جاء قرار وزير العدل رقم 1087 لسنة 2000 فى تسع مواد، لينظم تسليم أطفال الشقاق ورؤيتهم لذويهم "غير الحاضنين" فى الأماكن العامة، وهو ما يجده كثيرون سبباً فى أزمات ومشكلات وصلت حد الجرائم، تشهدها مراكز الرؤية بعد ظهر كل يوم جمعة بأماكن تتبع وزارات أخرى غير العدل.
أعاد الحديث إلى ذهنى حول هذا الأمر، وأنا أحد الرافضين لقانون يستأذن به الأب أو الأم طرفا ثالثا لرؤية طفله دون مشاركة فى رعايته وتربيته بما يضمن اكتماله نفسيا والتخفيف من وقع الطلاق عليه، أحد الفيديوهات المنتشرة إلكترونيا، قيل إن مركزا للرؤية شهدها قبل أيام، تمت داخله إهانة أب وإسالة دمه والاعتداء عليه من قبل ذوى مطلقته، وهى جريمة تكررت مع آخرين مثله شهدت حد حمل الأسلحة داخل أماكن باتت غير آمنة على الأسر المشتتة والأطفال معا.
لم يقدم القانون أو القرار حلا للكارثة أو يوقف الجريمة التالية على حكم قضائى بأمر غير معقول يضطر القاضى بنص القانون لإصداره، ولسنوات وعقود ظلت الأزمة مع دوام تعذر الإتفاق رضاء بين طرفين، فى ظل نصوص عززت معها تعديلات تشريعية برفع سن الحضانة إلى 15 سنة للصغير ثم تخييره بين محتضن مسيطر عليه ومستبعد من علاقة الأبوة والبنوة بفعل التشريع ذاته.
كانت مقاطع الفيديو مرعبة حقا بينما أناقش تفاصيلها مع أحد الأصدقاء ممن يتحايلون على ظروفهم المعيشية بتشغيل سيارته لدى شركة خاصة لنقل الركاب عبر تطبيق تستدعيه به عبر الهاتف.
قال لى "يا أخى طالما مش طايقين بعض والقانون حاططهم فى ورطة لقاء الجمعة المزعج، ليه الحكومة مش تعمل خدمة توصيل العيال دى من البيت للبيت زى الديليفرى ويرجعوا آخر اليوم للى عايشين معاهم؟".
الفكرة قد تبدو بسيطة وتحتاج إلى خبير اقتصادى من عينة من ينصحون المشرع فى بلدان تبدو قوانينها الاجتماعية غير منضبطة، فيبحث أولا عن العائد من الخلافات والصراعات قبل أن يصيغ القانون، وها هى تشريعات مثل تلك المجتمعات قد أخرجت الملايين من بيوتهم إلى المحاكم وأقسام الشرطة ومكاتب محامين، ليخسروا فيها استقرارهم النفسى والمادي، وربما كرامتهم التى يهدرها تطبيق قوانين على هذه الصورة.
ولمن لا يعلم طبيعة المشكلة داخل القرار الوزارى فإن نص مادته الرابعة يقول إنه "فى حالة عدم اتفاق الحاضن أو من بيده الصغير والصادر لصالحه الحكم على المكان الذى يتم فيه رؤية الصغير، يكون للمحكمة أن تنتقى من الأماكن التالية مكانا للرؤية وفقا للحالة المعروضة عليها وبما يتناسب قدر الإمكان وظروف أطراف الخصومة، مع مراعاة أن يتوافر فى المكان ما يشيع الطمأنينة فى نفس الصغير ولا يكبد أطراف الخصومة مشقة لا تحتمل".
وحصر القرار أماكن الرؤية بهذه المادة فى أحد النوادى الرياضية أو الاجتماعية أو مراكز رعاية الشباب أو إحدى دور رعاية الأمومة والطفولة التى يتوافر فيها حدائق، أو إحدى الحدائق العامة.
