بقلم : د.عبدالله النجار
استقبل الناس شهر شعبان منذ أسبوع، وبحلول هذا الشهر يكون شهر رمضان قد اقترب ولم يبق بيننا وبينه سوى أيام هى المتبقية من شهر شعبان، وبهذا النظر يكون هذا الشهر هو المدخل إلى رمضان، أو هو بوابة رمضان كما جاء فى عنوان هذا المقال.. ولأن شهر شعبان هو المدخل لشهر رمضان تكون له مكانة خاصة ومنزلة متميزة، وكان الصوم فيه سنة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فقد روى أنه - عليه السلام - لم يكن يرى صائماً فى شهر أكثر من صيامه فى شهر شعبان، حيث كان يصوم أكثر أيام هذا الشهر المبارك، وقد روى فى فضله أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «رجب شهر الله، وشعبان شهرى، ورمضان شهر أمتي »، ومن ثم فقد اكتسب هذا الشهر الكريم مكانة طيبة حيث نسب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وكفى بهذه النسبة شرفاً وكرماً، كما أن هذا التشريف لم يكن نظرياً يقف عند حدود الكلام فقط، ولكنه كان تشريفاً عملياً حيث كان النبى - صلى الله عليه وسلم -يصوم أكثر أيامه، وإذا كان الشهر ظرفاً لتلك العبادة الكريمة، يكون شهراً طيباً ويتعين على الناس أن يقتدوا بالنبى - عليه السلام - فى الاحتفاء به والصيام به ما استطاعوا من أيامه, وقد جاء فى هذا الشهر الكريم ما يدل على أنه شهر ترفع فيه الأعمال، وقد سئل النبى - عليه السلام - عن سبب كثرة صيامه فى شهر شعبان، فقال: ذلك شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم، وقد أثار هذا الأمر وهو رفع الأعمال فى شهر شعبان جدلاً بين العلماء، وما إذا كانت الأعمال التى قام بها العبد طوال السنة ترفع فى هذا الشهر، أم أنها ترفع إلى الله لحظة بلحظة، حيث لا يحول بين العبد وربه زمان أو مكان, وقد قيل فى ذلك: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما إذا اختفيت الكبائر، وإذا كان صوم رمضان يكفر السنة كلها، يكون تقدير تلك السنة فى نهايتها محدداً بشهر شعبان، حيث يمثل هذا الشهر، وقت الحصاد الذى أخبر عنه النبى - صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء وقت رفع الأعمال حال الصيام، يكون القيام به موافقاً لما يحدثه الصيام من تكفير لما فعله العبد مما يقتضى التكفير فى السنة الماضية، ويكون الخبر الوارد عن رفع الأعمال فى هذا الشهر صحيحاً ومصادفاً للواقع الذى يدل عليه حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - صوم رمضان يكفر السنة التى تسبقه إذا اجتنبت الكبائر وقيل: لأن صوم رمضان شرع يوم الثانى من شعبان من السنة الثانية للهجرة، فكان تكريم الشهر بالصوم لذلك, كما قيل فى ذلك: إن شهر شعبان هو الذى شهد تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وذلك بعد أن اشتاق النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك التحويل الذى لقى ميولاً من قلبه، ومحبة من قبله، لأن المسجد الحرام فى مكة، وهى بلده وموطنه الذى ولد فيه وترعرع بين جنباته وهو طفل صغير، وقد خرج من مكة مهاجراً دون رغبة منه، حيث أبعد عنها قسراً من كفار قريش الذى أرقوا حياته وأقضوا مضجعه وحالوا بينه وبين الدعوة إلى الله، ولهذا فإنه عندما أخرج من مكة وقف على مكان قريب منها يسمى «الحزورة » وأخذ يناجى مكة قائلاً: يا مكة الله يعلم إنك من أحب البلاد إلى الله، وإنك لمن أحب البلاد إلى ولوا أن قومك أخرجونى ما خرجت، وما قاله النبى - صلى الله عليه وسلم - يعبر عن حب فطرى فى قلبه لبلده ووطنه وهو حب موجود فى قلب كل إنسان تجاه بلده، لأن أرضها تمثل قطعة منه ومهوى بفؤاده وقد شرعت الصلاة فى الملأ الأعلى حين عرج بالنبى - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات العلا، ورأى من آيات ربه الكبرى، وكان التوجه بها أول ما شرعت جهة المسجد الأقصى، فلما اشتاق النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى التوجه للبيت الحرام فى صلاته، استجاب له ربه، وقال: «قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولى وجهلك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره »، ومن المعلوم أن الصلاة هى عماد الدين، وهى أصل الدعاء وأصل العبادة، وفيها يجد المؤمن راحة بدنه ونفسه، ولهذا كان النبى - صلى الله عليه وسلم - عندما يحزنه أمر يقول: «أرحنا بها يا بلال », وقد صارت الصلاة كذلك بسبب الكعبة لأنها ترفع إلى الله منها، كما أن كل طاعة ودعاء وعبادة يرفع إلى الله بواسطة الكعبة المشرفة، ومن ثم فإن هذا المعنى يمكن أن يقدم تفسيراً لرفع الأعمال فى شهر شعبان، لأنه شهر تحويل القبلة وهى مرتقى الأعمال والطاعات ومنها الصلاة والصيام، ومن ثم يكون الصيام مما يرفع عن طريق تلك القبلة التى تم التحويل إليها فى شهر شعبان وأيا ما كان الأمر، فإن شهر شعبان هو شهر تحويل القبلة التى ترفع الأعمال من خلالها، أو هو الشهر الذى ينتهى به الحساب عن سنة ماضية كفرها الصيام، وبعده يبدأ الإنسان صوم شهر جديد يكفر سنة قادمة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، اللهم بارك لنا فى شهر شعبان وبلغنا رمضان يا رب العالمين.