حدث تاريخي لم يتكرر منذ 30 عاما، ها هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العراق بين أشقائه شعبا ونظاما، في قمة ثلاثية تجمعه مع دولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، في إطار الجولة الرابعة لآلية التعاون الثلاثي التي انطلقت بالقاهرة في مارس 2019، وقد استقبله الرئيس العراقي برهم صالح.
قوة العلاقات التاريخية الممتدة بين مصر والعراق تؤكد على وحدة المصير والتحديات والمصالح المشتركة للبلدين، وفى كلمته أكد الرئيس السيسي على قوة الالتزام بالتعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، وما يحظى به هذا الأمر من أولوية متقدمة لديه لتجسيد التعاون الثلاثي على أرض الواقع، من خلال مشروعات استراتيجية.
وإشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى "المصير المشترك" نجدها تتجسد في حديثه عن حقوق مصر المائية بنهر النيل وارتباطها ارتباطا وثيقا بالأمن القومي العربي كجزء من الحقوق المائية العربية بشكل عام، وتأكيده على تأييد مصر الحقوق المائية للعراق وللأردن في مواجهة التحديات الماثلة أمامهما، ما يتطلب التنسيق والتعاون فيما الدول الثلاث للحفاظ عليها، بحسب كلمة فخامته.
ومصر لها دور تاريخي ومهم في المنطقة وتأتي هذه الأهمية من قوة التأثير المصري على الأحداث في المنطقة ودورها في الاستقرار وحل الخلافات الداخلية سلميا، وقد كانت قيادتها دوما هكذا منذ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
ولاشك فإن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بغداد في وقت يبدو فيه العراق بحاجة إلى دعم الشخصيات والقوى المحبة للسلام والتآخي، لأن العراق عانى منذ أمد بعيد من مشاكل وخلافات داخلية وإقليمية ومر بالعديد من الحروب التى عانى منها المواطن العراقي، وهذا يمثل بعدا مهما فى معادلة التعاون الثلاثي وأثره على الداخل العراقي نرصده بعين عراقية.
فعلى المستوى الاقتصادي تدرك حكومات ما يمكن تسميتها بدول الحلف الشرقي العربي مصر والعراق والأردن، خطورة ما تشهده المنطقة من مستجدات ومتغيرات، وتداعياتها على شعوبها، وقد مرت البلدان الثلاثة بمرحلة صعبة خلال العقد الأخير، تزايدت معها التحديات الأمنية والاقتصادية بظهور داعش وتفشي وباء كورونا.
فى الداخل العراقي عثرات اقتصادية ناتجة عن غياب توافق سياسي، والقادة الثلاثة يعلمون ذلك بالتأكيد، والانتخابات العراقية المبكرة تقترب فى محاولة سياسية لتحريك مياه راكدة على كافة المستويات، وأظن أن شراكة اقتصادية قوية ستدفع بمسار التنمية في العراق إلى محاولة تصحيح، وتدرك القيادة السياسية في العراق أهمية مشاركة المؤسسات والشركات المصرية في عملية التنمية بكافة أقاليم العراق، وهي جاهزة لذلك.
وفي زيارة فخامة الرئيس السيسي مع جلالة الملك عبدالله للعراق محاولة لإرجاع العراق إلى انتمائه العراقي وهو ضمن الخارطة الجغرافية للوطن العربي أيضا، ومعها نترقب مشاركة الزعيمين فى تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف العراقية، وسيكون لدورهما أثره الكبير إذا ما لاحظنا وراجعنا تدخلات خارجية غير مرغوبة فى الشأن العراقي من قبل قوى إقليمية بالأخص.
ولاشك أن القادة بحثوا حل الخلافات بين بغداد وأربيل، فدون حلها يستحيل وضع خطة لتنمية تحظى بها كافة الأقاليم بالعراق، كما أن كردستان به من فرص الاستثمار ما يعظم ضرورة حضور شركات مصرية وأردنية إليه، والبلدان يعرفان أن نظاما فيدراليا ووطنا متعدد الأعراق والأجناس والأديان له خصوصيته فى مشروعات التعاون السياسي والأمني والاقتصادي أيضا.
وعلى المستوى الخاص؛ أجدني مستبشرا ككردي بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأتمنى لو زار أربيل، فهو الرئيس الذي عبر فى مؤتمر الشباب من قبل عن دعمه الكامل لحقوق الكرد الدستورية وخصوصية ثقافتهم، وهو بذلك يعرف جيدا معنى التعددية والتنوع وقد نجح بعد ثورة الثلاثين من يونيو فى مصر، فى قيادة شعب يعرف مصريته أولا ولا ينفصل بها عن محيطه العربي والإسلامي والقاري والدولي.
وأزيد في القول عن ملك الأردن وارتباطه بالعراق وكذا علاقاته الطيبة بقادة كردستان والزعيم مسعود بارزاني، وهو رجل دولة يدرك جيدا المصير المشترك بين شعبه وشعب العراق.
إن أمنيات عراقية تتزايد وترى النور فى صورة خطوات ومشروعات واقعية تجمع البلدان الثلاثة، وسياسات تعبر حقا عن المصير المشترك للعراق ومصر والأردن، وستكون قمة بغداد ذات أثر كبير في توجيهها.