الجمعة 1 نوفمبر 2024

"الراهبة الغجرية" الحياة وماهية النفس البشرية

رواية الراهبة الغجرية

ثقافة17-7-2021 | 13:45

مريانا سامي

صدرت رواية "الراهبة الغجرية" للكاتب ملاك رزق عن دار منشورات الربيع وكانت الطبعة الأولى قد شاركت في معرض الكتاب 2020 وشاركت هذا العام مرة ثانية.

تدور أحداث الرواية حول عدد من الشخصيات منهم المُهمشة في المجتمع ذوات الأرواح الخفيفة التي لا تريد شيء سوى الحب والرقص والحرية وقوت يومهم كي يواصلوا العيش؛ ومنهم راهبة ليست كباقي الراهبات وضابط شرطة يدُعى حسين، في العصر الملكي وبداية تداعيات ثورة يوليو والجمهورية. 

العنوان الأول "قبل الموعد بموعد" تبدأ الرواية بمشهد رومانتيكي حيث الليل وسباق الخيل، هنا على الطريق الخالي يقف "مالك الغجري" استعداًد للانطلاق ولذة الفوز ككل مرة؛ غير أن الليلة مُميزة حيث تظهر فتاة "فتحية الغجرية" لتتحداه في سباقه وبالفعل تفوز عليه وتطلب منه أن يُقبلها ك مكافأة لها في النهاية! ليظهر بشكل جلّي للقارئ حالة العشق التي تحاوط الاثنين، وهو مشهد أظنه تمهيدي تعريفي لعلاقة بطلين من أبطال الرواية قبل عام ونصف من بداية الأحداث المحورية. 

تنطلق أحداث الرواية من العنوان الثاني وهو "البدايات" حيث العم حكيم الرجل العجوز الضرير الذي يجلس أمام منزله ينوح على أمواله التي سُرقت؛ في انتظار ضابط الشرطة للتحقيق في الجريمة؛ وهنا يصف الكاتب مكان سكن أبطال الرواية وهي حارة من حواري مصر القديمة تسمى "حارة المنجوشي" ومن وصفه تستطع أن تدرك أي حالة فقيرة يعيشها الأبطال، يبدأ الضابط حسين بالتحقيق مع جيران العم حكيم في جولة يأخذنا الكاتب للتعرف على حكاية كل بطل منهم.

في بداية الرواية تظن أن كل قصة بطل منفصلة عن الأخرى وأن الكاتب يحكي مجرد قصص منفصلة بها عبره، لكن مع الوقت تتيقن أن كل هؤلاء الأشخاص هم حلقات في سلسلة واحدة مرتبطة بعضها ببعض؛ في أول شقة أثناء التحقيق في جريمة السرقة تظهر فتحية، نفسها الغجرية العاشقة في أول الرواية وفي الطابق الثالث عاليه تلك المحتشمة الملابس والتي غيرت أثاث منزلها ليشبه الكنيسة الصغيرة.

في قصة مالك وفتحيه يعرض لنا الكاتب أمثلة لشخصيات نادرًا ما تناولتها الروايات عن قرب "العربجي، الغنامة، بائع الخردة، الغجر" ألامهم وطموحاتهم وحتى دواخلهم النفسية، يصف بشكل دقيق وشيق حياة الغجر وعاداتهم وتقاليدهم وحتى شكل ملابسهم وطريقة حديثهم، في سرد هادئ وبسيط يأخذك إلى هذا العالم وكأنك شاهد عّيان، تارة ستحب غنج وقوة فتحية وتارة تكرهها لقسوة قلبها وحساباتها الخاطئة، تارة ترى مالك مجرد غجري عادي وأخرى تشعر وكأنه شخصية فلسفية من الدرجة الأولى.

"الحرية لا ترجع للوراء، الحرية تتمدد لا رادع لها لو توهمنا بذلك لبعض الوقت" مالك الغجري طير مأسور لم يلقى الحرية ولم تتشبع روحه بالراحة وسط القيود، وحين قرر البحث عنها عاقبته حبيبته وتسببت في ضياعه للأبد.

الضابط حسين وزوجته سمر، تلك الياسمينة التي كانت روحها تبتهج لحبها زميل لها، إلا أن حسين حين وقع في غرامها قرر امتلاكها رغم رفضها، فتزوجته وقررت أن تعاقبه حتى نالها بقايا انتقامها وأنقلب السحر على الساحر؛ لتيقن هذا في وقت متأخر بعد فوات الأوان 

والقصة الثالثة والمحورية هي عالية، تبدأ قصتها غامضة بشكل يثير الأسئلة، فتاة في نهاية العشرينات تعيش بمفردها في منزل صغير يشبه الكنيسة ونافذة مغلقة بألواح خشبية، وقصص عن راهبة ملعونة تشعر إنها جزء منها!

تمر الأحداث ليكتشف القارئ أن عاليه هي نفسها الراهبة الملعونة التي تربت في دير الراهبات وكبرت معهم لتتركهم للقيام بخدمة ما لن تعود بعدها كما كانت ولا حتى تخطي ديرها مرة ثانية؛ وفي قصة الراهبة "عاليه" يُجمل الكاتب ملاك رزق مجموعة من الأسئلة الوجودية الطبيعية التي تسألها فتاة لم تعرف أي عالم غير عالم الدير، يغوص في دواخل الشخصية ليجسد لنا صراعتها مع نفسها، ما بين فطرتها كإنسان يحب الحياة وبين ما تعلمته من الراهبات في الدير؛ نظرتها لجسدها وللحب والرقص والغناء وسعادتها وسط كل هذا وتحذير رئيسة ديرها أن كل هذا خطيئة وأن الشيطان يكمن هنا!.

وهنا في قصة الراهبة ربما لن تقابل أبدًا قصة تقف أمامها وأمام تعقيداتها ومقارنتها وصراعتها كهذه القصة، وعلى كل حال ودون حرق للأحداث فلن تخرج من قراءتها دون أن تقع في دائرة لانهائية من الأسئلة.

الرواية بها اسقاطات سياسية كثيرة عن هذه الفترة التي تدور بها أهمها علاقة الضابط حسين بمالك وعلاقته بزوجته وتصرفاته الشخصية، وموقف الحرية والرقص والغناء والاختلاف بشكل عام عند السلطة السياسية وكيف يتصادم الاثنين معًا بطريقة تؤدي إلى نقطة اللارجوع.

"الراهبة الغجرية" كانت النهاية فيها منطقية أو ربما نقول بشكل أدق مناسبة لمأساوية الأحداث التي جرت، غير عادلة لأشخاص بعينها لم يطلبوا سوى الحياة بشكل مُريح لأرواحهم وأنفسهم الضائعة، 106 صفحة لن تستطيع أن تحذف أي جزء منها فكل جزء على صلة وثيقة بالأخر، ولن تمل أبدًا بل بجانب الاندماج في سرد وتوصيفات الكاتب وحبكة القصة التراجيدية سوف تكسب الكثير من المعلومات بشكل يسير وشيق.