تحقيق: محمد الشريف
بين تصريحات مسئولى وزارة الصحة التى تؤكد توافر الأدوية وواقع ينفيها، يقع المواطنون فى حيرة من أمرهم، فما بين تصديق تلك التصريحات وتكذيب واقع ملموس يؤكد أن مصر تشهد نقصا فى الأدوية، حيث تفاقمت في الآونة الأخيرة أزمة نقص حقنة »RH« من الصيدليات سواء التابعة لوزارة الصحة أو الخاصة وقصر توزيع المتوفر منها على صيدليات هيئة المصل واللقاح تزامنا مع ظهور حقن مجهولة المصدر لتعيش كل سيدة حامل وأسرتها بصفة عامة معاناة حقيقية خوفا من تشوه الأجنة وتعرض الأمهات لخطر الإجهاض.
«حواء » تستطلع ردود أفعال المواطنين وتحاور المسئولين عن سبب الأزمة وكيفية مواجهتها.
من أمام هيئة المصل واللقاح بالدقى يقول محمد صابر أحد المواطنن من محافظة الشرقية، الذين يحملون أوراقهم وهمومهم بن أيديهم، والذي كان يترجى الصيدلى المسئول عن صرف الحقن من خال الصيدلية الخارجية للهيئة أن يسمح له بصرف الحقنة، لكنه أصر على صرفها ثالث يوم الولادة وليس الثانى.. محمد يخشى أن يحدث له مكروها يمنعه من الحضور لصرف الحقنة فى اليوم الثالث قائا: «سفرى طويل ومتعب وأخاف أن تحدث لي مشكلة تمنعنى من الحضور »، مشيرا إلى سهولة حصوله على الحقنة فى الحمل الأول لزوجته وقبل موعد الولادة بوقت
كاف، رغم نقصها فى الصيدليات حيث لجأ لشرائها من صيدلية الهيئة ب 700 جنيه، لكن هذه المرة لم يجدها بالشرقية.
شرط اليوم الثالث للولادة لم يكن عائقا أمام محمد فقط، بل وقف أيضا عصام محمود من محافظة القليوبية فى انتظار صرف الحقنة حائرا بعد أن أخبره المسئول أن يأتى بعد يومن، غير أن عصام يصر على أن يصرفها فى نفس اليوم، فزوجته وضعت قبل يومن ولم يسجل ابنهما إلا فى اليوم التالى للولادة، ما جعل هناك فرق بن الميعاد الحقيقى للولادة والمسجل بالأحوال المدنية، ويقول عصام: كنت أشترى الحقنة لزوجتى قبل ثلاثة شهور من ميعاد الولادة وأحتفظ بها فى الثلاجة لحن الوضع، ولم يكن يتعدى سعرها ٣٢٠ جنيها، لكن الآن لا أستطيع أن أشتريها إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الولادة وبسعر مغالى فيه.
إجراءات صارمة
أما جميل سليمان من محافظة أسيوط فكانت صدمته كبرى بعد تعرض زوجته لإجهاض مفاجئ فى الشهر الثالث من حملها ولم يكن مستعدا للحصول على حقنة »RH« على نفقة الدولة التي لم تفتح الباب أمام مثل هذه الحالات، جميل اضطرته الظروف لاقتراض ثمن الحقنة لكن لم يجدها فى أكبر الصيدليات بمحافظته، ما دفعه إلى تحمل مشقة السفر ليصل إلى أبواب صيدلية المصل واللقاح بالقاهرة إلا أن الطامة الكبرى كانت رفض القائمن على الصيدلية منحه الحقنة رغم وجود تقرير من الطبيب المعالج يصف وضع الأم وحالتها الصحية ممهورا بختم المستشفى العام بأسيوط، ومرفقا معه تذكرة دخول المستشفى، لكن العاملن بالصيدلية طالبوه بختم النسر على التقارير، ولولا وساطة بعض المسئولين ما تمكن من صرف الحقنة وإنقاذ زوجته وأبنائه شر التشوه، فيما طالب شقيقه الذى رافقه لإحضار الحقنة بتوفير مراكز توزيع تابعة لهيئة المصل واللقاح فى محافظات الوجه القبلى.
