الثلاثاء 7 مايو 2024

قضية المراحيض ليست شيئًا صغيرًا

مقالات12-7-2021 | 17:32

تعودت دوماً أن أحتسي فنجاناً من القهوة وقليل من الماء أثناء تواجدي في مكتبي بمقر عملي، ولدى مغادرتي المكتب الأسبوع الماضي لحضور اجتماع في مكان آخر يبعد حوالي 60 كم، وبينما أنا في منتصف الطريق تقريباً شعرت بأنني في أشد الحاجة لدخول دورة المياه، حيث أنني من مرضى السكري من النوع الثاني وأحتاج بشكل مستمر إلى دخول دورة المياه.. وبالتأكيد هناك أطفال ونساء وشيوخ وذوي إعاقة يحتاجون إلى هذا الأمر، حيث يُعد موضوع قضاء الحاجة بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، وهذا هو ما حدث لي بالفعل.

وللأسف لم أجد على طول الطريق دورة مياه عامة واضحة، ولم أستطع استخدام دورات المياه المفتوحة، والتي يُعد استخدامها عمل لا أخلاقي وغير صحي ويضر بالبيئة ولعلمي بأن المادة رقم (278) من قانون العقوبات، تنص على "يعاقب كل من يقوم بأي فعل فاضح يخدش الحياء في العلانية، بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة تتراوح من 3000 جنيه إلى 5000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وفي محاولة لحل الأزمة، قمت بإيقاف سيارتي على جانب الطريق، وبدأت أبحث في الإنترنت عن أقرب مكان به دورة مياه، ولم أجد إلا دورة مياه على بعد خمسة كيلومترات، وللأسف عندما وصلت إليها وجدتها مغلقة.. وفي الوقت نفسه وبالصدفة البحتة وجدت تطبيق جديد اسمه (مزنوق) صممه عدد من الشباب، لمعرفة أقرب دورة مياه في شوارع القاهرة، ويهدف إلى مساعدة المواطنين، والمسافرين، والسياح، على معرفة أقرب حمام عمومي لهم أثناء سيرهم في الشوارع.

 ويعتبر التطبيق هو الأول من نوعه في مصر للوصول إلى الحمامات العمومية، عن طريق استخدام خاصية تحديد المواقع "جي بي إس" في نطاق 5 كيلو مترات، ومن خلال التطبيق يتم تحديد أقرب حمام عمومي وتحديد طرق الوصول إليه. فحمدت الله أن وجدت مثل هذا التطبيق الذي سيحل الأزمة، ولكن للأسف كان الدخول إليه معقداً إلى حد ما.

وعادت بي الذاكرة إلى ما عانيت منه في الصين أثناء دراستي هناك خاصة خارج العاصمة بكين قبل أكثر من عشرين عامًا من سوء وقذارة دورات المياه إن وجدتها، إلا أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أطلق في عام  2015، ما وصف بأنه ثورة المراحيض، بعد تزايد شكاوى السياح.. وهو ما يعني أن الحملة استهدفت بناء مراحيض أفضل في المواقع السياحية.

 وبالفعل، قامت الإدارة الوطنية للسياحة ببناء وتحديث 70 ألف حمام خلال ثلاث سنوات قيل إنها تمثل نحو 19% من المستهدف.. ثم أعلنت الإدارة عن خطة جديدة لبناء ورفع مستوى 64 ألف مرحاض بين عامي 2018 و2020.. وبين الخطتين، كتب الرئيس الصيني شي جين بينغ، مقالًا تصدّر الصفحة الأولى من جريدة الشعب الصينية - الأوسع انتشاراً -، في 29 نوفمبر 2017، دعا فيه إلى مواصلة ثورة المراحيض لتشمل تطوير المراحيض العامة، وأكد في مقاله على ضرورة الارتقاء بالمراحيض العامة، من أجل بناء مجتمع أكثر تحضرًا، وشجّع المسئولين على مواصلة تحديث الحمامات السياحية، وأشار في مقاله إلى أن قضية المراحيض ليست شيئًا صغيرًا، كما يعتقد البعض، بل تمثل جانبًا مهمًا في بناء المدن والريف المتحضر، وطالب ببذل مزيد من الجهود الكبيرة لسد الفجوة بين التنمية الاقتصادية التي تشهدها الصين ومستوى معيشة الشعب.

ونظراً لأهمية وخطورة الموضوع، فقد عُقد في 23 فبراير 2018 ((مؤتمر عمل لثورة المراحيض الوطنية)) في محافظة تشنغدينغ، بمقاطعة خبي.. وقد أبدى الرئيس شي جين بينغ اهتماما كبيرا بمشكلة المراحيض حين كان يعمل في تشنغدينغ في أوائل الثمانينيات، وقاد الشعب المحلي لبذل الجهود في تحسين المراحيض الريفية التقليدية، كما طرح استراتيجية النهوض بالمحافظة عن طريق السياحة، بما يدفع الصناعة الثالثة ويخدم عاصمة المقاطعة، الأمر الذي يجعل محافظة تشنغدينغ أقرب نافذة سياحية عن مدينة شيجياتشوانغ.

وتشير "ثورة المراحيض" إلى مبادرة لإصلاح المراحيض في البلدان النامية، اقترحتها منظمة اليونيسيف أولا.. وتعتبر المراحيض رمزا هاما لتقييم مستوى الحضارة، إذ أن تحسين الصرف الصحي للمراحيض يحدث تأثيرا مباشرا على صحة وبيئة السكان في هذه البلدان. وتحتفل الأمم المتحدة والعالم في نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للحمامات، نعم اليوم العالمي لدورات المياه  World Toilet Day، الذي تستمر احتفالاته ثلاثة أيام متتالية.

