حلمت الكاتبة فتحية العسال أن تكون جيفارا وتشيكوف فى نفس الوقت، ولكن اكتشفت أنها سذاجة منها كونها هى من علمت نفسها بنفسها وكونت مستقبلها بدمها وروحها وعقلها حتى أصبحت الكاتبة والمناضلة فتحية العسال، واليوم تحل الذكرى السابعة لرحيل الكاتبة التى حطمت قيودها وقيود النساء وأسقطت علم إسرائيل وأحرقته فى السجن.
حاولت الكاتبة فتحية العسال، سرد حياتها الشخصية بكل تفاصيلها الحلوة والمرة، حيث أظهرت لنا كل تناقضتها لنفسها ولغيرها وكشفت العصر الذهبى الذي عاشت فيه مع أول قصة كتبتها ودخولها مبنى الإذاعة وكتابتها للمسرح، وليلة القبض عليها، وكيف كتبت آخر ثلاث حلقات من مسلسل "عندما يختنق الحب" والعرض الأول لمسرحيتها (بلا أقنعة) فى كتاب "حضن العمر" .
ومن أجمل ما ذكرته الكاتبة فتحية العسال، عن السجانة سعدية الشنواني التى قابلتها فى السجن "القناطر" عندما زارت فتحية وسألتها سؤال غريب "هم الناس اللى بتضرب فى لبنان دول هم اللى عملتوا عشانهم المظاهره فى السجن ولطختوا علم العدوين فى الأرض، بالضبط يا سعدية لطخنا علم إسرائيل ورفعنا علم فلسطين، وإسرائيل هى اللى بتضربهم يانضرى الليل مع النهار وأنا باشوفهم فى التلفزيون؟".
"دى حكاية طويلة يا سعدية وعايزه قاعده يبقي أجيلك تحكي لى لكن دلوقتى هاستسمحك تاخدى الحاجات دى للغلابة اللى بتضرب فى لبنان"، وفتحت فتحية اللفة لتجدها تحتوي على "جوز فراخ متنضف، 2 اتنين كيلو سكر، وشوال صغير أرز، و4 أكياس مكرونة وخمسة جنيه".
استطاعت الكاتبة أن تنقل لنا مشاعر جميلة وحزينة لأشخاص أمثال سعدية وأم عسل بتاعة العيش، وغيرها، وتفوقت الكاتبة في سرد حكايتهم من بداية ما اقترح عليها زوجها ورفيق دربها عبد الله الطوخى إنشاء فصول محو الأمية، والذى بدأ 24 نوفمبرسنة 1956 وتم افتتاح أول فصل فى حى السيدة زينب.
وتحدثت فتحية عن السفر لبيروت والمواقف السياسية وعن تراجع المثقفين من 27 إلى 4 فقط، وهم ناجى جورج وجلال الغزالى والمخرج علي بدرخان وهى، ومن الحكايات الإنسانية التى ذكرت أن المؤلف الموسيقى "ثيود راكس" عضو الحزب الشيوعى اليونانى، وهو مؤلف فيلم "زوربا اليونانى" موقفه النبيل تجاه الإنسانية عندما قال إنه متضامن مع الشعب الفلسطينى واللبنانى بصفته إنسان أولا.
حكايات وأسرار كتبت بالدم وليس بالقلم أو الآلة الكاتبة، مع حبيبها وزوجها الكاتب عبد الله الطوخى فى "درب البهلون"، وعلاقتها بحماتها والجيران والنساء عموما، فحاولت الكاتبة فتحية العسال أن تغرقنا معها فى كل التفاصيل الخاصة بها أو الخاصة بالحركة الشعبية عندما ذكرت فى كتابها" حضن العمر" عن اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية لرئيستها سيزا نبراوى وعن دور الست روز الوطنية الجميلة فى إعطاء الدور الأرضى لاجتماع اللجنة، وعن رفيقات الحركة مثل وداد مترى، وثريا إبراهيم بسحرها الجذابة ، وانجى أفلاطون برقتها، ولا ليلى الشال بشعرها الناعم المقصوص وأختها عفت الشال، والصغيرة أميرة الشال وإلانسانية صاحبة التاريخ الطويل مع هدي شعراوى وسيزا نبراوى بوشها الأمومى وشعرها الأبيض ولغتها العربية المكسرة، وجاكلين خورى الصحفية بالأهرام، وشاهندة مقلد شعلة نشاط فى لجنة المنوفية.
وتحدتث فتحية عن أول لقاء لها فى مبنى الإذاعة، وعن رعشة جسمها من الفرحة والخوف من ألا تعجب التمثيلية مصطفى أبو حطب، وبدأت الحكاية يوم الاثنين 14 مارس سنة 1957، فى الدور الثالث بمبنى الإذاعة، ومقابلة الفنانة العظيمة ملك الجمل.
وشرحت فتحية حالتها عندما علمت أنه فى يوم 1 يناير 1959 يوم القبض على عدد كبير من الشيوعيين والشيوعيات وكان بينهم أعز الأصدقاء والصديقات أنها شعرت باليتم والوحدة خصوصا عندما سمعت أن إنجى أفلاطون وليلى الشال وفاطمة زكى وثريا إبراهيم ووداد مترى وعدد كبير كلهم فى سجن القناطر.
وكشفت الكاتبة عن الأحداث المهمة اللى عشاتها مع الكاتب عبدالله الطوخى فى مرحلة من عمرهم بعد رجوعهم، وفى سنة 1998 كان للكاتب عبدالله مسرحية (الأرنب الأسود) للمخرج عصام السيد على على مسرح الطليعة ومسرحية (البين بين) فى قاعة يوسف إدريس على مسرح السلام.
وأنهت الكاتبة بتلك الكلمات: "عمر الإنسان مراحل، وكل مرحلة لها طعمها ومواصفاتها وعشان كده هاستسمحك أعيش مرحلتى الجديدة هاعيشها وأنا جوا حضن العمر اللى فات والعمر اللى جاى ودايما هبقى فاكره الشعر اللى كنا احنا الاتنين بنردده أن أجمل الأيام هى التى لم نعشها بعد".