يحمل بين ضلوعه قلبا مهموماً بالغلابة وأوجاعهم، تبكيه آلامهم، وتربكه قضاياهم، يعيش بين قليلي الحيلة لا يملك سوى فنه وكاميرا ترصد ما يدور خلف الأبواب المغلقة، والحارات الضيقة، التي ربما قلوب ساكنيها أوسع منها، ما إن تنطفئ الأنوار ويحل الظلام وتدور الكاميرا ليخرج نورها حتى تجد أبطال أفلامه من المهمشين والمطحونين على الشاشة "حسن" في "سواق الأتوبيس"، و"منتصر" الذي يفشل في "الهروب"، و"أحمد سبع الليل" في "البرئ".
كان يحاول أن يضئ بفنه عتمة من عاشوا في الظلام، يعبر عنهم دون زيف وينقل معاناتهم بلا تجميل، هو صوت البسطاء وضميرهم الحي، وأعظم مخرجي السينما ورائد الواقعية الجديدة المخلص، هو أقصرهم عمراً وأمدهم فناً، حارب بأفلامه الفقر واِنتصر للغلابة، ولم يتحمل قلبه "الطيب" هموم المجتمع وخلق الله وهزمه المرض، هو العبقري عاطف الطيب.
ولد عاطف الطيب في 26 ديسمبر 1947، بمركز المراغة في سوهاج، لأسرة متوسطة الحال، سافر مع أسرته إلي القاهرة بحثا عن حياة أفضل ليستقر بهما الحال في حي بولاق الدكرور، أنشأ والده محل صغير لبيع الألبان، وكان "عاطف" يساعد والده في توزيع "الزبادي" على سكان الحي، وهو طالبا في المرحلة الثانوية عمل بإحدى صالات الأفراح، وما إن حصل على الثانوية حتى التحق بالمعهد العالي للسينما، قسم الإخراج.
خلال دراسته بالمعهد عمل مساعداً للمخرج محمد بكير في فيلم " 3 وجوه للحب" 1969، وتخرج من المعهد في 1970، وفي العام التالي التحق بالجيش وقضى 5 سنوات شارك خلالها في حرب أكتوبر 1973، وخلال أداءه الخدمة العسكرية قدم أول فيلم تسجيلي له "جريدة الصباح" 1972، وعمل كمساعد مخرج مع عدد من أهم المخرجين أبرزهم شادي عبد السلام في فيلمي "المقايضة" و "جيوش الشمس"، ومع محمد بسيوني في فيلم "ابتسامة واحدة تكفي"، ومع يوسف شاهين في فيلم "إسكندرية ليه".
عمل عاطف الطيب كمساعد مخرج في عدة أفلام أجنبية كان يتم تصويرها في مصر آنذاك أبرزها "الجاسوس الذي أحبني، جريمة على النيل، الصحوة، أبو الهول، توت عنخ أمون"، وكانت أول أفلامه الروائية الطويلة "الغيرة القاتلة" 1982 مع نور الشريف.
وفي نفس العام قدم له واحداً من أجمل أفلامه "سواق الأتوبيس" في دور "حسن سلطان" واقتنص "الشريف" جائزة أفضل ممثل في مهرجان نيودلهي، وعن جدارة نال "الطيب" جائزة العمل الأول في مهرجان أيام قرطاج السينمائية.
لم يتوقف التعاون مع بطل أفلامه الأول نور الشريف وقدم له 7 أفلام آخرى هي "الزمار" 1985، و"ضربة معلم" 1987، و"قلب الليل" و"كتيبة الإعدام" 1989، و"دماء على الأسفلت" و"ناجي العلي" 1992، و"ليلة ساخنة" 1995، ليصل مجموع الأعمال إلي 9 أفلام سينمائية.
صنع عاطف الطيب بأفلامه أسطورة الكبار وبرع في في استخدام القدرات الأدائية لأبطال أفلامه، كوّن ثنائيا مع الامبراطور أحمد زكي، وكانت البداية من "التخشيبة" 1984، و"الحب فوق هضبة الهرم" و"البريء" 1986، و"الهروب" 1991، و"ضد الحكومة" 1992، والذي قدم فيه لبلبة في دور أظهر قدراتها التمثيلية وأعاد اكتشافها من جديد وكذلك أبو بكر عزت في دور "الدكتور عبد النور".
توالت نجاحات وتألق عاطف الطيب مع كبار النجوم فقدم مع محمود عبد العزيز "أبناء وقتلة" 1987، و"الدنيا على جناح يمامة" 1989، ومع نبيلة عبيد "كشف المستور" 1994، ومع ليلى علوي "البدرون" و "ضربة معلم" 1987، و"إنذار بالطاعة" 1993 وقدم معه محمود حميدة واحد من أجمل أدواره.
كوّن عاطف الطيب مع صديقه السيناريست بشير الديك ثنائيا في 5 أفلام "سواق الأتوبيس، ناجي العلي، ضربة معلم، ضد الحكومة، جبر الخواطر"، ومع الكاتب مصطفى محرم 3 أفلام "الحب فوق هضبة الهرم، الهروب، أبناء وقتلة"، ومع وحيد حامد 5 أفلام "البريء، التخشيبة، الدنيا على جناح يمامة، كشف المستور، ملف في الآداب".
لم يتوقف يوما عاطف الطيب عن كفاحه، كان يوصل الليل بالنهار ويدرك أن الحياة قصيرة يجري بلا توقف أملا في إنجاز فيلم يرى النور، وما إن انتهى من تصوير آخر أفلامه "جبر الخواطر" للفنانة شريهان حتى دخل لإجراء عملية جراحية في القلب.
كان الموت أقرب له من النجاة وتوفي في 23 يونيو 1995، وتولى المونتير أحمد متولي مونتاج الفيلم بمفرده وعُرض "جبر الخواطر" في 1998 بعد ثلاث سنوات من وفاته، 21 فيلمًا هي حصيلة من تركه عاطف الطيب شاهدة على عبقريته وفنه، رحل ولكن تبقى ذكراه حية ترزق في قلوب ووجدان محبيه.