وردًا على ما يُقال من عدم الحصول على مكان دورات المياه العمومية في الصين، أطلقت إدارة السياحة الوطنية الصينية "نظام الملاحة للمراحيض بالمناطق السياحية في البلاد" الذي يقدم خدمة تحديد المواقع بدقة والملاحة الديناميكية للمراحيض، بما يمكّن المواطن والسائح من العثور على جميع المراحيض في حدود 2 كم عن طريق تطبيق بالهاتف المحمول. وقد سجل النظام الملاحي أكثر من 500 ألف مرحاض في أنحاء الصين والسعي إلى توسيعها ليصل عدد دورات المياه  إلى 1 مليون مرحاض.

وبالعودة إلى قضية الحمامات العمومية في مصر، والتي وصل عددها إلى 1304 دورات مياه عمومية بمحافظات الجمهورية، طبقا لإحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام 2018، وهو ما يعني أن كل 76 ألف مواطن لهم دورة مياه واحدة.

في نفس الوقت، فإن كافة الشواهد والإنجازات والمشروعات التي نفذتها الدولة خلال السبع سنوات الماضية تُعد نوعاً من الخيال بل والإعجاز، فنحن نرى بأعيننا كل هذه المشروعات العملاقة التي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي لبناء دولة عصرية حديثة في كافة النواحي، وما أُنجز على أرض الواقع وتم إنجازه في أوقات قياسية يُعد إعجازا حقيقيا بكل المقاييس.

وقد تمثلت الإنجازات في العديد من المشروعات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر العاصمة الإدارية الجديدة والمتحف المصري الجديد ومشروع الطاقة الشمسية في أسوان والطرق وربط محافظات الجمهورية بالقطار السريع والتوسع في استصلاح الأراضي الزراعية ومبادرة حياة كريمة لتطوير الريف المصري خلال 3 سنوات والتي ستصل إلى كل المواطنين والتوسع في غزو الصحراء والمزارع السمكية ومبادرة 100 مليون صحة والتي استهدفت كل المصريين والقضاء على فيروس سي والقضاء على العشوائيات وتوفير مسكن آمن لكل مواطن وتوفير لقاحات كورونا... إلخ.

إلا أني أتمنى أن يتم إنشاء دورات مياه ذكية أسفل الكباري، مثلها مثل أي مشروع استثماري وكذلك في الطرق الجديدة. الحقيقة في ظل هذه الصحوة لابد من العناية والاهتمام بالمواطن المصري والسائح الأجنبي وبدون العناية بالنظافة بشكل عام، ودون توفير دورات مياه عمومية نظيفة ومحترمة في كل ميدان، وبين كل شارع وآخر، مهما كانت التكلفة، ودون رفع وعي المواطن وهنا دور هام على إعلامنا في هذا الأمر وكلنا يعلم السلوكيات التى يقوم بها البعض للأسف.

وحسب تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية، جاء فيه أن كل دولار يتم استثماره في الصرف الصحي ومعالجة النفايات البشرية، يضخ عوائد قيمتها 5.5 دولار في الاقتصاد العالمي.

 وقد أنفقت مؤسسة بيل وميليندا جيتس نحو 200 مليون دولار خلال 7 سنوات لتمويل أبحاث الصرف الصحي.

 وظهرت نتائجها في معرض إعادة ابتكار المراحيض «ري انفينت إكسبو»، الذي استضافته العاصمة الصينية بكين، في نوفمبر 2018، إذ قامت المؤسسة بعرض 20 تصميمًا لمراحيض مبتكرة وأنظمة لصرف ومعالجة الفضلات، تقوم بالتخلص من مسببات الأمراض، وتحويل النفايات البشرية إلى مياه نظيفة وأسمدة. بالإضافة إلى قيام معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بالاشتراك مع المؤسسة، بعرض مفاعل كهروكيميائي يقوم بتحليل وفصل مكونات المياه والفضلات البشرية، لينتج أسمدة وهيدروجين يمكن تخزينه، كطاقة، في خلايا وقود.

ويواصل الابتكار التكنولوجي تقديم حلول ذكية لثورة المراحيض، حيث بدأت تظهر مؤخراً أنواع متعددة من المراحيض الذكية الموفرة للطاقة وللمياه، والمريحة للاستخدام من حيث النظافة التامة وخدمة البيئة والصحة العامة.

 ويرى بيل جيتس أن ضخ الأموال في صناعة المراحيض المبتكرة يعد استثمارًا جادًا، ويراهن على أن إعادة ابتكار أنواع جديدة من المراحيض يمكن أن تنقذ أرواح نصف مليون شخص وتوفر أموالا بأكثر من 200 مليار دولار.

وفي الختام، فإنني أدعو الحكومة ممثلة في وزارة السياحة والبيئة وجميع الجهات المعنية بضرورة تبني هذه القضية والبدء في استقطاب المستثمرين المصريين والأجانب للاستثمار في هذا المجال.

 أتمنى أن أشاهد دورات المياه العمومية (المراقبة بالكاميرات) منتشرة بسعر رمزي جنيه أو جنيهان في كل محافظات مصر خاصة المحافظات السياحية وبمستوى نظافة يليق بمصر وشعبها وتاريخها العظيم ونهضتها الحديثة وبالجمهورية الجديدة.

تحيا مصر دائمًا وأبدًا..

أحمد سلام .. المستشار الإعلامي المصري الأسبق بالصين.. الخبير بالشأن الصيني 

Egypt Air