صوت قلما يجود الزمان بمثله، يستطيع أن يصنع من أقل جملة نغمية لحنًا خالدًا، امتلك القدرة على تطويع المقامات الموسيقية حسب رغبته، صاحب تحكم نغمي شديد وذوق رفيع في التعامل النوتة الموسيقية، إنه الفنان الراحل محمد قنديل.

ولد الفنان محمد قنديل بحي شبرا بالقاهرة، لأب موسيقي كان متمكنا من العزف على العود، وأم تتمتع بصوت حسن، وكانت جدته مطربة مشهورة تدعى "سيدة السويسية"، ومن هذه الأسرة الفنية، ورث قنديل حب الطرب والصوت الحسن.

  

تمتع محمد قنديل ببنية جسمانية قوية، جعلته يمارس هواية المصارعة في بداية شبابه، وقطع فيها شوطا كبيرا، وفي إحدى التدريبات تعرض لإصابة، جعلت أسرته تخاف عليه وتنصحه بالابتعاد عن هذه الرياضة العنيفة.

   

وبالفعل قرر محمد قنديل أن يترك المصارعة، ويتجه للغناء، فالتحق بمعهد الموسيقى الشرقية، وفي بداية الأربعينات اختارته كوكب الشرق أم كلثوم ضمن مجموعة من تلاميذ معهد الموسيقى كي يشاركها في التابلوه الغنائي "القطن"، في فيلم "عايدة".

امتلك محمد قنديل صوتًا مميزًا أهله للالتحاق بالإذاعة المصرية عام 1946، وقدم في نفس العام أغنية "يا ميت لطافة يا تمر حنة"، والتي حققت نجاحًا كبيرًا وقتها.

واستطاع محمد قنديل أن يجعل لأغانيه مسارًا مميزًا عن باقي مطربي جيله، وقدم أشكالا مختلفة للغناء بشكل عام والأغاني الشعبية بشكل خاص، فقدم أنماطا للأغنية منها "الدور"، و"المونولوج"، و"الموشح"، و"الموال".

امتازت أغاني محمد قنديل بتعرضها المباشر للحياة الواقعية، واستطاع أن يشغف أذن المستمع بأسلوب نغمي بسيط يمتعه، رغم تعقيدها النغمي.

وقدم قنديل عشرات الأغاني، التي لا يزال الجمهور يسمعها ويرددها حتى الآن والتي بلغت نحو 800 اغنية، منها "يا حلو صبّح"، "سماح"، "يا رايحين الغورية"، "تلات سلامات"، "أبو سمرة السكرة"، و"بين شطين ومايه"، و"سحب رمشه".

دخل محمد قنديل عالم السينما، واشترك في 22 فيلم سينمائي، أشهرها "صراع في النيل"، "شاطئ الأسرار"، "عبيد المال"، و"رجل في حياتي"، لكن نجاحه في السينما لم يكن كبيرا مثل نجاحه في الطرب، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى تكوينه الجسماني، حيث أنه في فترة الخمسينات والستينات كانت مواصفات الفنان الغنائي أن يكون نحيلا وله صفات شكلية خاصة مثل عبدالحليم حافظن وفريد الأطرش، لذلك قرر اعتزال السينما عام 1977، والتفرغ التام لموهبته الأصلية "الغناء".

وكانت آخر أعماله، تتر مسلسل "الأصدقاء" للنجم الراحل فاروق الفيشاوي، ورحل بعده بفترة قليلة، بالتحديد 9 يونيو 2004، بعد رحلة فنية قدم من خلالها أكثر من 800 أغنية.