ارتبط المصريون منذ فجر التاريخ بنهر النيل، حيث نشأت الحضارة المصرية على وادي النيل، وإلى الآن الكثافة السكانية في مصر متركزة حول ضفاف النيل من جنوب المتوسط إلى أسوان، وهذا الارتباط القوي بالنيل دفع صناع السينما المصرية، لتقديم عدد كبير من الأعمال التي تردد فيها اسم النيل، وناقشت أحداث عن النهر الأطول في العالم، ومنها أفلام: صراع في الوادي، صراع في النيل، عروس النيل، النيل والحياة، والنيل والناس، وغيرها.
وفي ستينيات القرن الماضي شرعت مصر في بناء مشروع قومي ضخم، هو مشروع بناء السد العالي في أسوان، والذي تحول معه مجرى النيل إلى مسار جديد، ولاقت مصر حربًا ضروس في مشوار بناء السد من قوى خارجية لم تريد لشعبنا النهوض والتنمية، ولكن الإرادة المصرية كانت أقوى من قوى الشر، وكان الهدف الأساسي من بناء السد هو توليد الكهرباء وتوصيلها إلى القرى لإنارة حياة المصريين، وإلى المصانع لدفع عجلة التنمية التي انطلقت مع تولي جمال عبدالناصر مقاليد الحكم.
وكانت السينما المصرية مرتبطة بحياة المصريين ومشاكلهم ومشروعاتهم القومية وكانت منذ إنطلاقها رافدًا أساسيًا من روافد القوى الناعمة لمصر، ومن هنا جاءت فكرة عمل فيلم "النيل والحياة"، وتم عرضه عام 1968، للمخرج العالمي يوسف شاهين، ومن سيناريو وحوار: عبدالرحمن الشرقاوي، يوسف شاهين، والكاتب الروسي نيكولاي فيجوروفسكي، وكان الاتحاد السوفيتي يدعم مصر في بناء السد، ومن هنا استعان "شاهين" بكاتب مصري روسي، وفنانين روس.
ودارت أحداث فيلم "النيل والحياة" في إطار درامي جسّد صورة المجتمع المصري في هذه الحقبة، وتضافر جهود أبناء الشعب المصري من أجل إنجاز هذا المشروع القومي الضخم، والذي يعد امتدادًا لارتباط المصريين بالنيل منذ فجر التاريخ، كما يدعم الفيلم رؤية مصر حول بناء السد، ويوضح الجوانب المترتبة على بناءه.
ويشار إلي فيلم النيل والحياة من بطولة: كل من صلاح ذو الفقار، إيجور فلادميروف، عماد حمدي، فلاديمير ايفاشوف، سيف عبدالرحمن، ديورى كاميرونى، مديحة سالم، فاليريا ايفاشكوف، حسين إسماعيل، اسفتلاناشجون، عبدالمجيد براقه، ومحمد مرشد، وإخراج يوسف شاهين، ﺗﺄﻟﻴﻒ نيكولاي فيجوروفسكي، عبدالرحمن الشرقاوي، ويوسف شاهين.
ولم يعد أي من صناع فيلم "النيل والحياة" على قيد الحياة إلا الفنان سيف عبدالرحمن الذي جسد شخصية المهندس سعد في العمل.
وقال سيف عبدالرحمن، إن الكاتب موسى صبري كتب رواية اسمها "غدًا تبدأ الحياة"، ولكن المخرج العالمي يوسف شاهين شرع في كتابة سيناريو فيلم النيل والحياة، مع عبدالرحمن الشرقاوي، ونيكولاي فيجوروفسكي، عن بناء السد العالي وعلاقة مصر بالاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، مشيرًا إلى أن تصوير الفيلم بدأ منذ العام 1964؛ حيث كانت المشاهد الأولى لتغيير مجرى نهر النيل.
وأشار سيف عبدالرحمن، في تصريحات خاصة لبوابة دار الهلال، إلى أن الفيلم كان يحكي عن بناء السد العالي، وتعاون مصر والسوفيت من أجل بناء المشروع، بعد أن رفضت أمريكا وقوى أوروبية إنشاء السد، وضغطت على البنك الدولي من أجل رفض منح قروض لمصر تنجز البناء، وقابل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رفض أمريكا بطريقة ساخرة، وتعاون بعد ذلك مع السوفيت من أجل بناء السد العالي.
وأكد "عبدالرحمن" أن الشعب المصري كله كان يقف مع مشروع بناء السد العالي، حيث كانت قضية قومية سياسية تنموية مع الرئيس جمال عبدالناصر زعيم الأمة، الذي رفض تعنت قوى دولية تجاه مصر في بناء السد، وأنجرنا بناء المشروع بأيادي مصرية، وفيلم النيل والحياة قدّم دفعة معنوية للشعب المصري للانتهاء من بناء المشروع وبدء التنمية الزراعية والصناعية.
وقال سيف عبدالرحمن إن الشعب المصري يقف خلف رؤية الرئيس السيسي لقضية سد النهضة الإثيوبي، والذي لن يفرط بأي حال من الأحوال في حقوق مصر، حيث يعتبرها قضية أمن قومي ووجود لمصر، وهذا موضوع منتهي وستجني مصر مكاسب خطواتها الدبلوماسية في مجلس الأمن، ولن يسمح السيسي بحرمان المصريين من نقطة مياه واحدة من حصتنا التاريخية.
ولفت إلى الشعب المصري هم 100 مليون بطل، وطالب بإنتاج أعمال فنية عن سد النهضة توضح الضرر الذي يقع على مصر والأجيال القادمة من هذا المشروع الذي يمس حياة الشعبين المصري والسوداني، مشيرا إلى أن الفن يجب أن يدعم رؤية الدولة.
وفي ذات السياق، قالت الناقدة الفنية خيرية البشلاوي: "السينما الآن مقصرة جدًا في حق القضايا القومية المصيرية؛ مثل قضية سد النهضة، مشيرة إلى أنها لا تذكر أن هناك فيلم قوي ومؤثر وصل للناس عن هذه القضية، والواضح أنها قديمة، ولكن وعينا بها حديثًا، وهي تشكل تهديداً قوياً جدًا لحياة المصريين، ويناقش مجلس الأمن في جلسته اليوم ما وصلنا إلى من مستوى خطير من التهديد، ولكن السينما لا يجب أن تنشغل بالجانب الترفيهي فقط، وإنما عليهعا أن ترتبط بواقع المصريين".
وأضافت خيرية البشلاوي، في تصريحات خاصة لبوابة دار الهلال: "وامتادادًا لما قدمته الدراما التلفزيونية مؤخرًا في مسلسلات: الاختيار، هجمة مرتدة، والقاهرة كابول، فسوف تشهد الفترة المقبلة يجب أن تشهد أعمالا ترتبط بالتحديات الحالية التي تمس الأمن القومي المصري".
وجدير بالذكر أن الساعات الماضية شهدت تحركات دبلوماسية مصرية حول سد النهضة في مجلس الأمن، وأكد السفير سامح شكري وزير الخارجية في كلمته أمام مجلس الأمن أن الملء الثاني لسدّ النهضة بدون اتفاق قانوني ملزم، يمثل تهديدًا للأمن والسلم في المنطقة ولحياة الملايين من المصريين.