إن المتأمل فى القصص القرآنى يجد عديدًا من الخطوط والخيوط المتقاطعة بين قصة موسى والفرعون والسيسى ومرسي، فكلاهما اختار الآخر؛ فالفرعون هو الذى احتضن موسى ورباه فى قصره عسى أن ينفعه أو يتخذه ولدًا، ومرسى هو الذى اختار الفريق عبد الفتاح السيسى وزيرًا للدفاع بعد عزله للمشير حسين طنطاوى ورئيس أركانه. وقد راهن مرسى وجماعته على الفريق السيسى على أنه متدين وسوف يسمع ويُطيع أوامر الرئيس ومن خلفه المرشد العام لجماعة الاخوان، ولِمَ لا والرجل حسن الاسلام ومتدين ويُقيم الصلاة ويصوم الفرض والنوافل وربى أسرته تربية دينية، فكيف لا يُطيع أوامر من نَصّبوا أنفسهم متحدثين عن الاسلام. وقد ذهب خيال الجماعة ومرشدها ومكتب إرشادها بعيدًا بعيدًا عندما منوا أنفسهم بأن هذا هو الرجل المناسب لتطويع الجيش وأخونته ليكون جيشًا للجماعة ترهب به الشعب مثلما تفعل حركة حماس مع الشعب الفلسطينى فى غزة.
لقد حَلُمَ الفرعون وجماعته بأن هذا الرجل الذى اصطفوه هو الذى سيمكّن لهم أركان مُلكهم، وسوف يكون اليد القوية التى يبطشون بها بأعدائهم فى الداخل من ليبراليين وعلمانيين وجبهة (الخراب) والمعارضين وأعدائهم فى الخارج مثل النظام الرسمى السورى (نظام بشار الأسد) ليمكّن للجيش الحر وإخوان سوريا من التهام الدولة التى تُعتبر بوابة مصر الشرقية.
وإيمانًا بكل هذا مضى الفرعون يُمَكّن لجماعته فى كل القطاعات ويهمش الآخرين –ومنهم أحزاب اسلامية استخدمها قبل التمكين كحزب النور السلفي- ثم أصدر الاعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012 الذى أعطى به لنفسه سلطاتٍ إلهية، تجعل مَن يجلس على عرش مصر ليس رئيسًا شرعيًا منتخبًا ولكن فرعونًا إلهًا، لم يتبق له إلا أن يجلس على عرش ممرد من قوارير فوق النافورة الشهيرة على صفحة النيل الخالد فى مواجهة فندق سوفيتل الجزيرة، ليقول فى بثٍ مباشر تنقله الجزيرة مباشر مصر: "أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي"..!!.
واستشاط الشعب غضبًا وخرج مطالبًا بسقوط الفرعون الإله.. فقد سأم هذا الشعب الحكام الفراعين الذين يضعون أنفسهم فى مصاف الآلهة، ويريدون حكامًا من البشر يحكمونهم بحب ويحنون عليهم ويقفون إلى جوارهم وقت الشدائد، يريدون الحاكم الإنسان الذى يفيض بإنسانيته على كل هذه القطاعات الفقيرة التى لاتجد رغيف الخبز وأنبوبة البوتجاز ولتر البنزين والسولار والدواء، يريدون حاكمًا عادلًا يحقق الهدف الرئيس للشعب المصرى العدالة الاجتماعية.
ولكن مرسى أبى إلا أن يكون فرعونا إلهًا ، فاستخف قومه وأهله وعشيرته أمام الاتحادية فأطاعوه، وقامت جماعته ومليشياته بترويع المعتصمين السلميين أمام قصره، وقتلت من قتلت وأصابت من أصابت، دون كلمة اعتذار.. وهذا من طبع الفراعين الذين يبطشون بمن يخالفهم اعتقادًا منهم أنهم لا ينطقون عن الهوى، وأنهم يملكون الحكمة المطلقة التى لا يملكها الرعاع والسوقة والدهماء من عامة الشعب المصرى كما ينظرون إليه، فالفرعون الإله وملائكته من الجماعة من سلالة الآلهة والملائكة أما المعارضون فهم من سلالة الرعاع والكفرة والعلمانيين.
ومنذ ذلك المشهد الفارق ، حاول موسى توجيه نصائحه للفرعون، أقصد حاول الفريق عبد الفتاح السيسى أن يوجه نصائحه للفرعون مرسى ، فذهب إليه وقال له إنه طغى، وحاول تقريب ذات البين بينه وبين معارضيه، الا أن نصائح السيسى ومحاولاته لم تُعجب الفرعون الإله، وكيف يجلس إلهٌ مع مَن يُعارضه فى مشيئته وقضائه.
وعندما بدأ حرافيش "تمرد" فى الدعوة للثورة على الفرعون الإله وحددوا يومًا للثورة هو ذكرى جلوس الفرعون على العرش لم يُلقِ لهم الفرعونُ بالًا، فكيف يُسقط هؤلاء الحرافيش فرعونًا إلهًا، ولم يبخل الفريق السيسى بنصائحه للفرعون، ولكن مضى فى غيه وضلاله وعناده إلى أن وقعت الطامةُ الكبرى على رأسه ورأس مرشده وجماعته ومناصريه من أمريكان وأتراك وقطريين وحمساويين فى 30 يونيـو، حيث خرجت ملايين الشعب المصرى ضد هذا الفرعون وملائكة عذاب المصريين الذين اكتووا بنارهم طوال عام كان هو الأسوأ فى تاريخ مصر الحديث.
وما كان من الفريق السيسى إلا أن ينحاز للشعب المصرى بعد أن باءت محاولاته الأخيرة بالفشل فى إقناع الفرعون بأن ينزل من عليائه ويُجرى بعض التنازلات من أجل هذا الشعب، ولكن الآلهة لاتتنازل، فلم يكن هناك خِيَارٌ إلا أن يقف جيش مصر إلى جوار شعب مصر، وهو ما حدث أيضاً فى ثورة 25 يناير، ليُنهى الفريق السيسى أسطورة الفرعون الإله وجماعته الذين أغرقهم الله فى اليم.. يم الفشل وعدم الكفاءة والعنجهية والأخونة والتمكين والعناد والتكفير والقتل والحرق والتدمير. إن هؤلاء هم الذين ضل سعيُهم فى الحياة الدنيا وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
أيها الإخوان: من كان يعبد الفرعون، فإن الفرعون قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حى لايموت.. جفت الأقلام وطُويت الصحف.