هناك تجد المئات من ذوى أطفال الشقاق رغم قصر حق الرؤية للصغير على أحد أبويه أو الجدين حال وفاة الأب أو الأم، وبهذا القرار الذى جعل العلاقات الاجتماعية مهلهلة والصراعات أكبر من استيعابها، والكراهية فى النفوس خارجة عن السيطرة، وصلنا إلى مرحلة الاستسلام لدى كثيرين ممن يسعون خلف أحكام الرؤية أو ممن يعتزلون الحياة ومشروع بناء طفل للمستقبل أمام التشريع الحالي.
داخل هذا النظام التشريعى الذى تسعى جماعات ضغط لتغييره لإصلاح الواقع والرجوع إلى مطابقة للدستور والشريعة واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التى تقر حق الرعاية المشتركة، فيما تسعى جماعات مصالح لإبقاء الحال على ما هو عليه وتعقيد الأزمات بتعديلات تشريعية أصعب تنتقل من مرحلة الحقوق إلى المكتسبات من التشريع، ربما كان مسموحا لك أن تقدم تصورات بحلول ترقيعية بعيدا عن حل جذري، فتثير جدلا حول الفكرة ولا تحل الأزمة ذاتها.
بين هذه الحلول الترقيعية المقترحة أن تضع نظاما للرؤية أشبه بالاصطحاب تشرف عليه جهات تنفيذ الأحكام القضائية، وربما يمكن أن يقضى على كوارث "جمعة الرؤية" التى يلتقى فيها متصارعون بحكم القانون، فيتم إنشاء شركة حكومية لتوصيل أطفال الشقاق إلى منازل ذويهم غير الحاضنين، مقابل رسوم يتحمل طرفا علاقة الأسرة المنهارة نسب محددة منها، فلا يشكو أب من اعتداء عليه فى أكمنة الرؤية ولا تنزعج أم من تداعيات لقاء مطلقها فى مكان عام ربما وجدت أنها مكرهة عليه، وكلا الطرفين مارس حياته الطبيعية أحد يومى راحته الأسبوعين.
سيكون الأمر مختلفا وأنت تحدث مؤسسات تكتظ مع تشريعاتها المحاكم بملايين القضايا وكثير منها جنائية بسبب "جرائم الجمعة"، بينما يخرج خبراؤها بدراسة عوائد المشروع وتعديلات القوانين والقرارات، ويبررون كيف يمكن أن تخلق هذه المسألة فرص عمل جديدة لشباب، مع منح القائمين على تنفيذ المشروع سلطة الضبطية القضائية أو غيرها فى مواجهة أية مخالفات محتملة من الجانبين.
ربما تقدم هذه المشروعات بعد تجميلها ببعض الامتيازات كفكرة تخفيف الأعباء عن الأسر المضارة من قوانين معقدة، وجعل فرصة لقاء الأطفال بذويهم وعائلاتهم بكاملها ممكنة، ما يمكن معه تعديل مواعيد اصطحابهم إلى أهاليهم لتشمل اليوم منذ صباحه حتى المساء، ونقول معها إن مراكز الشباب ستخلو من الأزمات والمعارك وتعود للتريض والترفيه، بينما تملأ فرحة بيوتا تتشح بسواد الظلام بعد الطلاق، وربما نقول إن حالة نفسية تتبدل لدى أطفال إلى الأفضل ولو نسبيا.
رقمنة الخدمات والقدرة على شراء ونقل الاحتياجات من مكان إلى مكان سهلة ممكنة، وفى زمن الوباء باتت ضرورية مع إجراءات تعزز التباعد، وربما فكرة إنشاء هذه الخدمة وتقديمها بضمانات وإجراءات قانونية وحمائية لكافة الأطراف تدعم وجاهة طرحها.
أقول ختاما إن المقترح ربما يناسب الباحثين عن حلول ترقيعية، ولا يتناسب مع المؤمنين بجذرية حلول ممكنة إذا ما أقبل عليها المشرع تجنبا لتداعيات الشقاق وقوانين تنظيم علاقات الأسر المنهارة، وربما كانت له عوائد أكبر نستعيد معها من تجاهلوا الأزمة ليقضوا حياتهم فى محنة.