حذر محللون استراتيجيون من أن خصوم الولايات المتحدة يسعون جاهدين إلى تحويل الفضاء إلى ساحة حرب، وأبدوا تخوفهم المتصاعد من لجوء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تأسيس رابطة علاقات خاصة مع الصين لاستغلال ثروتها في تطوير أسلحة قادرة على وقف مسيرة التفوق التي تحققها المقاتلات الحربية الأميركية.
ولفت الخبراء إلى أن الرئيس الروسي شرع في تشكيل فريق مع الصين بعدما دمرت العقوبات المفروضة على بلاده من جهود ملاحقة التفوق الفضائي للولايات المتحدة، وحذر رئيس عمليات الفضاء، الجنرال جون دبليو "جاي" رايموند، من أن خصوم الولايات المتحدة يقومون فعلياً بالعمل كما لو كان الفضاء ميداناً للحرب، باستعراضهم لقدرات تسليح وأسلحة تنطلق من الفضاء قادرة على استهداف الأقمار الصناعية الأميركية المكشوفة.
من جانبه، أقر رئيس لجنة الخدمات العسكرية في الكونجرس الأميركي، آدم سميث، في تصريحات خاصة لدورية "إير فورس ماجازين"، بأن قدرة الأقمار الصناعية على البقاء في مداراتها وأداء عملها، تمثل أولوية خاصة للدفاع عنها ضد الخصوم، لافتاً إلى أنه من الضروري لتحقيق ذلك إلقاء نظرة فاحصة على الموازنة.
ولدى سؤاله عن أسلحة الفضاء الأمريكية مقارنة بما لدى الخصوم في نقاش مع مجموعة كتاب الشؤون الدفاعية، قال: "لا أعتقد أن كلمة /تلحق بها/ تعد اللفظة المعبرة الصحيحة"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة "لا تقف في الخطوط الخلفية في هذا المجال".
وعلق الكولونيل المتقاعد، دوجلاس لوفيرو، في منتدى عقده "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" CSIS حول تطور القدرات العسكرية الفضائية لدى روسيا، قائلاً إن تقليص تكاليف إطلاق الأقمار الصناعية داخل الولايات المتحدة كان له تأثيرٌ مزدوجٌ على قدرة روسيا، التي تعاني نقصاً في الدولارات، على دعم برنامج الفضاء العسكري الخاص بها.
وأضيرت إيرادات روسيا بسبب تراجع أسعار النفط العالمية وهو أمر تضافر مع فرض الولايات المتحدة عقوبات على موسكو في أعقاب قيامها بغزو إقليم القرم في 2014. وقد تضررت قدرات الفضاء التجارية الروسية وبرامج الإطلاق في السنوات الأخيرة مع استمرار نضوب الموارد التي يمكن استثمارها في ذلك المجال.
ولفت لوفيرو، الذي عمل نائباً لمساعد وزير الدفاع لسياسة الفضاء من 2013 إلى 2017، إلى أن موازنة روسيا لتطوير الفضاء التي تمتد 10 سنوات، وانطلقت في 2016، دعت إلى إنفاق 53 مليار دولار، غير أن موسكو لم تتمكن من تدبير سوى 10 مليارات دولار حتى الآن.
وأضاف: "على الصعيد الدبلوماسي، تحاول روسيا التغلب على جهود الولايات المتحدة بالمضي قدماً والتحالف مع الصين وغيرها من بلدان البريكس (BRICS)، [البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا]، وجميعها سعت بوضوح إلى إبطاء التقدم الذي تحرزه الولايات المتحدة في هذا الميدان"، مشيرا بذلك إلى جهود الأمم المتحدة للحد من ظهور الأسلحة في الفضاء.
كانت روسيا والصين تقدمتا بقرار مشترك أمام الأمم المتحدة في عام 2008 للحد من وضع أسلحة في الفضاء، لكن إثر ذلك، ذهب تعاونهما إلى نطاقات أبعد مدى في هذا المضمار. وأخيراً، تعاونت الدولتان حول محطة الفضاء الصينية ووقعتا مذكرة تفاهم مشتركة حول قاعدة مشتركة محتملة على سطح القمر.
ويرى خبراء استراتيجيون أنه يمكن للتعاون التجاري بين الخصمين الرئيسيين للولايات المتحدة في الفضاء أن يمتد بسهولة إلى مجالات التعاون العسكرية وتطبيقاته الفضائية، برغم أن الاختلافات التاريخية بين الصين وروسيا ربما تطفو على السطح في أي لحظة.
ويقول الكولونيل المتقاعد لوفيرو: "إن روسيا لديها تجربة في الخداع في عالم الفضاء"، مؤكدا أن "روسيا لديها خبرة قيّمة للغاية على صعيد التكنولوجيا المتطورة، لكن الصين لا تتمتع بالخبرة العملية".
من جانبه، يرى الرئيس السابق لبرنامج رحلات الفضاء المأهولة في وكالة "ناسا" أن خبرات روسيا لا يمكن إنكارها في مجال التطور السيبراني، بينما اعتبر الصين أكثر تقدماً على صعيد الفضاء. وقال "إن الجمع بين هاتين القوتين يمكن أن يكون خطيراً للغاية".
وفي ختام تقييمه للتقارب المتصاعد في التعاون الفضائي المدني بين روسيا والصين، يقول الكولونيل لوفيرو: "إن ذلك يمثل وضعاً خطيراً للغاية بالنسبة لنا لأن روسيا لديها معرفة فضائية عملياتية، والصين لديها التكنولوجيا والتمويل. ومعاً يمكن للقوتين أن يصبحا منافساً قوياً للولايات المتحدة، وبالتأكيد فإن طموحهما يدفعهما إلى أن يصبحا قوة فضائية عظمى".
وتجنب رئيس لجنة الخدمات العسكرية في الكونجرس الأميركي، آدم سميث، الرد مباشرة على تساؤل حول ما إذا كان مخصصات 4ر17 مليار دولار التي طُلبت كميزانية لقوات الفضاء تعد قراراً سليماً لمواجهة تهديدات خصوم الولايات المتحدة في مجال الفضاء. واكتفى بالقول "سواء كبُر المبلغ أو صغُر، فأعتقد أن موازنة قوات الفضاء لهي أمر صحيح، ويجب أن نغوص بعمق لتفهم مثل هذا الأمر، لكن أعتقد أنها خطوة، زادت أم نقصت، تسير في الاتجاه الصحيح".
وقلل سميث من أهمية تشكيل روسيا والصين فريقا مشتركا وأنه سيمثل تحدياً للتفوق الأميركي في الفضاء، لكنه أكد أن على الولايات المتحدة التهيؤ لمثل ذلك الطرح.
وقال: "لا أعتقد أن هناك مَن لديه أي فكرة بشأن ما إذا كانت روسيا أو الصين سيشكلان فريقاً أم لا، لكن سواء أقدما أم لم يقدما، فإننا بحاجة إلى أن نكون مستعدين لذلك، وعلينا أن نكون قادرين على حماية أنظمتنا، ونحتاج إلى أن نكون قادرين على ردع خصومنا".