حقن مغشوشة
اختفاء حقن »RH« من الصيدليات أدى إلى ظهور حقن مجهولة المصدر تباع فى السوق السوداء وبعض الصيدليات الخاصة، إضافة إلى انتشار حقن أخرى صينية وكولومبية غير معتمدة أو مصرح بها من وزارة الصحة وغير معروف مدى فاعليتها أو خلوها من الفيروسات، فسامح أحمد عبد الحميد أحد أبناء إمبابة أكد أن هناك سوقا موازية تبيع حقن مجهولة المصدر وقال: عرض علي حقنة ب 7٠٠ جنيه، وعندما شككت فيها عرضتها على صيدلى لأعرف هل هى صالحة أم مغشوشة فنصحنى بعدم شرائها لأنها مجهولة المصدر، ومنتظر من الصبح أمام صيدلية المصل واللقاح عشان أصرف الحقنة السليمة. تجربة المرأة الستينية أمينة سالم التى أتت بصحبة ابنتها فى الحصول على الحقنة من الصيدليات المعروفة ومراكز العاج الطبية المتخصصة فى أمراض النساء والولادة باءت بالفشل فتقول: حاولت أن اشتريها من كل مكان، بدءا من الصيدليات المعروفة حتى الموجودة فى الشوارع الجانبية، وفعا حاولت أجيب حقنة من إحدى الصيدليات كان سعرها 700 جنيه بس نوعها صينى وشكلها مختلف عن اللى بتتباع فى المصل واللقاح، وفى النهاية اشتريت واحدة من صيدلية بشبرا الخيمة ب ١٦٠٠ جنيه.
تقليد الأصلية
كلام المواطنن عن وجود حقن مغشوشة ومجهولة المصدر فى السوق السوداء أكدته مصادر داخل المصل واللقاح طلبوا عدم ذكر أسمائهم، حيث كشفوا أن الحقن المغشوشة لم تقتصر فقط على ظهور العبوات الكولومبية أو الصينية مجهولة المصدر بل امتدت لتقليد الحقن الأمريكية المعتمدة فى مصر حيث تم تثبيت «سرنجة » بالحقنة لتشبه الأصلية، لكن بمجرد معاينتها بشكل واضح من قبل المختصن اتضح أنها من «مصانع بير السلم »، خاصة وأن الباركود والمعلومات المدونة عليها غير واضحة المعالم ومطموسة بشكل متعمد.
نفقة الدولة
شروط صارمة تفرضها هيئة المصل واللقاح على المواطنن لصرف حقن »RH« تجعلهم يلعنون اليوم الذى يولد فيه أبناؤهم، حيث تشترط الاطاع على شهادة المياد، ومرور ثلاثة أيام على الولادة، علما بضرورة أن تحقن بها الأم بعد ثلاثة أيام من الولادة بحد أقصى حتى لا يحدث تأثير سلبى على صحتها وأطفالها. كل هذا دفعنا للتحدث إلى د.أمجد الحداد، مدير مركز الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح الذى نفى وجود أى تقصير من الهيئة فى توفير الحقن، مشيرا إلى أن مصنع مشتقات الدم التابع للهيئة الذى كان ينتج هذه الحقن متوقف منذ عام 2000 ، وكانت هناك محاولات عديدة لإنشاء مصنع جديد لكن كلها باءت بالفشل، لذلك فإن الشركة تعتمد فى توفيرها على الشراء من المستوردين، موضحا أن نقص الحقن فى الصيدليات أدى إلى تزايد أعداد المترددين على الشركة المصرية لخدمات نقل الدم.
