الأحد 5 مايو 2024

«التنقيب عن الآثار» هوس وصداع مزمن يؤرق الإسكندرية

آثار الاسكندرية

محافظات14-7-2021 | 10:17

جميلة حسن

بات التنقيب عن الآثار هوس بالنسبة للكثيرين ممن يحلمون بالثراء السريع بأي وسيلة ممكنة، فكل فترة تقع حوادث بسبب التنقيب عن الآثار، ولم يعد الأمر يقتصر على محافظات بعينها، بل أصبحت الظاهرة منتشرة في جميع محافظات الجمهورية.

وتعد الإسكندرية واحدة من هذه المحافظات التي انتشرت فيها ظاهرة التنقيب عن الآثار بقوة، لاسيما أنها مدينة ساحلية يمكن استغلالها في تهريب الآثار للخارج، ورغم الجهود الأمنية المبذولة في مواجهة الظاهرة، لا تزال تمثل مشكلة مزمنة تبحث عن حلول جذرية وبذل مزيد من الجهود وتكاتف كافة الجهات.

وعن مشكلة التنقيب عن الآثار في الإسكندرية، قال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية: "إن الإسكندرية من المدن الأثرية القديمة، تتمتع بتاريخ غني وتعاقبت عليها حضارات مختلفة تركت ورائها آثار كثيرة، موضحًا أن مدينة الإسكندرية تحتل المرتبة الأولى بين محافظات الوجه البحري في التنقيب عن الآثار، يليها الشرقية والدقهلية والمنوفية، كما أنها واحدة من المحافظات التي يتم تهريب الآثار من خلالها عن طريق الموانئ، بجانب بورسعيد ومطروح".

فيما انتشرت الظاهرة بكثرة في المحافظات الجنوبية التي اشتهرت بوجود كثير من الكنوز الفرعونية، مثل الأقصر وقنا وبني سويف والمنيا وأسيوط، وجاءت محافظتا القاهرة والجيزة في المرتبة التالية، ضمن المحافظات الأكثر بحثًا عن الآثار من قبل الأهالي.

وأشار "عامر" إلى أن التنقيب عن الآثار من قبل الأهالي نوع من التجارة غير المشروعة عالميًا والعابرة للحدود طبقًا للتصنيف الدولي لها، فأصبحت تُدار من خلال شبكات داخل مصر وخارجها لأنها تجلب مليارات الدولارات وتتطلب تمويل كبير لعمليات التنقيب حتى يتم استخراج الآثار، وحاليًا يتم استخدام الأقمار الصناعية التي يتم استئجارها من الخارج لتحديد الأماكن المتوقع فيها وجود آثار.

ورغم تجريم التنقيب عن الآثار، فإن الكثيرين لا يزالوا يعتقدون أنه حق مشروع لصاحب الأرض، ويتذرعون ببعض الفتاوى المضللة التي تقول بأن التنقيب عن الآثار وبيعها لا إثم به.
وطبقًا للإحصاء الرسمي لوزارة الداخلية، بلغ عدد قضايا التنقيب وحيازة الآثار حتى  يونيو الماضي 3364 قضية، مما يعكس حجم الشغف بالتنقيب عن الآثار لتحقيق الثراء السريع.

وتابع: "في الوقت الذي تعمل فيه الدولة على التعظيم من قيمة المواقع الثقافية والتراثية والحفاظ عليها من خطر الإهمال أو العبث أو السرقة، لا يبحث هؤلاء الأفراد سوى عن مصلحة مادية خاصة، ولا يستطيع أن يتذرع هؤلاء بأن الحاجة للمال هي من دفعتهم لارتكاب هذه الجريمة، لأن التنقيب عن الآثار يحتاج إلى معدات غالية الثمن، فالذي يستطيع توفير الأموال اللازمة لشراء معدات التنقيب، كان من الأولى له استثمارها في مشروع يعود عليه بالرزق الحلال".

ولفت "عامر" إلى أن الآثار المهربة تُباع في مزادات علنية في الخارج، وليس للدولة المصرية أي حق في عودتها، لأنها غير مسجلة، ولا تمتلك الدولة دليلًا على أنها خرجت بطريقة غير شرعية، نظرًا لأن اتفاقية "الويبو" الخاصة بحماية الملكية الفكرية، لا تنص على حقوق الملكية الفكرية للآثار.   

وأضاف، أن مصر واجهت هذه المشكلة اعتبارًا من عام 1983، حين تم إصدار أول قانون لتنظيم عمليات التنقيب وحماية الآثار، وتم تعديله عدة مرات، آخرها في عام 2020، مؤكدًا أن هذا التعديل سيساعد الدولة على إحكام قبضتها على تجار الآثار والأشخاص الذين ينقبون عنها أسفل منازلهم بشكل غير مشروع، حيث يفرض القانون عقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد عن 10 ملايين، على كل من قام بتهريب أثر إلى خارج مصر مع علمه بذلك، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد عن 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد عن مليون جنيه، على كل شخص هدم أو أتلف عمدًا أثرا منقولًا أو ثابتًا أو شوهه أو غير معالمه أو فصل جزءًا منه عمدًا، وكذلك كل من أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص.

واقترح "عامر" أن يتم إنشاء جهاز مستقل لمكافحة جرائم التنقيب عن الآثار وتهريبها، على أن يكون منفصلًا عن قطاعات وزارة الداخلية المختلفة، وكذلك تعديل القانون لمواجهة الثغرة الخاصة باستئجار الأقمار الصناعية لتحديد أماكن وجود الآثار، فيُعاقب كل من قام باستئجار أي وسيلة اتصال من الخارج، وأكد رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية، أن الجهود الأمنية لا تكفي وحدها لمواجهة هذه الظاهرة، فلابد أيضًا من زيادة الوعي بأن التنقيب عن الآثار والإتجار بها جريمة في حق التراث والحضارة.