف الإقليمية الجديدة الرائدة لمصر، موقفها مع الشقيقة السودان، فخلال مؤتمر باريس الذى عقد حول ديون السودان، أعلنت القيادة السياسة المصرية ضمان جزء من ديون السودان المستحقة المشكوك فى سدادها مقابل حصة مصر لدى صندوق النقد الدولي. ورغم أن هذا الموقف هو موقف طبيعى لمصر مع الشقيقة السودان، لكنه موقف جديد على مصر التى غيّبت عن هذا الدور لسنوات عديدة. أما فى ليبيا فقد لعبت مصر دورا مهما ومتقدما، وذلك بإعادة تشكيل المشهد السياسى خلافا لمصالح أطراف عديدة أخرى، حيث خلقت مصر معادلة سياسية وطنية فى ليبيا، أكثر توازنا وأكثر إشراكا لجميع الفصائل الليبية. وذلك عندما كشرت مصر عن أنيابها أمام العربدة التركية عندما قال الرئيس السيسى جملة "سرت- الجفرة، خط أحمر"، التى أكد عليها خلال زيارته للمنطقة الغربية العسكرية، بحضور قادة الجيش المصري، والتى أيدتها الكثير من الدول، والتى جعلت تركيا تلتزم التزاما تاما بهذا الخط ولم تتجرأ على تجاوزه.
فى الأزمة اللبنانية كان واضح حجم الدور المصرى السياسى من جهة ودور المعونات المصرية للبنان من جهة أخرى خاصة بعد حادث مرفأ لبنان، حيث كان هناك دعم اقتصادى وسياسى وطبي، فلقد قدمت مصر برنامج إغاثى شامل للبنان شمل جسرا جويا وبحريا تم خلاله نقل أكثر من 17 طائرة محملة بمساعدات طبية وإغاثية، كما دعمت مصر القطاع الطبى فى لبنان من خلال إرسال 21 طبيبا مصريا قدموا الخدمات الطبية للبنانيين، إضافة للسفن التى قامت بنقل مواد لإعادة إعمار المنازل والمبانى التى دمرها انفجار مرفأ بيروت. هذا كله ما أكده، رئيس الوزراء اللبنانى المكلف سعد الحريري، حيث أشاد بموقف مصر الثابت تجاه تعزيز التعاون مع لبنان، وبجهود مصر الحثيثة والصادقة لحشد الدعم الدولى للبنان على شتى الاصعدة فى ظل التحديات الصعبة التى يواجهها الشعب اللبناني. أما فى قضية ملف سد النهضة، لعبت مصر دبلوماسية سياسية تدرس فى كتب السياسة الدولية، هذا بالتوازى مع استعدادات عسكرية على أعلى مستوى فى الجيش المصرى ومع اشقائنا فى السودان، وذلك لوضع قضية سد النهضة على طريق الحل السياسى الصحيح الذى يحفظ حق الجميع بما فيهم أثيوبيا.
كل هذه التحركات والمواقف جعلت حتى من يحاولون أن يعادوا مصر أن يشهدوا أن مصر الجديدة أصبحت واقع قوى ومؤثر على الساحة الإقليمية والدولية، وأن هذا يتطلب تعامل مختلف معها. لذلك جاء للقاء الرئيس المصرى الشيخ محمد عبد الرحمن ال ثانى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الذى أكد أن بلاده تتطلع لتعزيز التعاون مع مصر، بعد طى الخلاف، لافتا إلى أن مصر من الدول الكبرى فى المنطقة وتلعب دورا قياديا فى الملفات الإقليمية. هذه الزيارة وهذا التصريح يحمل كل أشكال ومضامين التراجع عن الأجندات السابقة الداعمة وبوضوح للتنظيمات الإرهابية كتنظيم الاخوان، الذى كان يعمل ضد مصالح مصر والسعودية والامارات، وقد سبقت قطر تركيا، فبعد التصريحات التى حملت مغازلات كثيرة لمصر من مسؤولين اتراك، زار وفد رفيع المستوى مصر للمرة الأولى منذ ثمان سنوات، لعمل مشاورات استكشافية لبحث سبل إعادة العلاقات المصرية التركية! هذه العودة الاستراتيجية وكل هذه الأدوار هى جزء من الأدوار التى تلعبها مصر الآن على المستوى الإقليمى والدولي.