وعن اقتصار بيع الحقنة داخل هيئة المصل واللقاح بالقاهرة وما يتحمله سكان المحافظات الأخرى من عناء سفر وتنقات قال: هيئة المصل واللقاح هى الجهة المنوطة بتوفير الأدوية المصروفة بقرار العاج على نفقة الدولة طبقا لقرارات المجالس الطبية المتخصصة دون غيرها، ويتم صرف الحقن من خال منفذ وحيد بالشركة فى محافظة القاهرة لسهولة إدارة الأزمة، معلنا أنه سيتم توفير كميات كبيرة من الحقن، كما تم السماح ببيعها بسعر حر يبلغ ٧٢٠ جنيها بصيدلية المركز، وسيتم توفيرها بهامش ربحى لا يتعدى ٢٠ جنيها فقط بجميع مراكز المصل واللقاح بالمحافظات لتوفير عناء الحضور إلى القاهرة على المواطنن.
برتوكول تعاون
وفى سياق متصل أوضحت د.منال نور مختار، العضوة المنتدبة لإحدى شركات خدمات نقل الدم أن الشركة تعتمد على وكلاء الشركات العالمية المعتمدين من قبل وزارة الصحة المصرية فى الحصول على الحقنة .
وأرجعت د. منال أسباب نقص حقنة »RH« إلى رخص ثمنها مقارنة بسعرها وتكلفتها ما جعل الوكلاء يحجمون عن استيرادها فى انتظار تطبيق التسعيرة الجبرية التى أعلن عنها وزير الصحة وهي ٧٢٠ جنيها، بالإضافة إلى ارتفاع سعر الدولار وتعويم الجنيه المصرى، وعدم قدرة الوكلاء على توفير العملة لاستيراد المطلوب بشكل كاف، ما تسبب في الأزمة.
أجنة مشوهة
ويعرف د. عمرو حسن، استشارى أمراض النساء والتوليد بقصر العينى الـ »RH« بأنه بروتن موروث يوجد على سطح خلايا الدم الحمراء، وإذا كان الدم يحتوى على هذا البروتن فإن الـ RH يكون إيجابيا، وإذا افتقر الدم لهذا البروتن فإنه يكون سلبيا، ويعتبر الـ RH الإيجابى هو نوع الدم الأكثر شيوعا، وأوضح أن المشكلة تحدث عندما تحمل الأم وجنينها عوامل مختلفة من بروتن »RH« بمعنى أن تحمل الأم جيناً سلبياً والطفل جينا إيجابياً، عندها يتعامل جسم الأم مع البروتن الإيجابى على أنه جسم غريب ويبدأ فى إنتاج أجسام مضادة، فتصبح الأم فى حاجة ملحة إلى تناول حقنة »RH« فى الأسبوع ال ٢٨ وال ٣٤ من الحمل بجانب الحقن بها بعد الولادة خال ٧٢ ساعة فقط، وأخذها بعد هذا الموعد لا يفيد جسم الأم.
وأضاف: تأتى الخطورة إذا عبرت خلايا الدم من الطفل إلى مجرى دم الأم أثناء الحمل والمخاض والولادة، حيث ينتج الجهاز المناعى لأم أجساما مضادة لخلايا الدم الحمراء للطفل تدمر الأجسام الغريبة ما يصيب الطفل التالى بتشوهات جينية وخلقية تؤدى إلى وفاته.
خطر الإجهاض
وأوضحت د.الشيماء حسنى أبوالمعاطى، أخصائية أمراض النساء والتوليد أن عدم توافر حقن »RH« خطر يهدد 15 % من نساء مصر الحوامل إما بتشوه الأجنة أو موتها أو حدوث الإجهاض، مشيرة إلى استغلال بعض الصيدليات عدم توافرها وبيعها بأضعاف ثمنها ما حول الأمر إلى تجارة أكثر منه مصلحة عامة، مؤكدة أن العديد من المواطنن يذهبون إلى هيئة المصل واللقاح دون الحصول عليها نظرا لنقصها أو بسبب الإجراءات الروتينية رغم أهمية حقن السيدات بها بعد الولادة، لافتة إلى أن بعض الحالات تستدعي صرف الحقنة بعد 10 ساعات على الأكثر من الولادة وأي تأخير قد يعرض حياة الأم للخطر.
وطالبت د.الشيماء الدولة بضرورة توفيرها وبيعها بمنافذ وزارة الصحة فى كل المحافظات على أن تصرف بتقرير طبي حكومي لضمان وصولها للمستحقين ومنع تسريبها إلى السوق السوداء.