كل هذه الأدوار القوية لمصر فى الملفات المعقدة والمتفجرة على المستوى الإقليمى لم تؤثر على دور مصر الداخلى والنهوض بالبلد على كافة المستويات، وهذا ما أكدته عدة تقارير دولية، فمثلا توقع معهد التمويل الدولى (IIF) أن يبدأ الاقتصاد المصرى مرحلة التعافى والنمو بما يزيد عن %4 بحلول السنة المالية المقبلة 2022م، بعد أن استطاع تحمل تداعيات وباء فيروس كورونا بدعم من حزمة محفزات اقتصادية ومجموعة من التدابير الصحية الفعالة والمنفذة فى الوقت المناسب. كما كشف أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن الناتج المحلى الإجمالى لمصر سجل نموًا يُقدر بـ0,2% فى عام 2020، متوقعًا أن يحقق نمو الناتج المحلى الإجمالى لمصر قفزة ليصل إلى 4,5% فى 2021، رغم ما خلفته جائحة كورونا من تبعات اقتصادية واجتماعية مُدمرة حول العالم. وكذلك توقعت وكالة ستاندرد أند بورز (Standard & Poors) تراجع معدلات البطالة فى مصر خلال العام الحالى لتصل إلى نسبة 7%. كما أكد تقرير صندوق النقد الدولى أن مصر تحقق أكبر تراجع سنوى فى معدل التضخم فى الأسواق الناشئة عام 2020 مقارنة بعام 2019، بانخفاض بلغ نحو 8.2 نقطة مئوية، حيث سجلت تضخم بمعدل 5.7% عام 2019/2020 مقارنة بـ 13.9% عام 2018/2019. وحسب وزارة المالية المصرية من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلى الإجمالى المصرى للعام الحالى 6,4 ترليون جنية آخر هذا العام.
هذا كله غير المشاريع الضخمة مثل قناة السويس الجديدة والمنطقة الاقتصادية للقناة، التى تضم 6 موانئ بحرية و4 مناطق صناعية على مساحة تقدر بنحو 460.6 كم2، وتضم موانئ العريش والعين السخنة والطور والأدبية وميناءى غرب وشرق بورسعيد، إضافة إلى مناطق صناعية من بورسعيد إلى العين السخنة. ومثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة التى تعتبر من أهم مشروعات تطوير السياحة فى مصر، ومجمع الصناعات الصغيرة والمتوسطة الذى يضم 384 ورشة صناعية، ويستهدف المشروع توفير فرص العمل المؤقتة والدائمة للشباب المصري.
كذلك مدينة دمياط للأثاث والتى تضم مجموعة من أمهر صانعى الأثاث فى العالم، هذا غير مشروع المليون ونصف المليون فدان الذى يعد إحياء للريف المصري، والمتحف المصرى الكبير، والإسكان الاجتماعى حيث استطاعت الدولة أن تنشئ منظومة سكنية لا مثيل لها فى وقت قياسي، حيث أنشأت الدولة 7 مدن جديدة، وهو الأمر الذى يعتبر إنجازا بكل المقاييس، حيث لم تشهد مصر مثل تلك المنظومة على مر التاريخ. ومشروع الطاقة الشمسية بنبان وهى تعتبر أكبر محطة طاقة شمسية مجمعة فى العالم إذ تولد كهرباء توازى تلك المولدة من السد العالي، بما يقدر بألفى ميجا وات. وغيرهم الكثير من المشاريع التى غيرت شكل مصر، ووفرت ملايين من فرص العمل للشباب والشركات أيضًا.
إن دور مصر الخارجى والمقرون بدور اقوى داخلى يؤكد للقاصى والدانى وللمحب ولكاره أن مصر هى باختصار جمهورية مصر الجديدة.
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها
زميل ومحاضر فى كلية الدفاع الوطنى – أكاديمية ناصر العسكرية العليا